هل السعودية آمِنة في يد محمد بن سلمان؟
هناك سبيل واحد فقط لحل الأزمة التي خلقها القتل الوحشي لجمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول، وهذا السبيل هو أن يجد الملك سلمان وريثاً آخر للعرش.
فرغم كل محاولات ولي العهد محمد بن سلمان لغسل يدَيه من دم خاشقجي، من المحال أن يهرب من المسؤولية عن هذه الجريمة البشعة والهمجية.
نشر موقع Middle East Eye البريطاني أمس 22 أكتوبر/تشرين الأول، أول رواية مُفصَّلة عن «فرقة النمر»، وهي وحدة النخبة التي نفَّذت عملية الاغتيال هذه إلى جانب عمليات أخرى لا تُحصى. اقرأوها واسألوا أنفسكم عما إذا كانت وحدة بهذا الحجم والموارد المالية والقدرة العملياتية العالمية هي فعلاً وحدة «مارقة» لا يعلم محمد بن سلمان بشأنها.
تشكَّلت فرقة النمر قبل أكثر من عام، وتتألف من 50 من أفضل العملاء المُدرَّبين من الجيش والاستخبارات. ومهمتها هي تنفيذ عمليات إعدام سرية للمعارضين السعوديين داخل البلاد وخارجها.
ضمت فرقة النمر، تحت إشراف اللواء أحمد العسيري الذي بات مُقالاً الآن، خمسة موثوقين من أفراد المفرزة الأمنية لولي العهد، حتى يبقى متصلاً بصورة مباشرة بها.
ويُعَد قائد عملية إسطنبول، ماهر عبدالعزيز المطرب، دبلوماسياً ولواءً سافر مع محمد بن سلمان في وقتٍ سابق من هذا العام أثناء جولاته في الولايات المتحدة في مدن بوسطن وهيوستن والأمم المتحدة بنيويورك. ويُوصَف في تقريرنا بأنَّه «الحبل الشوكي لفرقة النمر». وقال المصدر السعودي، المُطَّلع عن كثب على أجهزة الاستخبارات السعودية، لموقع Middle East Eye: «اختاره محمد بن سلمان نفسه، ويعتمد عليه، وهو مُقرَّبٌ منه».
من ضمن ضحايا فرقة النمر أيضاً الأمير منصور بن مقرن، نائب أمير منطقة عسير ونجل ولي العهد الأسبق الأمير مقرن بن عبدالعزيز، والذي أُسقِطَت مروحيته قرب الحدود مع اليمن في نوفمبر/تشرين الثاني 2017. كان الرجل الذي أسقط المروحية هو مشعل سعد البستاني، الذي كان جزءاً من فرقة الاغتيال في إسطنبول.
ومع أنَّ تقارير أفادت الأسبوع الماضي بإعلان مصرع البستاني في حادث سيارة بالرياض، فإنَّ مصدراً أبلغ موقع Middle East Eye أنَّه في الحقيقة سُمِّم وقُتِل في السجن.
ويُعتَقَد أنَّ رئيس المحكمة العامة بمكة، الشيخ سليمان عبدالرحمن الثنيان، ضحية أخرى لفرقة النمر، التي حقنته بفيروسات مميتة حين كان في المستشفى أثناء إجراء فحصٍ روتيني في وقتٍ سابق من هذا الشهر أكتوبر/تشرين الأول.
اسألوا أنفسكم ما إن كان وجود وحدةٍ كهذه يمكن ألا يكون معلوماً لولي عهدٍ وضع خمسة من أقرب رجاله فيها ومنحها ميزانية لاستئجار طائرات خاصة وشن عملياتٍ معقدة ومُكلِّفة متزايدة على أراضٍ أجنبية.
السؤال المهم
تجاوز مقتل خاشقجي أسئلة السياسة الخارجية التي تُشكِّلها قيم الديمقراطية وحرية التعبير والإجراءات القضائية الواجبة. وتثير الحادثة تساؤلات مرتبطة بالسياسة الواقعية الباردة غير المتأثرة بالخوف.
