صحيح أن ترمب أظهر دعماً كبيراً لإسرائيل في كلمته أمام دول العالم.. لكن لماذا على تل أبيب أن تقلق من خطابه؟

0

ألقى الرئيس الأميركي دونالد ترمب خطاباً أمام الدورة الـ73 من اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في مقرها بمدينة نيويورك، في الـ 25 من سبتمبر/أيلول 2018.

ونظير لحجم الدعم الكبير الذي أظهره ترمب لإسرائيل في الكلمة، قال موقع AL Monitor الأميركي، الخميس 27 سبتمبر/أيلول 2018، إن «هواة نظرية المؤامرة سينضمون إلى مُروِّجي نظريةٍ تقول إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان هو مَن صاغ خطاب الخامس والعشرين من سبتمبر/أيلول للرئيس ترمب.

وأعلن ترمب في كلمته أنه لن يسمح بحصول نظام، يهدد بإبادة إسرائيل، على أسلحة نووية. وتعهَّدَ بفرض عقوباتٍ أقسى على إيران وطالب بإخراجها من سوريا. وقد أثنى أيضاً على ما فعله من اعتراف بالقدس «عاصمة لإسرائيل»، ولم يذكر أيَّ شيءٍ عن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية والمستوطنات التي تبنيها هناك.

نتائج عكسية

وذكر الموقع الأميركي أنه من المؤكَّد أن الخطاب كان مصدر فخر وارتياح كبير لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي هو نفسه وزير خارجية إسرائيل.

واضطلع نتنياهو بدورٍ ريادي في قرار ترمب الذي اتُّخِذَ في وقتٍ سابق من هذا العام وقضى بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي المُوقَّع بين إيران والقوى العالمية.

ترمب أظهر دعماً كبيراً لإسرائيل في كلمته أمام الأمم المتحدة

وفي خطابه الذي ألقاه في شهر مايو/أيار 2018، وأعلن فيه عن اتخاذ هذه الخطوة الأحادية، قال الرئيس الأميركي إنه صاغ قراره بعد أن رأى المواد التي سرقتها إسرائيل من الأرشيف النووي الإيراني.

وقد نُفِّذ أيضاً قرار ترمب بنقل السفارة الإسرائيلية من تل أبيب إلى القدس -وهو القرار الذي حُفِظَ لأعوام طويلة على قائمة ملفات الكونغرس حتى تراكم عليه الغبار- على مسمع ومرأى من نتنياهو. وتبخَّرَ حلُّ الدولتين للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، وهتف المستوطنون مرة أخرى باسم نتنياهو بسبب خدعة الاختفاء التي اتبعها في هذه القضية.

وأشار الموقع الأميركي إلى أن هذه هي الصورة التي يُسوِّقها نتنياهو ووسائل الإعلام الإسرائيلية إلى الشعب الإسرائيلي. بيد أن مشاهدة ذات الصورة من شرفة الشرق الأوسط لا تبدو مُبشِّرةً بنفس ذلك القدر.

وتدفع إسرائيل ثمناً استراتيجياً باهظاً للتحالف القوي الذي صاغه مع ترمب ضد إيران. حيث تسبب الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، الذي جرى التوصل إليه بصعوبة، في إطلاق أزمة ثقة بين الولايات المتحدة وأقرب ثلاثة حلفاء لها: فرنسا، وألمانيا، والمملكة المتحدة.

ومن خلال الانسحاب من الاتفاق، حرر ترمب كاهل روسيا من ثقل العقوبات الدولية ضد إيران وحوَّل البلدين (روسيا وإيران) إلى حليفين يتقاسمان فيما بينهما عمليات النهب في سوريا.

وزعم نتنياهو قائلاً، إننا «لن نعرف أبداً ما إذا كانت الثغرات الموجودة في الاتفاق النووي بين مجموعة 5+1 وإيران سوف تُمكِّن الإيرانيين من تطوير أسلحة نووية».

سباق تسليح أشعلته أميركا

وعلى الجانب الآخر، فإن انسحاب الولايات المتحدة أطلق سباق تسلح تقليدي على الحدود الإسرائيلية بدرجةٍ غير مسبوقة منذ أيام الحرب الباردة.

ويشير تقرير الموقع الأميركي إلى أن ثمة دلالة تثير قلق إسرائيل في هذا الصدد، وتتعلَّق بقرار موسكو الذي أُعلِن في 24 سبتمبر/أيلول ويقضي بإمداد نظام بشار الأسد بصواريخ إس-300 المضادة للطائرات ومعدات تعقُّب وتشويش مضادة للملاحة الساتلية، وأنظمة الرادار، والاتصالات بين الطائرات المقاتلة.

في الثاني والعشرين من سبتمبر/أيلول، لمّحت قناة الميادين اللبنانية بإشارةٍ مقلقة إلى إشكالية أخرى عندما نقلت اعتزام روسيا إغلاق المجال الجوي فوق المياه الإقليمية لسوريا.

وقال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إن إمداد سوريا بصواريخ إس-300 كان الهدف منه «ترويض سريع الغضب، ومنعهم من القيام بأفعال غير حكيمة تُهدِّد قواتنا».

