«عفواً لقد تم إلغاء الامتحان».. مواقع الجامعات الجزائرية آخر من يعلم والطلاب يخلقون بدائل
نشر خبر بسيط كان كفيلاً بتوفير كثير من الوقت والجهد والمال على سمية، التي اضطرت إلى قطع مسافة 200 كلم عبثاً، وفي وقت حرج من حياتها بسبب أن مواقع الجامعات الجزائرية آخر من يعلم .
ففي شهر رمضان الماضي قطعت سمية سعودي مسافة 200 كلم، قادمة من مدينتها إلى مقر جامعتها بمدينة وهران في الغرب الجزائري.
تركت سمية، الطالبة في قسم الاتصال بجامعة وهران أهلها بعد انقضاء العطلة الأسبوعية، وسافرت وسط أجواء الصيام التي تزامنت مع الطقس الحار، لكي تدخل امتحان نهاية العام في موعده المقرر.
ولكنها قابلتها مفاجأة غير سارة على الإطلاق.. لقد تم إلغاء الامتحان.
صُعقت سمية من هذا الخبر، وقالت: «لو نشر إعلان بسيط على موقع الجامعة على الإنترنت كان سيرحمني من هذه المعاناة والسفر الطويل والضغط النفسي الذي يميز أي امتحان خاصة في الجزائر«.
ولكن يبدو أن مواقع الجامعات الجزائرية آخر من يعلم .
رغم أنها جامعة كبيرة فإن هذا حال موقعها الإلكتروني
رغم أن جامعة وهران من الجامعات الكبرى في الجزائر، فإنها لا تملك موقعاً فعالاً، حسبما تقول سمية (20 عاماً) لـ «عربي بوست».
وتضيف: لأنني طالبة تنتمي لمدينة تبعد عن الجامعة بمسافة 200 كلم، فإن عدم فاعلية الموقع هذه تسبب لي الكثير من المتاعب، لاسيما مع بداية الموسم الدراسي، خاصة في فترة التسجيلات والامتحانات وغيرها.
مساحة الجزائر الكبيرة تجعل انتقال الطلاب أحياناً أمراً شاقاَ/istock
وتقول سمية: أحياناً أضطر للسفر للجامعة من أجل الاطلاع على إعلان بسيط كان يمكن نشره في الموقع».
ولكن هذا حال أغلب مواقع الجامعات الجزائرية.
مواقع الجامعات الجزائرية آخر من يعلم .. والبديل اللوح الخشبي
ليست سمية وحدها هي التي عانت بسبب قصور مواقع الجامعات الجزائرية.
إذ يضطر كثير من الطلاب والأساتذة الجزائريين للتنقل إلى مقر الجامعات والكليات، في كثير من الأحيان، من أجل الاطِّلاع على المستجدات المتعلقة بدراستهم أو مهنتهم، مثل مواعيد التسجيل، وقوائم الطلاب والأفواج، وكيفية إيداع الملفات، والوثائق المطلوبة، والآجال المحددة، وغيرها من المعلومات.
وأغلب هذه المعلومات المهمة مازالت تنشر بطريقة تقليدية على شكل ملصقات إعلانية، تعلق في لوح خشبي أو على الجدران عند المدخل الرئيسي للجامعات، والكليات والأقسام العلمية المختلفة.
الإعلان عن الملتقيات العلمية المتخصصة والدولية أمر ذو طبيعة خاصة؛ لأنه يجب أن يتم في توقيت ومكان مناسب، لإتاحة الفرصة للباحثين والأساتذة للمشاركة بها وإرسال أبحاثهم.
ولكن أغلب الجامعات تكتفي بنشر إعلاناتها تعلق عند مدخل الجامعة، بدلاً من نشرها عبر مواقع الجامعات الجزائرية الإلكترونية.
يحدث هذا، رغم أن أغلب مؤسسات التعليم العالي التي يتجاوز عددها في الجزائر 63 مؤسسة (كلها حكومية في ظل الغياب التام للجامعات الخاصة)، يدرس بها أكثر من 1.6 مليون طالب جامعي، تملك مواقع إلكترونية تتضمن أبواباً متعددة.
ويفترض أن مواقع الجامعات الجزائرية هي واجهات تتضمن جميع المنشورات والمعلومات التي تهم الطلاب، والأساتذة، والباحثين، وحتى الإداريين لتخليصهم من عناء التنقل فقط لأجل الاطِّلاع على إعلان بسيط.
ولكن الواقع أن مواقع الجامعات الجزائرية آخر من يعلم .
