مجلس النواب الأميركي يحيل ترامب إلى المحاكمة أمام “الشيوخ” لاستغلال النفوذ
اتهم مجلس النواب الأميركي الليلة الماضية رسميًا، الرئيس دونالد ترامب، باستغلال السلطة وعرقلة عمل الكونغرس، وأحاله للمحاكمة أمام مجلس الشيوخ، ليصبح ثالث رئيس بتاريخ أميركا يخضع لإجراء العزل.
وبأغلبية 230 صوتا مقابل 197 وامتناع نائب واحد عن التصويت، وافق مجلس النواب الذي يهيمن عليه الديمقراطيون على توجيه تهمة استغلال السلطة رسميا إلى الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة.
وسارع الرئيس الجمهوري إلى التنديد بالتصويت التاريخي الذي جرى ضده في مجلس النواب، متهما خصومه الديمقراطيين بأنهم مدفوعون بـ”الحسد والحقد والغضب” و”يحاولون إبطال تصويت عشرات ملايين الأميركيين” الذين انتخبوه رئيسا في 2016.
واستنكر الرئيس التحقيق قائلا إنه “محاولة انقلاب” مشيرا إلى أن الديمقراطيين يحاولون تغيير نتائج انتخابات الرئاسة عام 2016 التي هزم فيها الديمقراطية هيلاري كلينتون.
وبعدها بدقائق وجه المجلس إلى ترامب تهمة ثانية هي عرقلة عمل الكونغرس التي أقرت بأغلبية 229 صوتا مقابل 198 وامتناع نائب واحد عن التصويت.
وبموافقة مجلس النواب على هذا القرار الاتهامي انتقلت القضية إلى مجلس الشيوخ الذي سيحاكم ترامب في يناير/كانون الثاني المقبل على الأرجح، غير أنه خلافا لمجلس النواب فإن مجلس الشيوخ يهيمن عليه الجمهوريون، الذين سبق وأن أكدوا أنهم يعتزمون تبرئة ترامب من هاتين التهمتين.
ومن جانبه، قال البيت الأبيض تعقيبًا على التصويت، إنه واثق من أن مجلس الشيوخ سيبرئ ترامب في المحاكمة.
ومع ذلك يبقى التصويت الذي حصل في مجلس النواب الأربعاء تاريخيا، إذ أن الولايات المتحدة لم تشهد في تاريخها بأسره إلا إحالة رئيسين للمحاكمة أمام مجلس الشيوخ، هما آندرو جونسون في 1868 وبيل كلينتون في 1998، وتمت تبرئة كلاهما في مجلس الشيوخ، أما ريتشارد نيكسون، فاستقال قبل أن يصوّت مجلس النواب على إحالته إلى المحاكمة.
وللمفارقة فإنه في الوقت الذي كان مجلس النواب يصوت فيه على اتهام ترامب كان الرئيس الجمهوري يلقي خطابا أمام حشد من أنصاره في تجمع انتخابي في مدينة باتل كريك بولاية ميشيغان.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض ستيفاني غريشام في بيان “الرئيس واثق من أن مجلس الشيوخ سيعيد النظام والعدالة والإجراءات القانونية التي جرى تجاهلها خلال إجراءات مجلس النواب. إنه مستعد للخطوات المقبلة وواثق من براءته تماما”.
وأضافت غريشام: “اليوم يمثل ذروة واحدة من أكثر الأحداث السياسية خزيا في تاريخ أمتنا. من دون الحصول على صوت جمهوري واحد ومن دون تقديم أي دليل على وقوع مخالفات، مرر الديمقراطيون بندي مساءلة الرئيس في مجلس النواب”، وتابعت “الرئيس واثق من أن مجلس الشيوخ سيعيد النظام والعدالة والإجراءات القانونية التي جرى تجاهلها خلال تحركات مجلس النواب. إنه مستعد للخطوات المقبلة وواثق من أنه ستتم تبرئته تماما”.
وعلى الجانب الآخر، وصفت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إحالة الرئيس دونالد ترامب، للمحاكمة أمام مجلس الشيوخ بأنه يوم “عظيم” بالنسبة للدستور، لكنه “محزن بالنسبة لأميركا”.
وفي أول تعليق لها على التصويت، قالت بيلوسي، إن الليلة تعتبر “يوما عظيما للدستور ولكنه يوم حزين لأميركا” حسبما ذكرت وسائل الإعلام الأميركية.
وأعلنت خلال مؤتمر صحفي أعقب عملية التصويت على إحالة ترامب للمحاكمة أمام مجلس الشيوخ بتهمتين خطيرتين: “من المستحيل أن نكون أكثر فخرا أو أكثر إلهاما من الشجاعة الأخلاقية للديمقراطيين في الداخل. لم نسأل أيا منهم أبدا كيف سيصوتون”.
وأضافت بيلوسي: “أنا اعتبر هذا التصويت وهذا اليوم أمرا حزنا فيه على شرف المؤسسين لهذه الجمهورية ولتضحيات رجالنا ونسائنا في القوات المسلحة في الدفاع عن الديمقراطية والجمهورية”، كما قالت إنها لن ترسل إحالات المساءلة إلى مجلس الشيوخ الليلة (الماضية). “سنرى ما يحدث هناك”.
وأشارت بيلوسي إلى أن الديمقراطيين سيقررون “كمجموعة” موعد تقديم قرار إحالة ترامب إلى المحاكمة في مجلس الشيوخ. وأضافت أنها ليست مستعدة بعد لتعيين مديري الإقالة، الذين سيتعين عليهم تمثيل الادعاء في محاكمة مجلس الشيوخ، وأوضحت “لا يمكننا تسمية المديرين حتى نرى كيف ستكون عملية مجلس الشيوخ ، ونأمل أن تتم قريبا”. وأضافت “حتى الآن، لم نر أي شيء يبدو عادلا لنا، لذلك آمل أن تأخذ العدالة مجراها”.
