صرخة شاب في زمن كورنا

0

 

تأثر الجميع دون إستثناء بـ COVID19  بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. بغض النظر عن المكان والجنس والسن والجغرافيا كذلك . الكل في سلة واحدة ،لا أحد  بمنأى من الخطر الذي يمكن أن يداهم الإنسان في أية لحظة.

مع إنتشار المعلومات السليمة مرة ، والأخرى  الغير دقيقة أو الخاطئة ، سواء عبر مختلف منصات التواصل الإجتماعي أو خارجها. فأنت ترى ، تسمع ، تقرأ ، زخم من  الأفكار تمر أمام عينيك ويهمس بها آخرون في أذنك عبر الهاتف ، أفكار تزدحم وتتداخل في المخيلة بين الإطمئنان والحذر والخوف ، وفي وقت وجيز وقبل أن تستكمل لديك الصورة  في فهم مجريات الأشياء ، تنبعث أمامك  مجموعة جديدة ومختلفة من المعلومات كالصاعقة تربك كل حياباتك . إننا نعيش جميعًا أوقاتا متباينة  من الهلع ، من الحيرة  من التردد والشك وعدم تصديق ما يجري ، لتتناسل الإشاعة والأسئلة عبر شريط لا ينقطع من قبيل   “كيف يمكن أن يحدث هذا”؟ هل “يمكن أن أصاب أنا أيضا بهذا الوباء “؟  ” أليس في الأمر  مبالغة مقارنة مع ما يجري على ارض الواقع ” ؟  ، ماذا لو أصيب أحد أفراد الأسرة بهذا الفيروس؟ …؟ …؟

مايحدث لنا ومن حولنا جميعا  هو حقيقة مسلمة ،ولا داعي للتشكيك في صدقيتها ،  فكلنا معنيون بالوضعية وما يترتب عنها من تبعات مختلفة إيجابية كانت أم سلبية ، إنه مرض لا يعرف التمييز ، مرض دون وجه مكشوف ، قهر دولا نسيجها العلمي والإقتصادي والصناعي أكثر تقدما من بلادي، يأتي دون إستئذان  ولا يمهل صاحبه إن قدر له أن يتمكن منه ، ليبقى الإلتزام بالحجر الصحي وتطبيق شروط السلامة والنظافة من الأمور التي ربما تجنبنا السقوط بين مخالب هذا المرض الفتاك.

لكن في المقابل فإن وضعية من هذا القبيل لها تبعات على الفرد كما الجماعة ، خاصة في شقها  الاجتماعي والمعيشي ، خاصة في أوساط الشباب ،الذين من حقهم التساؤل عن مصير مستقبلهم في ظل وجود الجائحة وما وبعدها ، وهو تساؤل وان كان يغلب عليه التشاؤم فيبقى مشروعا وواقعيا وضروري التنبيه إليه.

ومن هنا بات من الضروري طرح السؤال بصيغته المكشوفة ونقول أين نحن الشباب من كل هذا  ؟

بات مؤكدا الآن ومع مرور الوقت أن جائحة COVID19 و حسب تعريف منظمة الصحة العالمية : أن هذا الوباء هو مرض مستجد لا يملك الإنسان  مناعة ضده – فهو ينتشر في جميع أنحاء العالم بشكل سريع ومخيف ورهيب،  فاق جميع التوقعات وبعثر كل الحسابات . ومع ذلك ، فلا ينبغي أن تكون هذه الظروف مدعاة للخوف والإستسلام، فعلى الرغم من حساسية المرحلة والإكراهات والصعوبات المحيطةبها ، لا بد من زرع الطاقة الإيجابية بيننا ، لترتفع شحنة التفاؤل وضبط النفس ، و نكون أكثر تنظيما واستعدادا ليوم الحسم  . وكلنا ثقة في الإجراءات الفعالة والإستباقية التي إتخذها المغرب بقيادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله  ، والتي قامت بتنفيذها مختلف المؤسسات المعنية بكل مهنية وإحترافية ، هذه الإجراءات جنبت بلدنا بحمد الله أسوء السناريوهات ، وأبانت عن  جاهزية مختلف المؤسسات مركزيا ،جهويا ،إقليميا ومحليا .بل وفتحت الباب للإختراع وتطوير المهارات.

