جدلية الصالح والطالح
نشرت صحيفة "كوميرسانت" مقالا كتبه رئيس تحرير مجلة "روسيا في السياسة العالمية" فيودور لوقيانوف، وتناول فيه مسألة محاربة النفوذ الأجنبي في روسيا.
كتب لوقيانوف:
أصبحت محاربة النفوذ الخارجي اتجاها سائدا في العالم. وتلعب الدور الرئيس فيه، كما هو مفترض، الدولة الأوسع نفوذا في العالم – الولايات المتحدة. فقد بلغت حملتها لاكتشاف "آثار روسية" توصل إلى دونالد ترامب، أبعادا لا سابق لها.
لكن ما يحدث مفيد للغاية. لذلك علينا نحن في روسيا أن ننظر كيف يبدو جنون العظمة، الذي انتشر بين النخبة السياسية. وكيف يبدو البحث عن الأعداء الخارجيين والمتعاونين معهم في الداخل. وإن تقاليدنا غنية بالأمثلة، التي هي ليست بكثافة الأمريكية، لكنها تشبهها بآليتها.
إذ إن روسيا لا تنأى جانبا عن هذا الاتجاه. فقد أعلن مجلس الاتحاد عن تشكيل لجنة مختصة لمواجهة التدخلات الخارجية في شؤون روسيا الداخلية. ولا يُخفي المبادرون أن الحافز لهذا هو الحملة الانتخابية، حيث تُبين تجربة دول الاتحاد السوفياتي السابق هشاشة نظمها السياسية السيادية.
وإن مسألة تقليص التأثير الخارجي ليست سخيفة. فأولا، منافسات الدول العظمى هي عامل أساس في العلاقات الدولية، والتأثير في الخصم بالوسائل كافة، بما فيها تلك التي تمس شؤونه الداخلية، هو ظاهرة طبيعية. وثانيا، تمحى الحدود بين المسائل الداخلية والخارجية، في ظل ما تمليه الاتصالات والشفافية الكاملة والترابط بينهما. وتصبح العوامل الخارجية من مكونات الحياة الداخلية، وتحاول جهة ما استخدامها لبلوغ أهدافها، حيث أن تأثير الوسط المحيط يتميز بطابعه العفوي.
ويمكن تقييم الجهود الأمريكية والروسية بشكل مختلف. بيد أن هناك فروقا يجب ألا ننساها. إذ إن أي "مطاردة للساحرات" مهما تضخمت في الولايات المتحدة، ومهما حاول الأمريكيون استخدام العوامل الخارجية لمعالجة مشكلاتهم الداخلية، فإن الولايات المتحدة لن تعزل نفسها. وذلك لأسباب موضوعية: الولايات المتحدة بلد مهيمن، وتكمن قدرتها في تنظيم العمليات العالمية واستخلاص فوائد لنفسها. كما أن الولايات المتحدة تسحب العقول والأموال وتعمل على تطويرها بنجاح، وحتى الانعزالي العنيد لا يمكنه نكران ذلك، والذي يمكنه أن يسعى مثل ترامب لتبديل القواعد لمصلحة أمريكا، بيد أن الانغلاق يقوض أسس التطور.
أما الوضع في روسيا فهو مختلف. فروسيا ليست مغناطيسا قويا، وتدخلاتها في العمليات العالمية تقتصر على المجالين العسكري والمواد الخام. أي إنه محدود. وإذا لم يتم وضع حدود للغرائز الوقائية، التي لا تعرف حدودا لها، فسوف تظهر الرغبة في العزلة، كما حدث في الماضي والاكتفاء الذاتي. ولكن اليوم لا يمكن حصول تطور فكري وتكنولوجي وبالتالي اجتماعي–اقتصادي من دون التعاون المتبادل مع العالم الخارجي. أي من غير الممكن الكشف عن الإمكانات في ظروف الانعزال. وإن مفهوم الاكتفاء الذاتي البدائي يؤدي إلى التدهور، وهذا بدوره يقوض الإجراءات الوقائية المتخذة؛ ما يؤدي إلى إضعاف الدولة وتأخرها وتحولها إلى هدف للتأثيرات الخارجية.
هذا، ويجب ألا ننسى أن روسيا خلافا للولايات المتحدة، ليس لديها حماية طبيعية، تضمن ألا يذهب الصالح بجريرة الطالح. ولذلك يجب إيلاء هذا الأمر اهتماما كبيرا
ترجمة وإعداد كامل توما