عن نزعة الانفصال المتزايدة، كاطالونيا نموذجا

0

ربما أن منظمة الأمم المتحدة، لن تستطيع الاكتفاء بعدد أعضائها في حدود المائة وثلاثة وتسعون عضوا، بل قد تكون مطالبة باستقبال طلبات انضمام دول جديدة مستقبلا، انفصلت للتو من رحم دولها الأم، بالنظر إلى موجات المطالبة بالانفصال التي تجتاح عددا من مناطق العالم، كان أخرها قضيتي الأكراد في العراق والكاطالان في إسبانيا.

كان صعبا على جماهير نادي برشلونة الكروي، تقبل منعهم من حضور لقاء فريقهم المدلل ، برسم الدوري الإسباني، لمصادفته يوم إجراء الاستفتاء من أجل الانفصال عن الحكم المركزي في مدريد، فمنطق السياسة في كثير من الأحيان، يتجاوز منطق الرياضة.

قد يتساءل الكثيرون، عن الأسباب التي تدفع، منطقة غنية من قبيل كطالانيا، تنعم في رفاه اقتصادي وإشعاع ثقافي ورياضي قل نظيره في العالم، وعلى الرغم من ذلك، فإنها تناضل من أجل أن يكون لها علم ونشيد وطني مستقل، ربما أن جزئا من صيغة السؤال، يمكن أن يصلح جوابا،لكشف اللثام عن خفاياه المحيرة، وهو الغنى والرفاه في حد ذاته، فكطالانيا منطقة غنية، إلى حد، أنها تساهم بنسبة 19 في المائة من الناتج الداخلي الخام من اقتصاد إسبانيا، وبالتالي فهي لا تقبل أن يستمر الوضع هكذا، وتقطف الدولة المركزية من ثمار عائدات ثرواتها، لتوزعه على باقي مناطق المملكة، فضلا عن تراكم حمولات تاريخية وثقافية ولغوية ضاربة في القدم، تعتبر إسبانيا بمثابة دولة متسلطة أكثر من أمة، وما تواجدها العسكري والبوليسي، لن يخرج عن نطاق كونه احتلالا.

بغض النظر عن العوامل التاريخية والاقتصادية التي تدفع الكاطالان إلى السعي نحو الانفصال، يرى المتتبعون أن الفساد السياسي، الذي ينخر الطبقة السياسية في إسبانيا، تجلت صورته في أزمة تشكيل الحكومة، وصعوبة حصول الأحزاب السياسية على الأغلبية المطلوبة، وجملة الفضائح التي تلاحق مجموعة من الشخصيات السياسية، أبرزهم رئيس الحكومة الحالي راخوي، يفقد ثقة الكاطالانيين في الحكومة المركزية، ويعمق التباعد بينها.

الاتحاد الأوروبي وجد نفسه في مأزق حقيقي، وموجة الانفصال تتمدد رويدا رويدا، حيث مازال جرح خروج أبريطانيا من الاتحاد الأوروبي لم يندمل بعد، في استفتاء، ترسخت القناعة من خلاله لدى البريطانيين أنهم سيكونون أفضل حالا في حالة خروجهم،على بقاء رقابهم تحت سطوة أنجيلا ميركل صحبة أصدقائها الأوروبيين، وهو شيء سيضعف وحدة الكيان الأوربي، خصوصا وأن هذا الأمر يمكن أن يتكرر، وتستيقظ نزعة انفصال بعض المناطق من سباتها، من قبيل الفلامان والباسك وشمال إيطاليا…

إذا كان حق تقرير المصير صالح في دول أسيا وأفريقيا، فإن الاتحاد الأوروبي غير معني بذلك، وبالتالي فهي مناسبة تنكشف فيها عورة أوروبا وشعارات الدفاع عن حقوق الإنسان، ويتضح نفاق الغرب، وتفضيل تقديم مصالحه الحيوية على أي شيء آخر، وبالتالي هناك موقف واضح عبر عنه جان كلود جانكر، أحد كبار المسؤولين الأوروبيين، حينما صرح بأن الكطالان في حالة إصرارهم على الانفصال، سيكونون خارج أسوار الاتحاد الأوروبي، وتنطبق عليهم نفس القوانين، المطبقة على المرشحين الجدد من أجل الحصول على العضوية، وهي رسالة مبطنة، تفيد برفض الاتحاد الأوروبي لهذه الخطوة الانفصالية.

يمكن القول، أن خطوة الاستفتاء بغية الانفصال عن مدريد، أحدثت رجة وصدى واسع عبر العالم، لما لا والمنطقة تضم أشهر فريق كروي عبر التاريخ، الذي يحرك الملايين من عشاقه عبر المعمور، ويهتفون

باسمه في كل فوز ونصر كروي، وستبقى مسألة هل سيتحول التعاطف الرياضي لجماهيره عبر العالم، إلى تعاطف سياسي مطروحا على طاولة نقاش علماء النفس والاجتماع.

سيكون من المنطقي، أن سعي انفصال الكاطالان، سيفرز تداعيات سياسية وجيوستراتيجية على المنطقة، خصوصا وأن شبح المشاكل الاقتصادية والاجتماعية يضرب بقوة مجموعة من المناطق، مما يدفعها إلى رفع ورقة الانفصال، كورقة للضغط على الحكومات المركزية، وهو شيء قد يجعل صيغة الاستفتاء لتقرير المصير، كخيار مشروع يقاس عليه في مجال العلاقات الدولية والقوانين المؤطرة للقانون الدولي، فإذا كان استفتاء انفصال ابريطانيا قد نجح في مسعاه، فلماذا لا يصبح الأمر كذلك مع كاطالانيا وكذا بالنسبة لمناطق أخرى عبر العالم.

المغرب الجار الأقرب إلى إسبانيا، من المفروض أن ينظر بقلق إلى ما يجري قرب حدوده، فأزمة الريف ما زال موضوعا شائكا، كما هو الحال بالنسبة لقضية الصحراء المغربية، والخوف أن يتشكل حزام دو نزعة انفصالية في المنطقة، يتضامنون فيما يبنهم، ويرفعون درجة التنسيق بين بعضهم البعض، للوصول إلى أهدافهم المشتركة.

قد تكون نزعات الانفصال المتنامية في أوروبا، مناسبة ليعاد طرح نقاش حقيقي حول مسألة حق الشعوب في تقرير مصيرها، وهي بالمناسبة صيغة قانونية وحقوقية من صنيعة أوروبا نفسها، قد تكون في وقت من الأوقات صلحت لتفتيت مستعمراتها، ولكنها الآن ماضية في تفتيت كيان الاتحاد الأوروبي نفسه.

قد يعجبك ايضا

اترك رد