ويبدو أنه كان يشير إلى إسقاط طائرة استطلاع حربية روسية في 17 سبتمبر/أيلول أسفر عنها مقتل طاقم الطائرة المكون من 15 شخصاً قبالة السواحل السورية (عن طريق أنظمة الدفاع السورية التي كانت ترد على هجوم جوي سابق، يُزعَم أن إسرائيل هي التي نفذته).

وقال شويغو إن روسيا وسوريا أتمَّتا صفقة صواريخ إس-300 في 2013، لكنها توقَّفت بطلبٍ من إسرائيل. وأضاف: «لقد تغيَّر الموقف، وإنه ليس خطأنا».

ولا شك أن العلاقات الإستراتيجية بين البلاد ذات المصالح المشتركة لا تتبدَّل بين ليلة وضحاها بسبب خطأ في العمليات. فقد تغيَّر وضع العلاقات الإسرائيلية – الروسية عندما استعاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دور روسيا باعتبارها طرفاً مركزياً فاعلاً في الشرق الأوسط، في ذات الوقت الذي دخل خلاله نتنياهو في شراكة مع ترمب في ما يتعلَّق بالصراع مع إيران.

وقبل أسابيع من إعلان ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنه اتفق مع نظيره الصيني وانغ يي على منع أي محاولة أميركية لتخريب اتفاق نووي أُرسِيَت قواعده في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

سباق تسلح كانت أميركا سبباً بإشعاله وعاد سلباً على إسرائيل

نفوذ أكبر لروسيا

وفضلاً عن تقويض الاتفاق النووي، الذي كانت روسيا أحد رعاته، أبعد نتنياهو أيضاً روسيا والاتحاد الأوروبي من مجال المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية. وردَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي باستخفاف على دعوة من بوتين للاجتماع في موسكو في أكتوبر/تشرين الأول 2016 مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، بدلاً من الانضمام إلى قوى ترمب لزيادة تقويض الوضع الضعيف للسلطة الفلسطينية.

ومن خلال تسليط الضوء على زياراته المُتكرِّرة إلى الكرملين، حاول نتنياهو إقناع الجمهور بمهاراته الدبلوماسية الاستثنائية. ومن المؤكَّد أن عديداً من الإسرائيليين ينظرون إلى رئيس الوزراء باعتباره شخصيةً عبقرية يتمكَّن من إقامة علاقات في نفس الوقت مع جميع قادة العالم الرئيسيين، وفقاً لما ذكره موقع AL Monitor.

وتشير ورقةٌ بحثية، نشرها في وقتٍ سابق من هذا العام معهد السياسات والاسراتيجيات في مركز هرتسيليا الإسرائيلي مُتعدِّد التخصُّصات، إلى أن مثل هذه الألعاب البهلوانية ليست مجدية.

ويذكر باحثو المؤسسة الفكرية أنه «على مدى العامين السابقين عزَّزَت روسيا من صفقات الأسلحة، وبعضها من الأسلحة المُتطوِّرة للغاية، إلى الدول العربية المتاخمة للبحر المتوسط والبحر الأحمر والخليج العربي»، إضافةً إلى أن روسيا منخرطة انخراطاً عميقاً في الساحات الإيرانية والسورية، في ظلِّ صفقات أسلحة إيرانية روسية (في مراحل متباينة من المفاوضات) تُقدَّر بعشرة مليارات دولار، وفقاً للدراسة.

ويشير الباحثون إلى أن تلك الإمدادات من الأسلحة إلى هذه الدول تُقدِّم مزايا اقتصادية ونفوذاً دبلوماسياً إلى روسيا، مما يساعدها على ترسيخ نفسها باعتبارها قوةً عالمية.

ويمكن لهذه الصفقات أيضاً أن تُمكِّن روسيا من نشر قوات في البلاد التي تبيع إليها المنظومات العسكرية المُتطوِّرة، بل ويمكنها حتى التمادي لتأسيس قواعد عسكرية لها في مناطق مثل مصر والسودان ودول الخليج.

ويجادل الخبراء بأن المشاركة العسكرية الروسية مع عدد متزايد من البلاد في الشرق الأوسط يُتوقَّع أن يكون له آثار على حرية تنقل الولايات المتحدة براً وجواً وبحراً.

ونتج عن الثناء الذي أطلقه ترمب على نفسه أثناء الوقوف على منصة الأمم المتحدة حالةٌ من الضحك في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وختم الموقع الأميركي بالقول: «غير أن عجز ترمب الواضح في رؤية المحور الراسخ المكون من روسيا وشيعة إيران في الشرق الأوسط لا يبدو مضحكاً بأيِّ حال. فالخطأ الذي ارتكبه رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي قرَّر اعتماد سياسته الخارجية والدفاعية على شخص غير مسؤول ولا يتمتَّع بثقل سوف تنتهي بذرف الدموع».

The post صحيح أن ترمب أظهر دعماً كبيراً لإسرائيل في كلمته أمام دول العالم.. لكن لماذا على تل أبيب أن تقلق من خطابه؟ appeared first on عربي بوست — ArabicPost.net.

قد يعجبك ايضا

اترك رد