نعم تنشر بعض المعلومات ولكن لا يتم تحديثها لفترات طويلة
مواقع الجامعات الجزائرية كثيراً ماتنشر المعلومات متأخرة/istock
ورغم أن العديد من مواقع الجامعات الجزائرية تنشر إعلانات بخصوص مختلف التظاهرات العلمية والتعليمات الوزارية والقرارات العلمية وغيرها التي تهم الطلاب، فإنها في كثير من الأحيان إما أن تكون إعلانات ناقصة، أو تنشرها في وقت متأخر، أو تحمل معلومات خاطئة.
وتقول سكينة العابد، أستاذة وباحثة في جامعة قسنطينة: «مواقع الجامعات الجزائرية الإلكترونية غير مفعلة كما يجب، وتحديثها يكون عادة باجتهادات شخصية من قبل الأساتذة من خلال نشر الإعلانات.
وأضافت أنها ينقصها التفعيل والاستمرارية، ولكن أيضاً المراقبة من قبل المسؤولين، والتأكيد على أهمية سرعة نشر الإعلانات والاطلاع عليها، وتسهيل تصفح المواقع لتفعيل التواصل اليومي بين الإدارة والطالب والأساتذة».
وفي نفس السياق تقول الأستاذة والباحثة في قسم العلوم التجارية، وسام عبدي، إن الأساتذة والباحثين يعانون من نفس المشكلة، إذ يضطرون للتواصل مع الإدارة بشكل مباشر في كل مرة للاطلاع على المستجدات.
وأضافت: «أحياناً يفوّتون الكثير من الفرص كالمشاركة في الفعاليات والملتقيات العلمية، بسبب عدم الوصول، وغياب الإعلانات على مواقع الجامعات الجزائرية.
والطلاب بعد أن تكبَّدوا هذه المعاناة قرَّروا إيجاد البدائل
بدأ العام الدراسي، كيف أسجّل اسمى، ما هي مواعيد المحاضرات؟
إنها تساؤلات تطارد الطلاب الجزائريين وكل طلاب العالم على الأرجح.
ولكن في ظل ضعف مواقع الجامعات الجزائرية تتفاقم مشكلة الحصول على المعلومات حول مواعيد بداية التسجيل، وتقديم الطعون والتحويلات، والمسابقات العلمية، والمنح الدراسية وغيرها.
ولأن الحاجة أم الاختراع، فقد بدأ الطلاب يعالجون بأنفسهم مشكلة قصور الجامعات الجزائرية.
الحل البسيط والمرهق قبل عصر شبكات التواصل الاجتماعي
قبل أن تنتشر شبكات التواصل الاجتماعي، كان الحل الغالب بالنسبة للطلاب الذين يسكنون على مسافات بعيدة عن جامعاتهم أن يتعرفوا على طالب يسكن قرب الجامعة، ويطلبون منه معرفة آخر الأخبار ونقلها لزملائه.
وكان يحتاج هذا الطالب أن ينتقل كل فترة للاستفسار عن المستجدات، ومن ثم نقلها إلى زملائه وإطلاعهم عليها.
وتزيد أهمية هذه الطريقة أثناء نشر نتائج الامتحانات، التي تتزامن عادة مع توقف الدراسة، مما يجعل أغلب الطلاب الذين يسكنون في مناطق بعيدة يعودون إلى مدنهم الأصلية، ويعانون من مشكلة صعوبة الاطلاع على علاماتهم في الاختبار.
كان الأمر معقداً، ويشكل عبئاً على الطلاب الذين يسكنون بجوار الجامعة، إذ يبدو أن صداقة مثل هؤلاء الطلاب كانت بمثابة كنز ثمين.
ولكن اليوم تغيرت الأحوال، وقدمت شبكات التواصل الاجتماعي بدائل فعالة.
والآن ها هي صفحات التواصل الاجتماعي تقدم بدائل عن مواقع الجامعات الجزائرية
بدلاً من إلقاء الحمل كله على الطالب المسكين الذي يسكن بجوار الجامعة ظهرت
مبادرات طلابية لتقديم بدائل عن مواقع الجامعات الجزائرية، عبر تأسيس صفحات طلابية خاصة بالأقسام والكليات والجامعات أيضاً.
تنشر هذه الصفحات المستجدات، ويشرف عليها طلاب في الأغلب.
قائمة مواقع الجامعات الجزائرية 48 ولاية https://t.co/KMZUIKCzXS https://t.co/KMZUIKCzXS
— الموسوعة الجزائرية للدراسات السياسية (@politics_dz) September 10, 2018
يقول أسامة، 21 سنة، طالب جامعي في قسم الهندسة المعمارية بإحدى الجامعات الجزائرية: «أسَّسنا مجموعة على فيسبوك من أجل التواصل ومتابعة المستجدات، توسَّعت المجموعة وأصبحت تضم أغلب طلاب القسم الذين يتجاوز عددهم 300 طالب».