وكانت رئيسة مجلس النواب الأميركي قد أعلنت، أن الرئيس ترامب يشكل “تهديدا مستمرا” للأمن القومي بشكل لم يترك للديمقراطيين “أي خيار” سوى إطلاق إجراءات عزله، وعند بدء نقاش في مجلس النواب حول عزل الرئيس يوم أمس الأربعاء، قالت: “من المأساوي أن تصرفات الرئيس الطائشة جعلت من الضروري البدء بإجراءات العزل”.
وأضافت بيلوسي “ما نناقشه اليوم هو الحقيقة الراسخة بأن الرئيس انتهك الدستور. ومن المؤكد كحقيقة أن الرئيس يمثل تهديدا مستمرا لأمننا القومي ونزاهة انتخاباتنا”، وقالت: “أفتتح بكل أسف المداولات بشأن مساءلة رئيس الولايات المتحدة. وإذا لم نتحرك الآن فسيكون ذلك إهمالا في أداء واجبنا”.
وتابعت بيلوسي أن ترامب استغل سلطته للحصول على منفعة سياسية شخصية على حساب الأمن القومي الأميركي، وأنه شرع في حملة لم يسبق لها مثيل من تحدي الكونغرس، وعرقلة عمله، بعد انكشاف أمر مخالفاته”.
وفي سياق متصل، اتهم ديمقراطيو مجلس النواب ترامب باستغلال سلطاته بمطالبة أوكرانيا بالتحقيق مع جو بايدن النائب السابق للرئيس والأوفر حظا لنيل ترشيح الديمقراطيين في انتخابات الرئاسة عام 2020، كما اتهموه كذلك بعرقلة تحقيق الكونغرس في تلك المسألة، بينما نفى ترامب ارتكابه أي مخالفة ووصف العملية برمتها يوم الثلاثاء بأنها “زيف كامل”، وأرسل خطابا لرئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي اتهمها فيه بالانخراط في عملية “انحراف عن العدالة”.
من جانبه، اعتبر نائب جمهوري الأربعاء، أن مجلس النواب عامل الرئيس الأميركي دونالد ترامب أسوأ مما عومل السيد يسوع المسيح قبل صلبه، الأمر الذي تسبب بجدل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال باري لودر ميلك، النائب عن ولاية جورجيا المحافظة التي تنتمي إلى ما يسمى بولايات حزام الإنجيل “أريدكم أن تضعوا هذا في ذهنكم: عندما اتهم يسوع زورا بالخيانة، أعطى بيلاطس البنطي يسوع الفرصة ليواجه متّهميه”، وأضاف “خلال تلك المحاكمة الصورية وفر بيلاطس البنطي حقوقا ليسوع أكثر مما وفره الديمقراطيون للرئيس في هذه العملية”.
ورد النائب الديمقراطي جيري نادلر بالقول، إن ترامب “أُعطي الفرصة ليأتي ويشهد أمام لجنة العدل لكنه رفض”.
وسرعان ما تصدر وسم “ترامب تو جيسوس” موقع “تويتر”، لكن لودر ميلك لم يكن النائب الوحيد الذي أشار إلى صلب يسوع خلال جلسة الأربعاء.
فقد اقتبس النائب الجمهوري فريد كيلر من بنسلفانيا آخر كلمات المسيح على الصليب وهي “يا أبتاه، اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون”، في إشارة إلى زملائه الذين قرروا التصويت لصالح اتهام الرئيس.
وقال القسيس والكاتب الأميركي جيمس مارتن على “تويتر”، إن “المقارنة بين الطريقة التي عومل بها الرئيس وما عاناه يسوع أمر عبثي، وأيضا واحد منهما فقط هو بلا خطيئة”.
ومع سعي ترامب لفترة ولاية ثانية العام المقبل، قسم تحقيق المساءلة الرأي العام، فأيد أغلب الناخبين الديمقراطيين الإجراء وعارضه الجمهوريون.
وما لم يتضح بعد هو ما إذا كان لهذا الخلاف الحزبي القائم منذ شهور أثر على انتخابات 2020 باستثناء إعطاء ترامب مبررا.
ويقضي الدستور الأميركي بإحالة قضية العزل إلى مجلس الشيوخ بعد موافقة مجلس النواب، وينص على أن “مجلس الشيوخ وحده المخوّل بإجراء المحاكمة في التهم الموجهة للمسؤولين”.
وبحسب الدستور الأميركي “يرأس جلسات محاكمة الرئيس الأميركي رئيس القضاة، ولا تتم إدانته إلا بموافقة ثلثي الأعضاء الحاضرين” في مجلس الشيوخ.
وقال السيناتور ميتش ماكونيل، زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، إن الإعلان عن موعد بدء محاكمة الرئيس ترامب سيكون الأسبوع المقبل، مرجحا أن تبدأ في يناير 2020.
ويحتاج عزل ترامب موافقة 67 عضوا في مجلس الشيوخ، وهو ما يبدو أمرا صعبا في ظل سيطرة الحزب الجمهوري، الذي ينتمي إليه الرئيس ترامب، على 53 مقعدا في المجلس من أصل 100 مقعد.
وعلى افتراض أن أعضاء الحزب الديمقراطي البالغ عددهم 45 سيناتورا قد صوتوا على إدانة الرئيس ترامب، فإن تنفيذ العزل يحتاج على الأقل إلى موافقة 14 عضوا من الحزب الجمهوري.