المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في المغرب يمنح جائزته لـ”فاطمة تبعمرانت”

0

يمنح المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية كل سنة جائزة الثقافة الأمازيغية، طبقا للظهير المحدث له، وفي مناسبة ذكرى تأسيسه، التي يتم فيها الاحتفال بذكرى خطاب أجدير، الذي وجهه الملك محمد السادس نصره الله، يوم 17 أكتوبر 2001، إلى جميع مكونات المجتمع المغربي.
وتهدف الجائزة إلى النهوض بالثقافة الأمازيغية وحمايتها وتطويرها في مختلف تجلياتها عبر تشجيع مبدعيها وفنانيها ومفكريها وباحثيها. وتتضمن جائزة الثقافة الأمازيغية، إضافة إلى الجائزة التقديرية الكبرى، أكثر من عشر جوائز تخصّ الأدب والبحث العلمي والتعليم والإعلام والأغنية التقليدية والأغنية العصرية والفيلم والمسرح والمخطوط والرقص الجماعي والتكنولوجيا الحديثة.
وفي هذه السنة حصلت أيقونة الفن الأمازيغي الفنانة فاطمة تبعمرانت على الجائزة التقديرية، التي منحها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية اعترافا وتكريما لهذه الفنانة المتألقة نظرا لمجهوداتها المستمرة في سبيل إشعاع الأغنية الأمازيغية الراقية.
والفنانة تبعمرانت اسمها الحقيقي شاهو فاطمة بنت محمد الإفرانية، من مواليد 1962 بمنطقة لاخصاص بالأطلس الصغير، عاشت يتيمة الأم منذ صغرها، فتربت على يد خالتها بقرية إيد وعزيز، ناحية لاخصاص، وانعكس يتمها على عطائها، فكانت أولى أغانيها عن معاناة اليتامى، فهي ترى في الغناء تعبيرا عن معاناة دفينة.
كما بدأت فاطمة تبعمرانت تجربة نظم الشعر مع كبار الشعراء، منهم الرايس سعيد شتوك، وأخذت عن الشعر الكلاسيكي كالحاج بلعيد و واهروش. كتبت أول قصيدة شعرية وعمرها بين 13 و14 سنة، وكانت آنذاك معجبة جدا برواد الأغنية الأمازيغية، الذين أبدعوا في الفن الملتزم كالحاج بلعيد، وبوبكر أنشاد، والحاج محمد ألبنسير. ومن بين الفنانين الكبار الأمازيغيين الذين كانت معجبة بهم وتأثرت بأغانيهم المرحوم عموري مبارك، كما قلدت أغاني الرايسة تحيحيت مقورن والرايسة رقية الدمسيرية.
الشهرة التي تتمتع بها اليوم لم تأت من فراغ، بل هي ثمار جهد جهيد ومتواصل، عاشت خلاله لحظات فرح كثيرة، ومثيلاتها من الحزن والأسى. عصامية في كل شيء. الشعر والغناء بالسليقة مكونان أساسيان ساهما في بناء حياتها.
تحدَّت اليتم والأمية لترقى بالأغنية الأمازيغية إلى مستوى عال من خلال مساهمتها في إنجاز أكثر من 200 أغنية، مما جعلها أول فنانة أمازيغية تغني على خشبة الأوبرا بباريس.
وتعد التجربة التي راكمتها الرايسة فاطمة تبعمرانت أحد أهم العوامل التي ساهمت في صقل موهبتها، فقد دخلت عالم الفن رفقة فرقة الرايس جامع الحميدي سنة 1983، وقد بقيت برفقتها فترة قصيرة، قبل أن تلتحق بفرقة الرايس سعيد أشتوك، إلا أنها مكثت كثيرا لدى فرقة الرايس محمد بلفقيه التي انضمت إليها سنة 1984، وفي أواخر نفس السنة سجلت محاولة مع مولاي محمد بلفقيه، وتطور التعاون بينهما، فسجلا معا ما يناهز 11 أغنية. وبعد ذلك تمكنت من إنجاز أول شريط لها، قبل أن تلتحق سنة 1988 بمدرسة الحاج محمد الدمسيري الذي استفادت منه الكثير.
لقد أثبتت فاطمة تبعمرانت في أكثر من مناسبة أنها نموذج للمرأة المكافحة، واضعة الشعر كتاج للوقار على رأسها. كما يتميز شعرها (أماركَ) بكونه ملتزما، حيث قدمت أغاني تناولت تيمات متعددة، من بينها ما هو مرتبط بالجانب الهوياتي، إذ لا يخلو أي من أشرطتها من قصيدة تتناول هذا الموضوع، ولعل ذلك ما استمدته في جانب كبير منه من التزام الرايس الحاج محمد الدمسيري (توفي سنة 1989)، إذ غنت للأم واللغة والثقافة والأرض والطبيعة والجمال.