فمن خلال النقاش الواسع والمتنوع والتفاعل اليومي ، الذي تعرفه الساحة الوطنية على خلفية هذا الوباء  ، بإنخراط ومشاركة مختلف الفاعلين والمتدخلين من كل الشرائح والأعمار ، فالواقع يسائلنا نحن الشباب عماد المجتمع على النحو التالي : كيف السبيل لنكون الحلقة الإيجابية في ظل مايقع ؟ وهل من شأن مانعيشه أن يحفزنا للإرتقاء الى الأحسن في جميع مناحي الحياة ؟ ماهي مساهمتنا في صياغة رؤيا واضحة لإستشراف مستقبل اكثر تفاؤلا ؟ لا أعتقد ان هناك فرصة أكثر خصوبة من هذه التي نعيش فصولها لإقلاع شبابي حقيقي واقعي متزن إعتمادا على تعبئة وتنظيم ذاتيين  ، بعقلية تنبذ العنف والركون إلى الزاوية المظلمة ، والتخلص من الفكر العدمي ، الذي لا ينظر إلا للجزء الفارغ من الكأس ، من خلال تبخيس مجهودات المؤسسات والأفراد.

فقبل ظهور COVID-19 ، كانت فئة الشباب (الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 سنة) هم الفئة الأكثر عرضة للبطالة ، ثلاث مرات بالمقارنةً مع من يكبرونهم سنا  ،لتبرز خطورة  إستشراء الهشاشة عند هذه الفئات العمرية ، وما يؤكد هذا الطرح ، هو وجود تقريبا  126 مليون عامل شاب يعيشون فقرا مذقعا او نسبيا معتدلا في جميع أنحاء العالم (منظمة العمل الدولية ، 2020). ومرد ذلك إلى كون العمال الشباب يتم توظيفم في وظائف غير قارة ، على عكس  الفئات العمرية الأخرى. مما يرفع عددهم في هذه الوضعية الغير المستقرة إلى  حوالي ℅77 من مجموع  الشباب العامل بشكل غير رسمي على الصعيد العالمي ، بل وهذه  النسبة تعرف شكل تصاعدي عند  الشابات في البلدان منخفضة أومتوسطة الدخل (منظمة العمل الدولية ، 2018). علما انه في إيطاليا مثلا أن فئة عريضة من اليد العاملة المتقدمة في السن لم تستطع مقاومة الوباء. الأمر الذي ربما يفتح الأمل أكثر أمام الشباب لولوج سوق الشغل وخاصة الفئات المأهلة.

حسب تقارير الخبراء من المتوقع أن تعرف البطالة بعض الإرتفاع نتيجة مرض COVID-19 ، لتنضاف الى تلك التي خلفتها  الأزمة المالية العالمية لعام 2009. في الوقت الذي يتطلع فيه الشباب عبر أرجاء العالم إلى إتخاذ إجراءات وخطوات سياسية وعملية من شأنها أن تعيد لهم  الأمل لضمان عيش كريم ،وتقليص الفوارق وضمان عدالة حقيقة في الشغل ، تجعل الشاب شريكا حقيقيا في التنمية ومساهما  إيجابيا في بناء الوطن بعد مرور هذه الظرفية الوبائية بسلام بحول الله.

