الحزبوسلامي بين الحرص على استغلال المناخ الديمقراطي، والانشداد إلى تأبيد الاستبداد… !!!…..15
بقلم محمد الحنفي
علاقة تكوين الحزبوسلامي بتنظيم الهجوم على اليسار:…..1
والحزبوسلامي الذي رأينا أنه يصر على مصلحة المنتمين إليه، الذين يؤدلجون الدين الإسلامي، ويوظفون تلك الأدلجة من أجل التسلق الطبقي، نجد أنه بنى إستراتيجية تكونه، وتكوينه على أساس محاربة اليسار، إرضاء للرأسمالية العالمية، التي قامت، ومنذ ظهور بوادر تكون الحزبوسلامي، بتقديم الدعم اللازم، واللا مشروط للحزبوسلامي، نظرا للدور الذي كان منتظرا منه أن يلعبه، وقد لعبه، فعلا، لصالح اليمين، نظرا لنفاذ خطابه في صفوف المسلمين، الذين يتشكل أغلبهم من الأميين، والفقراء ( 60% أميون في المغرب كمثال، وأكثر من 80 % من المغاربة فقراء).
فما هو اليسار الذي يحاربه اليمين المتطرف، أو الحزبوسلامي؟
وما هو الدور الذي يقوم به اليسار حتى يلفت انتباه اليمين المتطرف، فيقرر محاربته؟
وما هو الفرق بين اليسار، واليسار المتطرف؟
إن مفهوم اليسار، لا يعني إلا التنظيم الذي يقود نضالات الطبقة العاملة، باعتبارها هي الطبقة المنتجة، والمشغلة لوسائل الإنتاج، والعاملة على إنتاج المزيد من فائض القيمة، التي تقف وراء مضاعفات أرباح البورجوازية التابعة، والبورجوازية، ووراء التراكم الرأسمال المحلي العالمي، ووراء استنبات، ونمو الشركات العابرة للقارات، دون أن تستفيد هي من وراء ذلك الإنتاج الضخم، والهائل، إلا القهر، والفقر، والمرض، والتوقيف، والطرد.
ولذلك، كان لا بد من وجود تنظيم يقود نضالات هذه الطبقة، وينظمها، من أجل تحسين أوضاعها المادية، والمعنوية، في أفق القضاء النهائي، والمبرم، على كل أشكال الاستغلال، بالقضاء على كل أشكال الاستغلال الرأسمالي، بتحويل ملكية وسائل الإنتاج الفردية، إلى ملكية جماعية.
ولذلك فاليسار هو كل ما ناقض اليمين، فإذا كان التنظيم اليميني يسعى إلى تركيز الثروات في يد قلة قليلة من المجتمع، تختلف حسب أنماط الإنتاج. فهي في المجتمع العبودي تشكلت من الأسياد، وفي المجتمع الإقطاعي تتشكل من الإقطاعيين، وفي المجتمع الرأسمالي تتشكل من البورجوازية، وفي المجتمع الرأسمالي التبعي تتشكل من البورجوازية التابعة، وفي النظام “الاشتراكي” الستاليني، تتشكل من القائد الحزبي، ومن يدور في فلكه من الحزبيين، فإن التنظيم اليساري يسعى إلى تنظيم قطاعات عريضة من المجتمع: العمال، والفلاحين الصغار، والمعدمين، والتجار الصغار، والحرفيين، والعاطلين، والمثقفين الثوريين، وكل من اختار الانحياز إلى جانب الجماهير الشعبية الكادحة من البورجوازيين الصغار، والمتوسطين، ما داموا لا يمارسون القهر على الجماهير الشعبية الكادحة.
والتناقض قائم بين اليمين، واليسار، بحسب موقع المنتمين إلى اليمين، أو إلى اليسار، حسب احتلال مواقع الإنتاج، أو حسب الاقتناع بإيديولوجية اليمين، أو بإيديولوجية اليسار. ويتجسد هذا التناقض في الأهداف المرحلية، التي يسعى كل تنظيم إلى تحقيقه، كما يتجسد في الأهداف الإستراتيجية، ويعتبر التناقض القائم بين اليمين، واليسار، أساس للصراع القائم بينهما، وهذا الصراع يتخذ مستويات متعددة، يمكن تصنيفها في الصراع الاقتصادي، الذي تقوده النقابات التقدمية، بهدف تحسين الأوضاع المادية، والمعنوية للطبقة العاملة، وسائر المأجورين، وباقي الجماهير الشعبية الكادحة، والصراع الاجتماعي الذي يستهدف استفادة الكادحين من التعليم، والصحة، والسكن، والشغل، وكل الخدمات الاجتماعية، والصراع الثقافي الهادف إلى رفع المستوى الثقافي الذاتي، والجماعي، في المجتمع بصفة عامة، وفي المؤسسات الإنتاجية بصفة خاصة، والصراع السياسي الهادف إلى وصول الكادحين إلى مراكز القرار، وإلى امتلاك السلطة لفرض إرادة العمال والمأجورين، والفلاحين، والمثقفين الثوريين، وسائر الكادحين، في الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، وإقامة مجتمع حر، وديمقراطي، وعادل.
