كتائب عز الدين القسام تعزي حزب الله
مابريس / د. مصطفى يوسف اللداوي
رسالة محمد الضيف القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح المسلح لحركة المقاومة الإسلامية حماس، إلى السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، لتقديم واجب العزاء باستشهاد ستةٍ من قادة المقاومة الإسلامية في لبنان، في غارةٍ إسرائيلية استهدفت سيارتهم في مدينة القنيطرة السورية، حملت معاني واضحة، ودلالاتٍ كبيرة، واشاراتٍ حاسمة تقطع الشك باليقين، وتؤكد المؤكد بالوتين، فهي الرسالة الأوضح، والقرار الأصدق، والتعبير الجاد عن الإرادة والتوجه، والخيار الحاسم الواحد.
أن المقاومة تتحالف مع بعضها، وتساند وتؤازر وتؤيد بعضها البعض، إذ أنهما معاً في الميدان، وعلى نفس الجبهة المقاومة، يقاتلان عدواً واحداً، ويواجهان خطراً مشتركاً، وينتظرهما مصيرٌ واحد، ويتربص بهما عدوٌ مشترك، ويتعرضان لهجمةٍ دوليةٍ موحدة، تتحالف فيها كل القوى، وتتحد في ظلها كل الدول، لحرفهما عن مسارهما، وتشويه مقاومتهما، ومنعهما من مواصلة مسيرتهما، ووقف قتالهما لإسرائيل، الدولة العدو، المحتلة لأرضنا، والغاصبة لحقوقنا، والقاتلة لأهلنا، والطاردة لشعبنا.
محمد الضيف الخارج لتوه من حربٍ دمويةٍ شرسة، شنها العدو الإسرائيلي على قطاع غزة، مدة واحدٍ وخمسين يوماً متوالية، دمرت القطاع، وخربت كل شئٍ فيه، وأفسدت الحياة بين أسواره، وأعادت سكان غزة بالتآمر مع دولٍ أخرى إلى سجنٍ كبيرٍ، وحصارٍ ظالم، يدرك وهو القائد العام لكتائب عز الدين القسام، التي ثبتت في المعركة، وصمدت في القتال، وأبلت بلاءً حسناً على جبهات الحرب، واستبسلت في مواجهة آلة الاحتلال وأسلحته الفتاكة، وطائراته وصواريخه المدمرة، واستطاعت مع قوى المقاومة الفلسطينية الأخرى أن تجبر العدو على الانكفاء والتراجع، ووقف القتال وإنهاء العدوان، بعد أن تبين له استحالة تحقيق أهدافه، والوصول إلى غاياته، رغم كل الدمار الذي قام به، يدرك يقيناً أن المقاومة حالٌ واحدٌ، ونسيجٌ مشترك، تقاتل نفس العدو، ولها ذات الأهداف، وتتطلع إلى عين النصر.
قال الضيف في رسالته، أن مكان قوى المقاومة العربية، الحرة الشريفة الأبية، الكريمة العزيزة، هي على الجبهة وفي الميدان، في مواجهة العدو الصهيوني، تقاومه وتحاربه، وتقارعه وتقاتله، وتناوشه وتشغله، وتربكه وتتعبه، وترهقه وتستنزفه، فهذا هو المكان الطبيعي والطليعي لقوى الأمة المقاومة، وفيه تستطيع أن تبلى بلائها، وأن تثبت نفسها، وأن تتحدى عدوها، وفيه يمكنها المنافسة والمبارزة، إذ أن هذا هو ميدانها الأصيل، وساحتها الرحبة، ومكانها الأول، الذي أثبتت فيه ذاتها، وعمقت جذورها، ورسخت أقدامها، حتى غدت كالطود العظيم لا يهزمها أحد، وكالجبال الشم الرواس لا يزحزحها من مكانها عدو.
أراد الضيف في رسالته النادرة إلى حزب الله أن يضع الأسس من جديد لاستعادة معسكر المقاومة، وبناء جبهة الممانعة، على أسسٍ صحيحة، وثوابت واضحة، ومنطلقاتٍ وطنيةٍ، لا يشوبها غبار، ولا يعتريها شك، ولا يكتنفها غموض، ولا يختلف عليها الشعب، ولا تتهمها الأمة، بعد أن تاهت الجموع، وتشتت الجهود، واختلفت النفوس، وضاعت البوصلة، وضل المقاومون طريقهم، وانشغلوا في غير قضيتهم، وقد كانوا جميعاً محل اتفاق، وموضع عزةٍ وافتخار، ونقطة تلاقي واجتماع، وعنوان احترامٍ ومحبة، وتقديرٍ وإشادة، إذ أنهم الصفحة الناصعة، والتاريخ الحافل، وأهل الوقفات المشرفة، والمراحل الذهبية المضيئة في تاريخ الأمة، الذين كسروا شوكة العدو، وأذلوا هامته، وطأطأوا رأسه، وصنعوا للأمة أولى انتصاراتها العزيزة.