بعد ثلاثة أسابيع على القضية، وفي ظل وجود أدلة دامغة من التحقيق التركي ومعلومات من أجهزة الاستخبارات الأميركية والبريطانية، أمام قادة العالم سؤال واحد فقط ليطرحوه على أنفسهم: هل السعودية آمنة في يد ولي العهد؟
المملكة ليست ليبيا القذافي، ولا هي سوريا بشار الأسد، بل أكبر منتج للنفط في العالم، وهي أغنى دول المنطقة.
وسواء كان ذلك للأفضل أو للأسوأ (وهو بالأساس للأسوأ)، فإنَّها الدولة العربية الرئيسية. وأثبتت السعودية أنَّها في الأيدي الخطأ قد تُقوِّض مصير الرؤساء في مصر، وتختطف رؤساء وزراء لبنان، وتحاول القيام بانقلابات في قطر ثُمَّ تحاصرها عندما تفشل في ذلك، وبإمكانها شن الحروب في اليمن.
وبالتالي يكون الرجل الذي يدير دولةً كهذه ذا أهمية استراتيجية حيوية للغرب، ومن المهم أن يكون مستقراً نفسياً.
كان أول أجهزة الاستخبارات التي تُسلِّط الضوء على الطبيعة غير المستقرة المحتملة لمحمد بن سلمان هو جهاز المخابرات الخارجية الألماني (BND).
ففي ديسمبر/كانون الأول 2015، حين كان محمد بن سلمان لا يزال وزيراً للدفاع فقط وكان ابن عمه محمد بن نايف ولياً للعهد، أقدم جهاز المخابرات الخارجية الألماني على خطوةٍ غير معتادة ونشر تقييماً يُحذِّر من المخاطر التي يُشكِّلها الأمير الذي كان يبلغ من العمر 29 عاماً آنذاك.
وذكر الجهاز: «الموقف الدبلوماسي الحذر من الأفراد الأكبر سناً بالأسرة السعودية الحاكمة استُبدِل لسياسةٍ تدخُّلية مندفعة».
وفي شهر يونيو/حزيران من العام الماضي 2017، أطلقتُ على ولي العهد لقب «أمير الفوضى«. والسؤال الذي يتعين على الولايات المتحدة وبريطانيا سؤاله لنفسَيهما هو ما إن كانتا حقاً مستعدتين للتعامل مع السعودية باعتبارها مملكة الفوضى.
فبعد الكارثة المتسلسلة للتدخُّل الغربي في الشرق الأوسط وانهيار اليمن وليبيا وسوريا وشبه انهيار العراق، لابد أن يكون الهدف الجارف لكل البلدان الغربية هو وجود قادة بإمكانهم ضمان الاستقرار.
وحين تصل القوى الإقليمية المهيمنة الثلاث (تركيا، وإيران، والسعودية) إلى نوعٍ ما من التسوية مع بعضها البعض، فقط حينئذ ستخمد حروب الوكالة المستعرة في أنحاء المنطقة. وفقط حينئذ سيتوصل الخصوم في نفس الوطن إلى نوعٍ من التسوية، ويمكن لحكومات الوحدة الوطنية أن تبدأ في إعادة إعمار البلدان التي مزَّقتها عقودٌ من الصراع المستمر تقريباً.
هل من المرجح أن يحدث هذا تحت قيادة محمد بن سلمان كملكٍ مستقبلي؟
ولي عهد بالصدفة
يُعَد هذا الملك المستقبلي، وولي العهد حالياً، وريثاً للعرش بالصدفة. فهو موجود في موقع المقدمة بفضل والده، وكما ذكرتُ في مقالاتي عن انقلاب القصر الذي حدث بعد وفاة الملك عبدالله، لم يتبوَّأ محمد بن سلمان العرش بسرعة كبيرة.
إذ واجه محمد بن سلمان عقبات كبرى كي يُؤخَذ على محمل الجد بعد ظهوره في المشهد. ولم يتجاوز تلك العقبات إلا بعد القضاء بلا هوادة على مراكز القوة المنافسة، واضعاً كافة الجيوش الثلاثة في المملكة (الأمن الداخلي، والجيش، وقوات الحرس الوطني) تحت سيطرته الشخصية، ووضع كل عملية اتخاذ القرار في يديه.