في سنة 1991 أسست تبعمرانت مجموعتها، التي كانت تضم مجموعة من تلامذتها في الفن مثل فاطيم تايسارت وئجا تحيحيت، حيث استقلت بنفسها حاملة تجربة ثقيلة غذتها روح الموهبة الفذة لتتفجر ينابيع روت عطشها وأغدقت بسخاء على كل متعطش للفن الأصيل، فكانت أول امرأة أمازيغية كسرت حدودا خطها الرجال في ميدان “تنظامت” لتختار المشي على نهج الكبار وتستقي شعرها، الذي كانت تنظمه وتؤديه بحب وإحساس عميقين، من أساتذة الشعر الأصيل كالشاعر أحمد بيزمان والشاعر أحمد أوباكريم. لقد خلقت فاطمة لنفسها مسارا خاصا بها وراحت تحصد النجاح والشهرة، وحققت مبيعاتها أرقاما خيالية آنذاك.
لقد فاح عطر نجمة سوس وعمّ عبيرها مدنا عديدة داخل الوطن ليحمله الأثير بعيدا إلى بقاع أخرى من العالم، حيث قامت بإحياء سهرات فنية في كل من أوربا وأمريكا، حيث جاب عطر نجمة سوس ميلانو الإيطالية وباريس وأمستردام وأوتريخت وبروكسيل. وكانت أشهر الحفلات تلك التي أحيتها في معهد العالم العربي بباريس سنة 1997، وببلجيكا كذلك سنة 1999، وفي 30 مارس 2002 شاركت في مهرجان “صوت النساء الدولي” ببروكسيل. كما غنت بأوبرا كارنيي بباريس يوم 17 يوليوز 1994، وغنت ببلاص دومارشي بباريس في إطار مهرجان “أطان إيمازيغن” ما بين 13 و17 يوليوز 1994، وكذا بسات قرب مارسيليا، وأيضا بإيطاليا. وكانت ضمن الفنانات، اللواتي شاركن في إطار فعاليات مهرجان “إزلان” مع مجموعة من الفنانين الأمازيغ، فنانات الأطلس المتوسط، في الفترة ما بين 27 نونبر و5 دجنبر 2009 بمتحف برانلي بباريس.
وقد نوهت بأعمالها الفنية صحيفة “الغارديان” البريطانية، على اعتبار أن موسيقى وأغاني هذه الفنانة التقليدية تعالج عدة مواضيع ذات طابع محلي اجتماعي وأحيانا دولي، مشيرة إلى أن هذه الفنانة المتألقة تتميز بأسلوبها وقدرتها على الارتجال، مما يجعلها من طينة كبار مغني البلوز والروك. وأضافت “الغارديان” أن هذه السيدة تستحق أن يستمع إليها جمهور واسع.
وقد تم تكريمها في مهرجان فاس سنة 2006. كما سبق لها أن حصلت على الرباب الفضي بمدينة تيزنيت، وهو يعد أهم جوائز الروايس. كما حصلت على جائزة الحاج بلعيد في 20 يونيو سنة 2004، وتعد هاته الجائزة أهم الجوائز التي خصصت للروايس.
وقد ساهم اشتغالها مع الجمعيات الأمازيغية واحتكاكها بالعديد من الفعاليات الثقافية والفنية في بناء تكوينها، حيث انخرطت في العمل الجمعوي والنقابي. وقد أعلنت جمعية “تامسنا للثقافة والتنمية” بالدار البيضاء سنة 2006 عن تنظيم المسابقة الأولى التي كانت تحمل اسمها حول تيمات متعددة من قبيل الفن التشكيلي والأنشودة الأمازيغية بالنسبة إلى الصغار، إضافة إلى القصة القصيرة والشعر والترجمة.
وأهم ما يميز الفنانة تبعمرانت عن باقي الفنانات الأمازيغيات مزجها بين كتابة الكلمات والغناء والبحث في التراث الأمازيغي. كما تتميز أغانيها بالتنوع في مضامينها، والاهتمام بالمعيش اليومي للمرأة المغربية عامة، والأمازيغية على الخصوص.
وللإشارة، فقد صدر كتاب “أماركَـ ن فاطمة تبعمرانت” (شعر فاطمة تبعمرانت) جمعه الحسين بن إحيا كويجان، وهو من منشورات “الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي”.
دافعت صاحبة الرباب الفضي الفنانة تبعمرانت عن القضية الأمازيغية باستماتة في أغانيها الملتزمة، الشيء الذي جعلها تتبوأ مكانة متميزة داخل أوساط الحركة الأمازيغية. وقد حظيت باستقبال ملكي ومنحت لها بطاقة الفنان اعترافا بمجهوداتها الفنية. بالإضافة إلى حضورها في الساحة الفنية المغربية، وحضورها المؤسساتي في الدفاع عن الثقافة الأمازيغية من خلال عضويتها بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (عضو بمجلس إدارة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية منذ سنة
 

اترك رد