قال الضيف أنه يجب على حلف المقاومة أن يستعيد عافيته، وأن ينهض من جديد، وأن يمسك بزمام المبادرة، وأن يقود المسيرة، ويرفع الراية، ويوحد الجهود، ويصحح المسار، إذ لا طريق صائب غير المقاومة، ولا درب سالكٌ غيرها، ولا نجاة بدونها، ولا فلاح بغيرها، وعليه كحلفٍ مقاومٍ أصيلٍ قديم، أن يخرج من كلِ حلفٍ لا يقاوم، وأن ينابذ كل تكتلٍ لا يقاتل العدو الصهيوني، ولا يقف في مواجهته.
إذ أن إسرائيل هي التي تقف وراء كل مصيبة، وهي التي تخلق كل أزمة، وهي التي تتآمر وتتحالف، وتقود وتسير، وتبث سمومها وتنفخ نارها، وتتمنى للأمة بوارها وهلاكها، فاستعادة روح المقاومة وبناء حلفها من جديد يعني الخروج من كل جبهة، والبراءة من كل فتنة، والتطهر من كل ذنبٍ ومعصية، والتخلي عن كل متآمرٍ وخائن، وعدم الإصغاء إلى الهمس، والركون إلى الوعد، فلا محب للمقاومة غير أهلها، ولا صادق معها غير من بذل في سبيلها الدم، وضحى من أجلها بالغالي والنفيس.
بداية الطريق لاستعادة حلف المقاومة هو في انتهاء الأزمة السورية، وانقضاء محنتها، وانتهاء الحرب وتوقف القتال، وعودة أهلها، واستقرار أوضاعها، ولا يكون هذا إلا بالحوار والمفاوضات، واجتماع السوريين وحدهم على طاولة حوارٍ واحدة، تجمعهم بصدق، وتوحدهم على الوطن بأمل، بعد أن يخرج منها كل الغرباء والأجانب، وكل المقاتلين العرب وغيرهم، الذين وفدوا إليها معارضين وموالين، ليتفرغ السوريون وحدهم لمشكلتهم، فهم أقدر على حلها، وأصدق في مناقشتها، وهم أحرص على أنفسهم ومصالحهم من غيرهم، ويعرفون أن هذه هي أرضهم، وهي تتسع لهم جميعاً، وهي وطنهم وديارهم، ولدوا وعاشوا فيها، وسيبقون فيها، وسيعود من خرج منهم إليها، وهم يدركون أن الحرب طاحونة، تسحق كل من يشارك فيها، وتقتل كل ما يرمى إليها، وهي نارٌ تضطرم وتشتعل، وتحرق في أتونها الشعب والأرض والمستقبل والحضارة والتاريخ، وهي قادرة على التهام المزيد وحرق الكثير، وتقول هل من مزيد.
يدرك الضيف أنه وكتائبه القسامية كان في حلفٍ قديمٍ مع حزب الله وإيران وسوريا، وأن هذا الحلف الذي كان يضم إليهم قوى المقاومة الفلسطينية كلها، كان حلفاً قوياً وصادقاً، ومنيعاً ومحصناً، وصلباً وعنيداً، وقد زود المقاومة الفلسطينية بالسلاح والعتاد، ودربها وأهلها، ومولها وساندها، ولم يألُ جهداً في نصرتها ومساعدتها، والوقوف معها والدفاع عنها، وقد تحمل الكثير من أجلها، وكابد في سبيل حمايتها والذود عنها، ومنع العدو من أن يتغول عليها أو أن يستفرد بها.
الضيف في رسالته الأولى إلى حزب الله، يتطلع لأن يضع حجر الأساس للانعطافة الحقيقية نحو الخلاص، ولو كانت الاستدارة كاملة، والمراجعة شديدة، والاعتراف قاسياً، إلا أن الأمانة تتطلب من الجميع التوقف والتفكير، والحسم والقرار، لوقف الاحتراب، ووضع حدٍ لنزيف الدم الذي لا ينتهي، وكأنه بهذا يلقي للجميع بحبل النجاة، الذي هو طوقُ نجاة الأمة كلها، منبهاً الأطراف بلا استثناء، أن العدو يتربص بنا جميعاً، وأنه يتمنى هلاكنا، ويسعى لحتفنا، ولا يهمه أمرنا، ولا يعنيه مصيرنا، إنما يتطلع لتفككنا، ويطمع في اختلافنا، ويأمل في استمرار صراعنا، واستنزاف قوتنا، إذ في هذا نجاته وفيه بقاؤه.