«باركور».. نساء مصريات يتحدين الأعراف الاجتماعية لمواجهة الظروف المحيطة
قفز من فوق أسوار، ودوران في الهواء، وشقلبة تحمل سمات من شقاوة الأطفال وتمرد الشباب، هذا هو حال عروض فريق باركور للنساء المصريات، لتدخل لعبة الباركور إلى مصر بعد أن انتشرت كالحمى في مختلف أنحاء العالم.
«الباركور غير حياتي»، بتلك الجملة وصفت ياسمين ما فعلته لعبة «الباركور» بها منذ ممارستها لها قبل أشهر قليلة، وتابعت «في السابق كنت ضعيفة البنية ووزني لا يتجاوز 45 كيلوغراماً، وكنت أتعرض للمعاكسات بشكل منتظم في الشارع وبالكاد أتفاعل مع ذلك لأنني سئمت».
ونشرت مؤسسة طومسون رويترز أول استطلاع دولي لآراء خبراء حول حظوظ النساء في المدن التي يزيد عدد سكانها عن 10 ملايين نسمة، وشمل البحث 19 دولة سُئل خبراء منها عن «مدى حماية النساء من العنف الجنسي، ومن العادات الثقافية المؤذية، ومدى وصولهن إلى مستوى جيد من العناية الصحية والتعليم والدخل».
وصنف التقرير القاهرة كأخطر مدينة على النساء، تلتها كراتشي الباكستانية، وكينشاسا في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ثم العاصمة الهندية نيودلهي، في حين صنفت لندن كأفضل المدن الكبرى بالنسبة للنساء.
تعزيز الثقة بالنفس
تخصص ياسمين، الفتاة العشرينية والموظفة في أحد بنوك القاهرة، معظم وقت فراغها لممارسة الباركور، بين التدريبات واختيار الأماكن للممارسة، وهذه وتيرة مكثفة تراها ضرورية لها.
وتوضح ياسمين استفادتها من هذه الرياضة من حيث إنها ساعدتها في القدرة على الرد على من يهاجمها أو يضايقها، وتقول: الآن أعرف مدى قدرتي على الرد على أي هجوم، وهذا يعطيني ثقة بالنفس. وفي مدينة مثل القاهرة حيث المضايقات في الشارع يومية، صرت أشعر بالقوة. فإذا حاول رجل أن يلمسني أو يسرقني، سأركض وأقوم بشقلبة أمامية، فلا يمكنه فعل أي شيء. الرجال لم يعتادوا على رؤيتنا نرد على مضايقاتهم. الباركور جعل المصريات يعدن إلى امتلاك حق الحضور في الشارع.
وفي منتزه خال في إحدى ضواحي العاصمة المصرية القاهرة، تتجمع 10 فتيات بصفة دورية للتدريب على رياضة «الباركور» ويقمن خلال التدريبات بالجري والقفز في الهواء وتخطي الحواجز والجدران في المنتزه، بهدف التركيز على تعزيز قوة الجسم وتطوير تقنيات جديدة للتعامل مع البيئة المحيطة.
تتدرب هؤلاء الفتيات بشكل مكثف منذ 6 أشهر في متنزه خال في القاهرة، بهدف تشكيل أول فريق محترف للاعبات الباركور في مصر، وتقول الفتيات إنهن بذلك يوجهن رسالة تحد للعادات الاجتماعية والتقاليد.
تقول ياسمين في حديثها لـ «عربي بوست» : «الرجال ذهلوا لرؤية بنات يتسلقن الجدران أو يقفزن بين المباني، وكان هناك الكثير من الفضوليين يتسلون بمشاهدتنا وتصويرنا، ولحسن حظي فعائلتي تدعمني، أما بقية البنات فلسن محظوظات مثلي. بعض معارفهن يقولون لهن إن مكانهن ليس في الشارع، وإنه لا يجدر بهن القفز والظهور بهذا الشكل. في مصر، يرى الناس أن الوجود في الشارع ليس من حق المرأة» .
شابة مصرية تمارس رياضة الباركور / مواقع التواصل الاجتماعي
ينبني الباركور على فكرة الانتقال من نقطة معينة إلى أخرى باستخدام قوتك البدنية وقدرتك على تطويع العقبات التي تقف أمامك، كالحوائط والسلالم والأعمدة، لتصبح داعمة لحركتك لا عائق لها، و»الباركور» هي كلمة فرنسيّة تعني المسار، وهي كلمة تلخص فلسفة هذه الرياضة أو الفن، والتي يكون على من يُمارسها أن يبحث خلال أجزاء من الثانية عن كيفيّة استكمال مساره، بحيث يُدخل عينيه وعقله وعضلات جسمه في تناغم تامّ من أجل تخطي العقبات، والتي تتضمن ممارسة العدو والتسلق والقفز والوثب بشكل أكروباتي حول المباني وفي المناطق الوعرة.