ويضيف أسامة: «ساعدتنا هذه العملية جداً في تبادل المعلومات بيننا، بعدما كنا نعاني من صعوبة الحصول عليها، ونفوت مواعيد التسجيل والمسابقات ونجهل الكثير من القرارات الإدارية والوزارية».
ولكن هذه الصفحات لم تعد تقتصر على الأخبار فقط
وتوسع دور هذه الصفحات والمجموعات من مجرد نشر مستجدات ومنشورات وزارية وتعليمات وقرارات، حيث تحولت إلى مساحات للنقاش وتبادل المراجع والبحوث العلمية بين الطلاب في التخصصات المختلفة.
كما أن أساتذة الجامعات باتوا يستفيدون من أنشطة هذه الصفحات، إذ تقول سكينة العابد، أستاذة وباحثة في جامعة قسنطينة: «نحصل على معلومات ونقرأ إعلانات في فيسبوك لنعرف ما يحدث في جامعاتنا وباقي الجامعات التي يفترض أن تكون مواقعها الإلكترونية واجهة تعكس كل شيء».
وهذا هو تصنيف الجامعات الجزائريةإلكترونياً على المستوى الإفريقي
في شهر أغسطس/آب 2018، كشف تقرير UniRank الأسترالي لدراسة وضع الجامعات فيما يخص مستوى مواقعها الإلكترونية، حجم المشكلة التي تعانيها مواقع الجامعات الجزائرية.
وكانت جامعة قسنطينة هي أول جامعة جزائرية تظهر في التصنيف الذي ضم 200 جامعة، لتحتل المرتبة 41 إفريقياً، في حين جاءت جامعة ورقلة في الجنوب في المرتبة 46 إفريقياً، وجامعة تلمسان بالغرب في المرتبة 49، تبعتها بعد ذلك جامعات أخرى منها جامعة بسكرة، وبجاية وباب الزوار على التوالي. وضم التصنيف 24 جامعة جزائرية في قائمة أفضل 200 جامعة إفريقياً من حيث مستوى موقعها الإلكتروني وحضورها في الإنترنت.
واستخدم التصنيف معطيات وأدوات تحليل حول المواقع الإلكترونية، بغض النظر عن مستوى الأداء الأكاديمي، مثل عدد المقالات العلمية المنشورة من قبل الجامعة.
أما الجامعات التي لا تملك موقعاً إلكترونياً رسمياً خاصاً فتم تجاهلها في التصنيف، أو تم تصنيفها في المراتب الأخيرة.
واحتلت المدارس العليا في الجزائر نهاية التصنيف، مثل المدرسة العليا للتكنولوجيا والصناعة في عنابة، التي جاءت بالمرتبة 79، ولكنها أعلى ترتيب بين المدارس الجزائرية في التصنيف.
من المسؤول عن هذا الوضع؟
هناك نقص الثقافة الإلكترونية لدى بعض الطلاب والأساتذة بالجزائر على السواء/istock
ويرجع سبب تأخر مواقع الجامعات الجزائرية إلى مستوى التجهيز، ولكن الأهم دور المسؤولين، حسب الباحث والأستاذ الجامعي محسن بن خنيش.
فرغم أن بعض الجامعات قطعت شوطاً كبيراً في هذا الجانب، ولديها تجهيزات متعددة، مثل أجهزة المحاضرة عن بعد ومراكز الحسابات التكنولوجية والتقنية فإنها ظلت محدودة في جانب الاستعمال العملياتي في تسيير شؤون الطلبة والأستاذة والإداريين، وفقاً لبن خنيش.
وقال: يختلف استعمال الإنترنت باختلاف مستوى تحكم المسؤولين فيها، ومدى قناعاتهم بفاعلية هذا الأسلوب، فعندما يكون المسؤولون على مستوى الجامعات والكليات منخرطين في الثقافة الإلكترونية تتزايد احتمالات أن يتم استخدام المواقع الإلكترونية لتوصيل المعلومات للأساتذة والطلاب عبرها.
إلا أن المشكلة، حسب قوله، أن بعض الأساتذة والطلاب الجزائريين لا يملكون حتى الآن بريداً إلكترونياً، ولا يؤمنون بفاعليته في عمل الجامعة.
والنتيجة أن هذا النقص في الثقافة الإلكترونية يكبد الطلاب الجزائريين كثيراً من المعاناة، التي يمكن التخلص منها عبر انتهاء تفعيل المواقع وألا تصبح مواقع الجامعات الجزائرية آخر من يعلم .
The post «عفواً لقد تم إلغاء الامتحان».. مواقع الجامعات الجزائرية آخر من يعلم والطلاب يخلقون بدائل appeared first on عربي بوست — ArabicPost.net.