لماذا لم تؤيد إثيوبيا السعودية بشأن خاشقجي كباقي الدول؟
إثيوبيا دولة غير سياحية، وغير نفطية أو غازية، وليس لديها بحر، بل تحدها من كل الجهات دول إفريقية فقيرة وبعضها مدقع الفقر، مثل الصومال وجيبوتي وأريتريا والسودان وجنوب السودان وكينيا، وهي ثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان بعد نيجيريا. لكن ما الذي جعل بلد إفريقي فقير ذو اقتصاد رعوي، وقبلي كإثيوبيا ويقع في قلب قارة مستعمرة من قبل أوروبا، لا تلتفت أبدا للرز الخليجي وبالذات السعودي منه، فيما يخص مسألة مقتل جمال خاشقجي كما فعلت صاغرة الكثير من الدول العربية والإفريقية، والتي منها الكبيرة، ومنها الغنية، كمصر والأردن والإمارات والبحرين وفلسطين واليمن وربما غيرهم؟
هل لأن إثيوبيا تعد اليوم من أكبر البلدان الإفريقية نمواً اقتصادياً، وتحقق تقدما ملحوظا في التصدي للبطالة والفقر، ولديها خطط تنموية طموحة وواعدة على كافة الأصعدة، والتي من أهمها التعليم والصناعة وتطوير البنى التحتية وتلك السدود الثلاثة التي ستنشئها على النيل إضافة إلى سد النهضة طبعا؟ أم لأن لديها رئيس وزراء شاب يبلغ من العمر 42 عام، يدعى، أبي أحمد علي، فاز من خلال جلسة استثنائية وتاريخية وشفافة حين صادق مجلس النواب الإثيوبي في مارس اذار الماضي بأغلبية على تعيينه رئيسا للوزراء خلفا لرئيس الوزراء المنتهية ولايته، هيليماريام ديسالين؟ كيف فعلت إثيوبيا ذلك خلال فترة زمنية قصيرة جدا؟ ربما أنه حين نحاول الإجابة على هذا السؤال الآن، سنجد أنه يكمن في إجابتنا تلك الإجابة على كل الأسئلة التي سبقته، وبالذات تساؤلنا حول عدم انصياع إثيوبيا اليوم للسعودية وبياناتها المتتالية والمتضاربة حول مقتل خاشقجي ككثير من الدول العربية والإفريقية.
في الحقيقة المشوار بدأ منذ زمن ليس ببعيد، وتحديدا في عام 1991 حيث باتت إثيوبيا اليوم واحدة من الدول الخمس الأسرع نموا اقتصاديا على مستوى العالم بعد الهند والصين وتركيا والمملكة المتحدة، وبالرغم من أنها كبلد تقع وسط بؤرة توتر إفريقية وهي نفسها عانت من توتر قبلي قُبيل تولي الدكتور ابي أحمد علي رئاسة وزرائها، إلا أنها استطاعت أن تكون من الدول الأكثر استقرارا على مستوى القارة الإفريقية وأن تحافظ على ذلك الاستقرار طويلا، مما ساهم في جلب الاستثمار الأجنبي المباشر إليها، حتى إنها كبلد فقير نجح بالتوفيق بين الصناعيين وأولئك الثائرين المدافعين عن قطاع الزراعة وصغار المزارعين من الشعب العريض، حين اندلعت مواجهات واسعة في البلاد بعد أن قطعت الحكومة شوطا في تنفيذ خطتها الاقتصادية لمحاولة التقليل من مشاركة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي من 40 بالمئة إلى 4 بالمئة فقط لصالح قطاع الصناعات التحويلية.
لقد دخلت إثيوبيا في 201 من باب التحول الاقتصادي الصعب حين حاولت خمد المواجهات بين الحكومة والمزارعين والمدافعين عن الزراعة في الشارع، وها هي الأن من أقوى الاقتصادات الإفريقية، مما ساعد على تراجع معدلات الفقر بشكل كبير ومتسارع، كما أنها باتت البلد الأكثر مساواة على مستوى إفريقيا حسب التقرير الإعلامي الخاص بإثيوبيا والصادر عن بنك التنمية الإفريقي في نوفمبر تشرين الثاني 2015، رغم أنها كبلد يضم أكثر من 80 مجموعة عرقية مختلفة، ورئيس وزرائها الحالي يعتبر أول رئيس وزراء مسلم، وحتى أنه مع نسبة النمو السكاني المرتفعة فقد تضاعف دخل الفرد الإثيوبي ثلاث مرات، حيث ارتفع من 171 دولار في 2005 إلى 550 دولار في 2013 حسب نفس التقرير، وأضحت مشاركة الاستثمارات العامة في ثلث الناتج المحلي الإجمالي الإثيوبي ما يقرب من ضعف النسبة مقارنة مع باقي الدول الإفريقية الاخرى.
لقد وازنت إثيوبيا خلال تلك الفترة التي هي لم تتجاوز العشرين سنة بين التركيز على القطاع الصناعي وتوجيه الاستثمارات العامة، إضافة إلى جلبها، وبين زيادة الإنفاق الحكومي نحو الطبقة الفقيرة تحديداً، حيث تركز على التعليم والصحة والزراعة والمياه والصرف الصحي والأمن الغذائي والطرق والمواصلات، حيث استحوذ ذلك على 70 بالمئة من الانفاق الحكومي العام، ويتوقع البنك الدولي أن تصبح إثيوبيا بحلول 2025 دولة متوسطة الدخل بعد أن كانت ثاني أفقر بلدان العالم.
باختصار شديد عزيزي القارئ، لم يعد هناك من أوجه للمقارنة بين إثيوبيا الحالية، وبين بعض الدول العربية التي ما زالت تلهث وراء فتات الرز السعودي، الخليجي، الذي يتناثر من أكياس الرز التي تُشحن للخزانة الأمريكية كنتيجة لبلطجة الإدارات الأمريكية المختلفة، بسبب تدهور خطتها التنموية من جهة، وعدم جديتها من جهة أخرى، وبسبب استحواذ القروض الخارجية على 95 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي، والتي يتمثل 75 بالمئة من إنفاقها الحكومي العام على شكل رواتب لقطاع حكومي إداري مترهل، بالإضافة لسوء المساواة وتهميش الفقراء وتدهور أحوال الصحة والتعليم والبنى التحتية والصناعة والزراعة وتفشي الفساد والمحسوبية وقرارات الرجل الواحد وما إلى ذلك من مميزات الدول المتخلفة، صراحة لا مقارنة حتى مع باقي بلادنا العربية الغنية ريعية الأنظمة ذات الاقتصادات الأولية التي تعتمد على تصدير الخام من النفط وغيره.
إثيوبيا يا أعزائي ليست بحاجة لهذا الفتات المُذِل بعد الآن، لذلك نجدها تكاد تكون الدولة الإفريقية الوحيدة ضمن منطقتنا التي لم تؤيد تلك البيانات السعودية المتضاربة والمتتالية حول مقتل جمال خاشقجي.
The post لماذا لم تؤيد إثيوبيا السعودية بشأن خاشقجي كباقي الدول؟ appeared first on عربي بوست — ArabicPost.net.