ويرجع الفضل في تأسيسها إلى الفرنسي «ديفيد بيل» الذي حاول خلال ثمانينيات القرن الماضي الاستفادة من تدريبات الجيش الفرنسي وإتقانه الشخصي لعدد من الرياضات القتاليّة والجمباز، فبدأ بدمج بعض الحركات وإضافة أخرى حتى وصل إلى فكرة الرياضة التي تعتمد على فلسفة «الهروب»، حيث قال «بيل» عن رياضته وكيفية فهم الأداء الصحيح لها إن على الفرد أن يشعر بأنه مطارد ولن يتمكن من المواجهة، ويجب عليه التصرّف بسرعة وحكمة وأن يستخدم كل ما لديه من قوة ومرونة ولياقة بدنيّة كي يهرب بعيداً.
انتشار رغم المضايقات
تواجه لاعبات الباركور في مصر تحدي ممارسة رياضتهن المفضلة في الأماكن العامة، تتذكر زينب هلال ضاحكة إحدى المرات التي كانوا يصورون فيها حركات في الشارع: «فجأة وجدنا حولنا تجمعات كثيرة وشتائم من كل جانب ويتساءلون بريبة عما نفعله، ولم يستوعبوا ما نفعله».
«هلال» الفتاة العشرينية والطالبة بجامعة القاهرة تقول لـ «عربي بوست»: «الناس مش واخدين على فكرة إن البنات تلعب رياضة الباركور في الشارع أو تلعب رياضة حتى بشكل عام، لسه الموضوع هياخد وقت أكتر إنه يتطور، وإنه ينتشر أكتر عشان الناس تعرفها».
تخرج «هلال» في موعد التدريب بحماس شديد بعد أن تخطت كل العقبات التى واجهتها سابقاً. وتقول: «بقيت بتغلب على خوفي بشكل أكبر، يعني أنا فاكرة أول مرة جيت ألعب فيها كنت خايفة أنط على الأرض، وأحط راسي على الأرض، وبدأت أتمرن بشكل أكبر، لقيت الموضوع ممتع وإني أقدر أتغلب على مخاوفي، وأقدر أتحدى وألعب ده أكبر متعة».
وبتوجيه من المدرب محمد عمران، تتدرب النساء بعزم على تسلق العقبات والهبوط من القفزات بشكل صحيح، ورؤية الفرص في تخطي العقبات في المباني المحيطة بهن. وأكد «عمران» أن الباركور بدأت فعلاً في الانتشار في مصر.
وأضاف المدرب وهو عضو في فريق «باركور إيجيبت» الذي بدأ بعدد قليل من اللاعبين وأصبح الآن يُدرب المئات في أنحاء مصر، فى حديثه لـ «عربي بوست» أن «النساء يتدربن الآن وبدأ المزيد منهن في التقدم للتدريبات»، مؤكداً أنه مع انتشار الرياضة ازداد تقبل الناس لفكرة ممارسة السيدات لهذه الرياضة، ولذا فمن الطبيعي أن يكون لدى النساء فريق ليتدربن.
ويمارس الرجال الباركور في مصر، لكن الرياضة مُهمَلة ولا يوجد لها هيئة تنظيمية. وقد نمت باركور مصر، وهي مجموعة تضم رجالاً ونساء ممارسين للعبة، بشكل كبير، بعد أن كانت بدايتها بعدد صغير من اللاعبين.
وعما واجهته من انتقادات، قالت أسماء وهي لاعبة في المجموعة: «إن المجتمع في البداية لم يتقبلنا ولم يتقبل ما نفعله لأنهم لم يتعودوا على رؤية الفتيات بهذا الشكل وبتلك الممارسات، فثقافة تقبل الأشياء المختلفة غير منتشرة في مصر، وغالباً ما تقابلنا كلمة «ممنوع»، لتصبح الأماكن العامة المتاحة أمامنا محدودة، مشيرة إلى أنها تعتقد أن الأمر مسألة وقت فقط حتى يعتاد الناس عليه».
وأضافت «أسماء» فى حديثها لـ «عربي بوست»: عندما ألعب الباركور أشعر وكأن لدي طاقة لا تنفد، ورغبة مستمرة في الحركة والقفز هنا وهناك، فضلاً عن أنها مكنتني من التغلب على مخاوفي وتشجيعي على القيام بما أريد.
The post «باركور».. نساء مصريات يتحدين الأعراف الاجتماعية لمواجهة الظروف المحيطة appeared first on عربي بوست — ArabicPost.net.