مقتدى الصدر يواجه “شماتة” خصومه وجماعات الحراك في العراق
ينظر الخصوم السياسيون لزعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر، إلى جانب منتقديه وخصومه داخل جماعات الحراك الاحتجاجي، إلى الفشل الذي واجهه رئيس الوزراء المكلف محمد علاوي وتقديم اعتذاره عن عدم التكليف لرئيس الجمهورية، لا بوصفه فشلاً يمتد ليشمل ويؤثر على حياة العراقيين بشكل عام، نظراً للأزمة السياسية الخطيرة التي تواجهها البلاد، إنما بوصفه فشلاً «شخصياً» للصدر الذي وقف بقوة وراء ترشيح علاوي.
صحيح أن بعض الناشطين يرون أن اعتذار علاوي عن عدم تشكيل الحكومة جاء نتيجة عدم الاتفاق على تمريره من قبل أحزاب المحاصصة السياسية وكتلها، وليس نتيجة رفضه من قبل ساحات الاحتجاج، غير أن اتجاهات أخرى تعتقد أن رفض جماعات الحراك كان أحد الأسباب المهمة لعدم القبول بمرشح التكليف، وتالياً كانت للحراك المساهمة الفاعلة في إحباط مشروع الصدر الداعم لعلاوي.ولعل «التغريدة» التي أطلقها الصدر، أول من أمس، بعد اعتذار علاوي، ضاعفت من شعور «وشماتة» خصوم الصدر، بقضية «فشله»، بعد أن أعرب عن شكره لعلاوي وخاطبه قائلاً: «حب العراق أوحى لك بالانسحاب؛ فجزيت عن العراق خيراً».
وتنشغل أوساط المحللين والمراقبين المحليين منذ نحو 4 أشهر بتحليل ومناقشة الخطوات التي قام بها والمواقف التي أطلقها الصدر منذ انطلاق المظاهرات الاحتجاجية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وتميل غالبية التحليلات إلى أن الخطوات والمواقف لم تصب في صالح الصدر وتياره بأي حال من الأحوال، وأدت في كثير من الحالات إلى خسارته غالبية المواقف الداعمة والمؤيدة له من اتجاهات غير قليلة داخل أوساط المدنيين والمثقفين والصحافيين. فالصدر قبل ذلك التاريخ سعى جاهداً لاستمالة تلك القطاعات عبر مجموعة مواقف؛ منها تحالفه مع الحزب «الشيوعي العراقي» في الانتخابات النيابية عام 2018، بحيث ظهر من خلال تلك المواقف زعيماً دينياً منفتحاً ومناهضاً لفساد القوى السياسية ولإيران وحاملاً لشعار الإصلاح والسعي لتعديل عيوب النظام السياسي.
ورغم ذلك؛ وإلى جانب خسارته غالبية التيارات المدنية والثقافية، فإن كثيرين يرون أن الصدر يواصل خسارته لجماعات الحراك، بعد تورط أتباعه (القبعات الزرق) أكثر من مرة في حوادث طعن وقتل للمتظاهرين والمعتصمين في ساحة «الصدرين» في النجف الشهر الماضي وسيطرتهم على بناية «المطعم التركي» في ساحة التحرير ببغداد. وتتحدث جماعات الحراك اليوم عن قطيعة شبه كاملة مع أتباع الصدر الموجودين في بعض الساحات.
وتعددت تفسيرات المراقبين للمواقف المتناقضة التي يطلقها الصدر منذ أشهر، بين من يقول إنها متأثرة كثيراً بإقامته الطويلة والنسبية في إيران خلال الأشهر الأخيرة، وبين من يقول إنها تأثرت كثيراً بمقتل قائد «فيلق القدس» الإيراني قاسم سليماني مطلع يناير (كانون الثاني) الماضي وصلتها بسعي الصدر إلى الهيمنة على الفصائل العراقية المسلحة الموالية لإيران وتقديم نفسه لطهران بديلاً لها. وثمة اتجاه آخر يرى أن مواقفه تأثرت بشدة بتداعيات انتفاضة أكتوبر الماضي وما أفرزته من تحولات اجتماعية وسياسية عميقة وتنديدها ورفضها جميع القوى والزعامات السياسية وضمنها مقتدى الصدر.
وفي آخر موجة من التكهنات والآراء بشأن مواقف الصدر الأخيرة وانعكاساتها على موقعه وموقع تياره من القوى السياسية وجماعات الحراك على حد سواء، يتركز الحديث هذه الأيام على مضمون الحديث الذي أدلى به الصدر في المقابلة التلفزيونية التي أجرتها معه، الأسبوع الماضي، قناة «الشرقية» الفضائية؛ إذ بدا لكثيرين أن الصدر وعبر حديثه الواضح والصريح حول مجموعة من القضايا، أنه بات من غير الممكن بالنسبة إليه الإصرار على مواقفه السابقة المتعلقة بـ«عدم تدخله» في اختيار رئيس الوزراء، ومغادرة لحظة التلويح بقوة السلاح عبر عناصره المسلحين والموقف من النظام القائم بشكل عام. ففي معرض سؤاله عن موضوع اختيار رئيس الوزراء، أكد الصدر خلال المقابلة أن «غالبية رؤساء الوزراء وضمنهم إياد علاوي لم يأتوا إلا بموافقته». وأعرب عن تمسكه بفصيله المسلح «سرايا السلام» في حال تمسك الآخرين بفصائلهم المسلحة، وكذلك تلويحه بإمكانية إلغاء تجميده «جيش المهدي» الذي أسسه عام 2003، بجانب حديثه عن «جرة الأذن» التي وجهها للمتظاهرين عبر عناصر «القبعات الزرق» التابعين له والتي أثارت انتقادات واسعة من جماعات الحراك.
وفي نظر طيف واسع من المراقبين؛ فإن «مقابلة» الصدر الأخيرة، جاءت في معظمها لغير صالحه، وعمقت الفجوة بينه وبين خصومه ومنتقديه، خصوصاً جماعات الحراك، وأسهمت في اصطفاف غالبية القوى السياسية في البرلمان ضد تحالفه «سائرون»، وتالياً نجحت في إضعاف موقفه وإحباط مساعيه الداعمة لعلاوي.
ولعل «التغريدة» التي أطلقها عضو «تحالف جبهة الإنقاذ والتنمية» النائب السابق مشعان الجبوري، حول «مقابلة الصدر التلفزيونية»، تلخص بشكل عام موقف القوى السياسية و«جبهة الإنقاذ» التي تضم طيفاً واسعاً من القوى السنية، من زعيم «التيار الصدري» ورفضهم حكومة علاوي المفترضة التي يدعمها. حيث كتب الجبوري أن «لقاء السيد مقتدى الصدر على (الشرقية) الذي هدد فيه باستئناف نشاط (جيش المهدي) وبطاته (سيارة نوع تويوتا تسمى بطة محلياً) التي كانت بصناديقها تنقل جثث شبابنا بعد الغدر بهم إلى خلف السدة (مكان في مدينة الصدر لدفن جثث المغدورين) أخافنا من أن تصبح حكومة علاوي التي يصر عليها سائرون (تحالف الصدر النيابي) مجرد دفان لضحايا أبو درع (أحد عناصر جيش المهدي متهم بالقتل على الهوية) الجدد كما حدث في الأعوام 2005 – 2007، وبمشكلة كبيرة مع الكرد». والجبوري يشير هنا إلى مرحلة القتل على الهوية الطائفية التي مارسها عناصر جيش المهدي التابع للصدر والعجلات التي استخدمت لنقل المغدورين والأشخاص المتورطين في ذروة الحرب الأهلية.