تاريخ محمد بن سلمان هذا يترك الجيش الصغير الذي وضعه في الولايات المتحدة من المدافعين عن صورته يجادلون بمواقف يناقض بعضها بعضاً. أول هذه المواقف هو «امنحوا الرجل فرصة؛ لأنَّه بلا خبرة».
إذ غرَّد علي الشهابي، مؤسس معهد الجزيرة العربية في واشنطن، قبل ثلاثة أيام قائلاً: «إنَّ توقُّع تعامل محمد بن سلمان، وهو قائد شاب تمتد خبرته لبضع سنوات فقط، مع هذه الكارثة السياسية بأداءٍ خبير لسياسيٍ غربي محنك وحكيم، لهو أمرٌ ظالمٌ وخبيث».
لكن في اللحظة التالية، يجادل الشهابي بأنَّ تغيير ولي للعهد له مشكلاته المُثبَتة يُمثِّل مخاطرة باستقرار المملكة.
فقال في تغريدة: «إنَّ الاستقرار والاستمرارية هما أمران في غاية الأهمية. ومحمد بن سلمان لن يذهب لأي مكان. ومن شأن حدوث تغيُّر في القيادة أن يضع البلاد، المُحاطة بالفعل بالمخاطر، في اضطرابٍ لا يمكن تصوُّره، ما يؤدي إلى ظهور المنافسات السياسية وخطر الانهيار المحتمل».
لكن المؤكد أنَّ العكس هو الصحيح: إبقاء محمد بن سلمان في القيادة هو مخاطرة بإلقاء بلدٍ مُحاط بالخطر في اضطرابٍ لا يمكن تصوُّره.
فقط تخيَّلوا ما قد يفعله محمد بن سلمان إن أفلت بقتل خاشقجي، وإن واصل ترمب الإصرار على أنَّ قصة التغطية السعودية ذات مصداقية، وإن تمكَّن الملك سلمان من إقناع العالم بأنَّ نجله يتعلم بسرعة، وأنَّ الصبي الجانح وعده بعدم العودة لمثل هذا أبداً بعدما وبَّخه أشد التوبيخ.
إن حدث هذا، سيُطلِق محمد بن سلمان العنان لحُكمِ من الإرهاب في المملكة. ولا شيء، حرفياً، سيُعَد تجاوزاً للحد إن خرج من هذه الفضيحة سالماً.
وهناك بدائل له، والكثير من الأمراء الأكثر خبرةً واستقراراً ويحظون بدعمٍ من الأسرة والبلاد. أحد هؤلاء موجودٌ في لندن الآن: الأمير أحمد بن عبدالعزيز، وهو نائبٌ سابق لوزير الداخلية، ويحظى بشعبية، وأقل إثارةً للجدل، وبإمكانه إعادة إنشاء وحدة داخل الأسرة.
وفي هذا السيناريو، لا فقدان لعقود أسلحة، ولا فقدان للوظائف في شركة BAE Systems البريطانية للأسلحة. يمكنكم جميعاً الاحتفاظ بصناعات أسلحتكم المُلطَّخة بالدماء والمنغمسين فيها حتى أخمصكم، والتي تُسلِّح ديكتاتوريي العالم. فقط سيكون هناك أميرٌ مختلف في القيادة.
وبطبيعة الحال، هذا خيار سياديّ سعودي، لكن هذا الخيار سيكون اتخاذه أسهل إن رفض قادة العالم الغربي كوحدة واحدة التعامل مع محمد بن سلمان، وإن صمَّموا على جعله منبوذاً على الساحة الدولية.
لذا، فإنَّ المرة المقبلة التي يظهر فيها محمد بن سلمان في لندن لن تكون من أجل السير وتطاير ثوبه خلال توجّهه لمقر رئيسة الوزراء في داونينغ ستريت. بل ستكون لاستجوابه بموجب الولاية القضائية العالمية على جرائمه ضد الإنسانية على يد فرقة مكافحة الإرهاب بشرطة العاصمة لندن.
– هذا الموضوع مترجم عن موقع Middle East Eye البريطاني.
The post هل السعودية آمِنة في يد محمد بن سلمان؟ appeared first on عربي بوست — ArabicPost.net.