وجذير بالذكر أن لهذا  الوباء العالمي تأثيرات وانعكاسات سلبية  غير مسبوقة على أنظمة التربية و التعليم في جميع دول  العالم ،وما يتبع ذلكمن إختلالات  إجتماعية على المدى المنظور والبعيد . فوفقًا لمنظمة اليونسكو (2020) ، فقد عمدت أزيد من 190 دولة  على تنفيذ  عمليات إغلاق كلي  للمؤسسات التعليمية  على الصعيد الوطني أو  المحلي  ، مما أدى إلى عدم تمكن أكثر من ℅91 من المتمدرسين المسجلين من الإلتحاق بمؤسساتهم ، أي نسبة تقترب من  1.5 مليار شخص ، توقفوا عن الدراسة  ، والمغرب لم يسلم من هذه الوضعية ،وضعية جعلت مسؤولي هذه الدول يواجهون حالة من الإضطراب في منظومتهم التعليمية  لمدة غير مؤكدة ، و بمستويات مختلفة ومتفاوتة . وضعية من شأنها أن تؤثر  سلبًا على التحصيل العلمي  والوصول إلى التغذية الفكرية المنشودة  ،خاصة الفئات الأكثر فقرا والتي تعتمد على التعليم العمومي ،علما أن التعليم عن بعد خلق متاعب كثيرة للتلاميذ خاصة بالعالم القروي- حالة البادية المغربية – الذي يعرف نقصا في تجهيزات الإتصال وحتى ان وجدت ، فلا يمكنها التخلص من الإنقطاعات المتكررة او ضعف الصبيب بفعل الضغط في ساعات الذروة ،  وهذه العوامل كلها تأثر على نتائج الإمتحانات ودرجة الإستيعاب والتحصيل، الأمر الذي ربما  سيفضي إلى إنقطاع أعدادا من التلاميذ عن الدراسة وتلك حكاية أخرى.،
وللتخفيف من حدة هذه الوضعية  ،بات من الضروري الرفع من مستوى الميزانيات المرصودة للقطاعات الحيوية وخاصة الصحة والأمن والتعليم ، وجعل التمدرس عن بعد جزءا من المعادلة اليومية لا وليد ظرفية معية أو  طارئة  ، مع التأكيد على النظر بعمق في إشكالية التلقين عن بعد ، وخوض تجربة   نقل الدروس عبر الارسال الإذاعي عوض الإرسال التلفزي ، لأن مناطق كثيرة تعاني من ضعف الشبكة وانعدام  الإنترنت عالي السرعة ،بالإضافة إلى دراسة إمكانية  إعتماد منهجية مواد التعلم عن بعد الورقية للعائلات التي ليس لديها أي رابط للإتصال الرقمي ، دون إغفال العناية بالتلاميذ و الطلبة من ذوي الإحتياجات الخاصة ، هذه الشريحة التي تحتاج منا مزيدا من الدعم والإهتمام .
وفي الختام ، ونحن بصدد الحديث عن الشباب ومعاناته اليومية ، لا يمكن التغاضي عن شباب يعيشون على الهامش دون مأوى في ظروف قاسية جدا ، بسبب مشاكل  عائلية أوإجتماعية أو نفسية  .فهم لا يتوفرون على  سكن مستقر ، وبالتالي كيف يمكننا أن نطالبهم بالخضوع للحجر الصحي و المشاركة بأمان في التباعد الاجتماعي في منزل هم أصلا فاقدوه   ، إنها وضعية هشة ومزرية  تزيد من قساوتها النظرة الدونية التي يواجههم بها بعض ذوو النفوس المريضة. والحالة هذه فهم أكثر عرضة لمرض COVID19.
وحتى لا ننعت بالسلبية ، ومن باب الإنصاف لا بد من التذكير على أن بلادنا حققت الكثير من المكاسب للمواطن والشباب على وجه الخصوص ، لكن لا زال أمامها الكثير من العمل لتحقيق عدالة إجتماعية ومجالية تستجيب لطموحات كل المواطنين ، الذين يمكن أن تناقشهم في كل شيئ إلا وطنيتهم وتمغربيت ديالهم ، لأنهم دائما يعيشون على أمل غد أفضل ومشرق ،  تحت سماء مغرب متراص بسواعد كل أبنائه . مغرب منفتح على محيطه الإقليمي والدولي وتجذر عمقه الإفريقي ، مغرب محافظ على هويته وأصالته التي لا تقبل المساومة .
المتفائل يقول: إن كأسي مملوءة إلى نصفها.. والمتشائم يقول: إن نصف كأسي فارغ…!!!
ولك أن تختار أي منهما تخالل .
دمتم سالمين.

بقلم: عبد الكريم ناصري

 

 

 

قد يعجبك ايضا

اترك رد