مغاربة يحملون الذكريات وأوجاع حلم العودة من أوروبا إلى الديار

0

قطعت سُمية مدوان نصف مسافة 1059 كيلومترًا التي تفصل بيتها في إسبانيا عن العائلة الكبيرة في الدار البيضاء، حيث تَعود من بوابة ميناء الجزيرة الخضراء إلى مسقط رأسها كسائحة في إطار عملية عبور المضيق، أكبر عملية عبور للمسافرين من أوروبا. يُرافقها في الرحلة زوجها سعيد وطفلتها مريم، لكن عقلها غارقًا في التفكير في لقائها مجددا مع والدها. مع ذلك، يقشعر بدنها عندما تعود بالذاكرة 21 عاما إلى الوراء، عندما كانت “وحيدة” في الميناء، وعلى وشك أن تتحول إلى مهاجرة سرية.

بعد العسر يسرا

“كانت المرة الأولى التي أخرج فيها من البيت، كانت لحظات حزينة وعصيبة. الآن، كل شيء تغير رأسا على عقب”، تتذكر بنبرة من مسَّهُ الفرح. لا تستطيع سمية وقف زحف ذكريات الماضي على عقلها، بينما تنتظر في ميناء الجزيرة الخضراء لحظة الإبحار في أول سفينة تخرج إلى ميناء المتوسط بطنجة. كانت سيارة زوجها الرمادية مركونة في منطقة “يانو أمريو” بمرآب بميناء الجزيرة الخضراء، الذي خُصِصَ في هذه الأيام كمنطقة انتظار للمسافرين في إطار عملية عبور المضيق. كانت تعلم أنها تسافر في يوم الذروة للعبور إلى المغرب خلال هذه السنة، لكن لم يكن لديها خيار آخر، لأن عملهما يسمح لهما بالعطلة في شهر غشت. يشتغل زوجها بإسبانيا في قطاع البناء، بينما هي كعاملة نظافة بمدريد.

لا مفر من الصبر من أجل لقاء العائلة، انتظار إبحار السفينة طال لثلاث ساعات. “سنرى متى سنخرج من هنا، تحتج سمية مبتسمة. سيارة العائلة تصطف في طابور طويل يتحرك وفق حركة ذهاب وإياب السفن التي تربط بين الجزيرة الخضراء وسبتة وطنجة. كل شيء متمركز حول نظام عملية العبور الذي يشتغل كآلة دقيقة. 70 في المائة من المسافرين الذين يعودون إلى إفريقيا- السواد الأعظم منهم مغاربة- يستعملون ميناءي الجزيرة الخضراء وطريفة، علما أنهما ميناءان يتبعان لنفس السلطة الجهوية. فيما بقية المسافرين يستعملون الموانئ السبعة الأخرى التي تدخل في إطار عملية عبور المضيق (مليلية وسبتة وألميرية وموتريل ومالقة وآليكانتي وبالينسيا).

يعلن برنامج هرقل، في الوقت المحدد سلفا، عن الولوج إلى قاعات الانتظار ومناطق الإبحار الموزع بين البنيات التحتية لميناءي الجزيرة الخضراء وطريفة. كانت سيارة سمية وأسرتها الصغيرة واحدة من بين الـ11749 سيارة التي سجلها نظام الإبحار هذا السبت. على متن السيارات أو على الأقدام عَبَرَ 45578 مسافرا ( 37712 في الجزيرة و7866 في طريفة) مضيق جبل طارق في أيام الذروة التي سجلها نظام عبور المضيق إلى حدود السبت الماضي. وإذا أضفنا الموانئ السبعة الأخرى، سيصل مجموع المسافرين 60 ألفا في يوم واحد، إذ أن الأمر أشبه على سبيل المثال بترحيل سكان “ميريدا” في 24 ساعة.

رغم الكثير من التنسيق والمعلومات في الوقت المناسب- تنصح السلطات بشراء بشكل مسبق التذاكر تجنبا للازدحام والاكتظاظ- احتاجت سمية وزوجها إلى الكثير من الوقت لتجهيز الحقائب وشحنها وحملها إلى رفي الأمتعة. سيغيبان عن مدريد لمدة 30 يوما. خرجوا من مدريد حوالي الساعة الخامسة والنصف صوب الجزيرة الخضراء في رحلة ماراتونية توقفوا فيها مرة واحدة لأخذ قسط من الراحة. الرغبة في معانقة الأهل والأحبة أنستهم تعب السفر. “كلي رغبة في رؤية جدي، والذهاب إلى الشاطئ وبيت الأقارب والأصدقاء”، تشرح مريم الطفلة البالغة من العمر الـ12 ربيعا، والتي تحلم بأن تصبح طبيبة شرعية.

العودة إلى الحب الأول

تعرفت سمية على سعيد لأول مرة في الدار البيضاء قبل أكثر من عقدين من الزمن، لكن الزمن نفسه أجبرهما على الافتراق بسبب انسداد الأفق وغياب الفرص في مسقط رأسيهما. كانت تقدمت في ذلك الإبان بطلب الحصول على التأشيرة، وعندما حصلت عليها، ركبت أول سفينة، وبعدها الحافلة، واستقرت في إسبانيا. كانت وحيدة في إسبانيا وفي جهل تام باللغة الإسبانية. مع ذلك، بدأت العمل. “وصلتُ إلى إسبانيا كمهاجرة غير نظامية. كانت سنة صعبة، حقا. لكنني تأقلمت”، تعترف سمية. بعد ذلك عادت لتلتقي سعيد في المغرب ويتزوجا ويستقرا في مدريد وينجبا مريم، بل أكثر من ذلك، حصلا على الجنسية الإسبانية.

بينما كانا يؤسسان مستقبلهما في إسبانيا، كانا يستغلان العطل الصيفية لزيارة العائلة، إلى درجة أن سمية لا تتذكر عدد السنوات والمرات التي عبرت فيها مياه مضيق جبل طارق لزيارة والدها– توفيت والدتها قبل أربع سنوات- وأشقائها. “أنا فرحة جدا. أفراد العائلة لا يطلبون الهدايا، فقط رؤيتنا بالقرب منهم، رغم ذلك أصطحب معي لهم بعض الأشياء الصغيرة. على طول أيام العطلة، نزور كل الأقارب ونقضي جميعا عيد الأضحى”، تشير سمية وهي تنظر إلى حجم الحقائب المليئة التي تحملها معها.

يزداد أفراد أسرة سمية بتزايد أعداد المسافرين الذين يعبرون المضيق سنويا في إطار عملية عبور المضيق. السنة الماضية حطمت كل الأرقام القياسية بعد أن تم، في مرحلتي الذهاب والإياب، تسجيل 3.2 مليون مسافر و734240 سيارة، أغلبهم أتوا من أوروبا، لاسيما من فرنسا وإسبانيا. وتشير الأرقام إلى أن العدد ارتفع هذه السنة مؤقتا بـ8 في المائة، وفق إحصائيات الحماية المدنية ووزارة الداخلية. منذ 15 يونيو الماضي- عندما بدأت عملية عبور المضيق- إلى حدود نهاية الأسبوع الماضي، عبر إلى المغرب 1.3 مليون مسافر، بارتفاع قدره 9.9 في المائة مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية. بينما لازال ميناءا طريفة والجزيرة الخضراء يحتلان الصدارة.

قد يعجبك ايضا

اترك رد