هل ضعف الدبلوماسية المغربية تسبب في مشكل الصحراء؟؟

0

UNITED-NATIONS

مابريس – نورالدين الشضمي

وثائق أمريكية يتم الكشف عنها مؤخرا تظهر بشكل واضح أن القوة العظمى التي طالبها الملك، في خطابه التاريخي بمناسبة الذكرى الأربيعين للمسيرة الخضراء، سنة 2015, بموقف واضح من قضية الصحراء، كانت دائما تؤمن أن المغرب هو الدولة الوحيدة التي تربطها علاقات وثيقة بالصحراء، بل إن الجزائريين، وعلى رأسهم الرئيس الراحل هواري بومدين، كانوا يعتقدون، حسب ما ورد في حواره مع وزير الخارجية الأمريكي، هنري كيسنجر،  أن الحل يكمن في أن تقسم الأرض بين المغرب وموريتانيا، على اعتبار أنهما الطرفان المعنيان بها، وأن سكانها الرحل الذين لا يتجاوز عددهم الثلاثين ألفا يعيش قسمهم الأكبر بين المنطقة والمغرب.

 بعد مضي قرابة أربعة عقود على تنظيم المغرب للمسيرة الخضراء لاسترجع جنوبه، وتحوّل عملية تحرير الأرض من الاحتلال الاسباني إلى حرب مع الجارة الشرقية الجزائر دامت قرابة 15 سنة قبل أن يُعلن وقف إطلاق النار, تراكمت طبقات سميكة من التطورات والاقتراحات والمفاوضات حول هذا الملف القنبلة، لدرجة أصبح معها المغرب مضطرا إلى خوض المواجهة على جبهات تبتعد أكثر فأكثر عن أصل الملف وجوهره: توسيع صلاحيات بعثة المينورسو تارة، واستغلال الثروات الطبيعية لإقليم الصحراء المتنازع عليه تارة أخرى، ثم ملف حقوق الإنسان وكيفية التعامل مع جيش من انفصاليي الداخل المصرّين على التنقل بين معسكرات التخطيط ضد مصالح المغرب وبين مدن الصحراء.

تراكمات تجعل البعض، خاصة منهم الأجيال اللاحقة لحدث المسيرة الخضراء، أمام متاهة يضيع معها جوهر الملف وحقيقته. الوثائق السرية التي كشفت عنها مؤخرا الإدارة الأمريكية بعد خروجها من نطاق السرية، تحمل إضاءات مهمّة حول حقيقة الصراع وأصله. ومن بين تلك الوثائق، تلك التي اختار «أخبار اليوم» تقديم أهم خلاصاتها لما تنطوي عليه من معطيات وحقائق مثيرة. ويتعلّق الأمر بوثيقة أعدّتها مصالح وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في العام 1974، بشكل مفصّل ودقيق. الوثيقة عبارة عن مرجع أعدته مصالح الوكالة الاستخباراتية المتطوّرة، ورفعته إلى إدارة الرئيس الأمريكي.

أهمية الوثيقة تكمن في تاريخ إعدادها، أي في مرحلة كانت الولايات المتحدة الأمريكية شديدة التمسّك بموقف الحياد في ملف الصحراء، مبرّرة ذلك بغياب أية مصالح يمكن أن تدفعها إلى اتخاذ موقف، ورغبتها الكبيرة في عدم تأثير هذا الملف على علاقاتها مع الدول المعنية به، خاصة إسبانيا والمغرب والجزائر. كما تتضمّن الوثيقة وصفا دقيقا يكاد يكون علميا لأصول وجذور المشكل، ويكشف حقيقة الوضع الديمغرافي للصحراء وعلاقة السكان بدول المنطقة والأسباب الحقيقية لموقف كل دولة من الدول المعنية بالموضوع. الوثيقة تكشف بكل اختصار معرفة الأمريكيين الكاملة كون الأمر يتعلّق بصراع مغربي جزائري، وتقرّ بكون الجارة الشرقية للمغرب استعملت الموضوع لمعاداة استقرار المغرب ولكونها تعتنق فكرة اعتبار دول الجوار مشاريع خصوم يجب محاربتهم بشكل دائم.

ضعف الدبلوماسية المغربية:

في القرن القرن الماضي تسبب جهل الدبلوماسية المغربية في إدخال ملف الصحراء إلى مجلس الأمن بالأمم المتحدة الامر الذي جعل أجيالا متتالية تعيش في دائرة مغلقة, التقرير الأممي يجب أن يجيب عن السؤال الذي طرحه السيد بان كي مون منذ شهور حول إعادة طرح كيفية التعاطي مع الملف بمجمله. ومع الأسف لم نجد لذلك أثراً في مسودة التقرير. وفي نظرنا المسألة لا تعدو أحد الخيارات الثلاثة: إما الحل السياسي المتوافق عليه والذي ما فتئت تلحّ عليه قرارات مجلس الأمن منذ فشل إجراء الاستفتاء في يناير 1992. وفي هذه الحالة ليس هناك ما يمكن للمغرب أن يقدمه أكثر من الحكم الذاتي وإن شئتم زدنا عليه نعت “الموسع”. وإما العودة إلى الاستفتاء الذي أعلنت الأمم المتحدة على لسان مبعوثيها بيكر وفان فالسوم أنه غير قابل للتطبيق، بل حتى الأمين العام الأسبق  “بريس ديكويلار” أعلن ذلك. وإما سحب الملف من مجلس الأمن وإعادته إلى الجمعية العامة، كما كان قد اقترح السيد “كوفي عنان” في الفقرة 37 من تقريره المؤرخ في أبريل 2004، مع ما يترتب عليه من سحب لبعثة “المنورسو”.

 يجب ألا ننسى أن جل الجهود الدبلوماسية للمغرب تتركز على الدفاع عن قضية الوحدة الترابية وملف الصحراء المغربية، وربما كان هذا التركيز من آفات تدبير علاقاتنا الخارجية التي أنهكت قواها وطاقاتها في التفكير في كيفية معالجة هذه القضية، متجاهلة حقيقة أساسية مفادها أن العلاقات الخارجية لبلد ما لا تقتصر على قضية واحدة أو ملف واحد، بل تمتد إلى كل شؤونه ومصالحه الأخرى وعلى رأسها، مثلا، المصالح الاقتصادية. هذا ما يفسر على سبيل المثال غياب الأثر الدبلوماسي في حماية المصالح الاقتصادية الوطنية وتعتبر العلاقات الاقتصادية مع إسبانيا والاتحاد الأوربي، وخصوصا في قضايا الثروة السمكية وقضايا الفلاحة والتجارة، واحدة من الأمثلة التي تعكس هذا الغياب والعجز الذي ينعكس على المفاوض المغربي المستعد دائما للتفريط في كثير من الحقوق من أجل ضمان الاستقرار والاستمرارية في قضية الوحدة الترابية. لقد تحولت هذه القضية بالنسبة للدبلوماسية المغربية إلى منشط ومثبط في الآن نفسه.
هذا المفاوض أو الدبلوماسي يشكل بدوره لغزا في مؤسساتنا الدبلوماسية. لا أحد يعرف من أين يتخرج سفراؤنا وقناصلنا، ليؤدوا رسالتهم في حماية والدفاع عن مصالح الوطن ومصالح أبنائه في بلدان غربتهم. في الغالب يعين بعض النشطاء السياسيين أو الحقوقيين أو بعض الأكاديميين في بلدان بعيدة من باب نفيهم وإبعادهم، وأحيانا مكافأة لبعضهم دون أن يتأكد أن لهم من الكفاءة السياسية والعلمية ما يضمن أن يؤدوا رسالتهم بنجاح. يمكن في هذا الإطار أن نشير إلى غياب مؤسسة تكوينية خاصة بتأهيل وإعداد سفراء وقناصل المستقبل كما هو الأمر في بعض البلدان التي تحترم التخصص والمعرفة. غالبا ما يعين هؤلاء السفراء بناء على كوطا محددة سلفا تراعي انتماءاتهم الحزبية أو الجهوية وآخر ما تراعيه لدى المرشحين هو قدر الكفاءة والرؤية الدبلوماسية التي يمتلكونها. فالتعيين في السفارة إما أن يكون عقابا ونفيا، أو شرفا ومكافأة.
يجب، إذن، أن نطرح سؤالا بسيطا وواضحا: هل تمتلك الدولة استراتيجية واضحة في تدبير العلاقات الخارجية بشكل مجمل وليس فقط تدبير ملف الوحدة الترابية؟ من الصعب الفصل بين الشأنين طبعا، لكن من المفيد لنا أن نتساءل عن الالتزام الرسمي بهذا الشأن لأن وجود استراتيجية أو غيابها هو الذي يحدد مآلات كل المصالح الوطنية بما فيها قضية الوحدة الترابية. على سبيل المثال، نهجت دولة صاعدة مثل تركيا، قبل بضع سنوات، سياسة خارجية تحت عنوان «صفر مشكلات» من أجل تصفية أجوائها مع الجيران وباقي بلدان العالم وفتحت حدودها على مصراعيها فحققت من هذه الاستراتيجية مكاسب اقتصادية وأمنية وسياسية واسعة. فما هو عنوان الاستراتيجية التي تمتلكها إذن الدولة المغربية لضمان المصالح الوطنية وحمايتها؟

قد يعجبك ايضا

اترك رد