ويتخذ الصراع، في مستوياته المختلفة، نوعين من الصراع:
فهو مرحلة معينة صراع ديمقراطي، يهدف إلى تحقيق مطالب الكادحين بالطرق الديمقراطية، بمضمونها الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، عن طريق ضمان احترام الحريات العامة: النقابية، والسياسية، واحترام تمتع الجميع بالحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وملاءمة القوانين المحلية مع المواثيق الدولية. وهذا النوع من الصراع يقتضي اقتناع جميع الطبقات، في جميع الأحزاب، بضرورة احترام الممارسة الديمقراطية في أبعادها المختلفة، والقبول بنتائج تلك الممارسة، مهما كانت، ما دامت تخدم مصلحة الجميع، ومساهمته في الاختيار الحر، والنزيه، لكل ما يمارس في المجتمع.
وقد يتطور الصراع، في حالة استحالة ممارسة الصراع الديمقراطي، إلى الصراع تناحري بين اليمين، واليسار، القائم على أساس قيام الطرف القوي بإقصاء الطرف الضعيف، بواسطة استخدام القوة القائمة، إما على امتلاك سلطة الدولة، أو على امتلاك سلطة الكادحين، أو هما معا، في مرحلة معينة، للقضاء النهائي إما على اليمين وجعل ملكية وسائل الإنتاج في يد المجتمع ككل، وإما اليسار لفرض بقاء تلك الملكية في يد الأفراد، أو الشركات التي يساهم فيها الأفراد، أو لفرض تحويل الملكية الجماعية إلى ملكية للأفراد والشركات.
وبذلك نصل إلى أن مفهوم اليسار يقتضى إقامة تنظيم يؤطر العمال، والفلاحين، وباقي الكادحين، والمثقفين الثوريين، وقيادة نضالاتهم المختلفة: المرحلية، والإستراتيجية، في مواجهة اليمين المستبد بكل شيء، الذي يقف وراء حرمان الكادحين من كل شيء، بعيدا عن المغامرة، والتطرف، وسعيا إلى إقامة مجتمع متقدم، ومتطور باستمرار، ومستوعبة لمختلف المستجدات في جميع المجالات، وحرصا على ضمان احترام كرامة الإنسان، التي لا بد منها، من أجل توفير شروط ذلك الاحترام.
ويعتبر حضور اليسار الحجر الأساس في وجود نضال ديمقراطي حقيقي، يهدف إلى جعل ميزان القوى لصالح الجماهير الشعبية الكادحة؛ لأن اليسار، واليسار وحده، هو الكفيل بإيجاد فهم صحيح للممارسة الديمقراطية، وهو وحده القادر على وضع برنامج صحيح للنضال الديمقراطي الحقيقي، وهذا الفهم يختلف عن:
1) فهم الطبقة الإقطاعية التي تمارس الاستبداد، عندما تتمكن من السيطرة على أجهزة الدولة، وتوظيف كل إمكانيات المجتمع لخدمة مصالح الطبقة الإقطاعية، التي تقوم على مصادرة الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وعلى وهم ملكيتها للأرض، ومن يعيش عليها، وقدرتها على التصرف في رقاب البشر، اعتقادا منها أنها تنوب عن الله في الأرض، تفعل بها ما تشاء، وتعتقد أنها تغير كل شيء باسم الله، وباسم الدين الإسلامي، وتتوهم أن فعلها لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، وترى أنها فوق كل الطبقات، وتسخر في سبيل سيادتها، وتكريس سيطرتها، كلا من المتزلفين، والمتفيهقين، ومن يطلق عليهم: “علماء الدين الإسلامي”، الذين يسكنون بين بطون الكتب الصفراء، من أجل إعداد المقولات”الفقهية”، التي تكرس سلطة الإقطاع، وتشرعن سيطرته، على أرزاق رقاب المواطنين البسطاء، الذين لا حول لهم، ولا قوة، والذين يستبيح الإقطاع ممتلكاتهم، ويسخرهم بالقوة لخدمته، ويسمون كل ذلك إسلاما، وهو في عمقه لا يقوم إلا باستباحة الإسلام من قبل سلطة الإقطاع، كما يستبيح المعرفة، والبشر، والأرض، التي يعيش عليها البشر.
2) فهم طبقة البورجوازية التابعة، التي تستعير عقلية الإقطاع، وإيديولوجيته إلى جانب استعارة الإيديولوجية البورجوازية الغربية، والتوفيق بينهما، والعمل على إنتاج إيديولوجية معينة، تناسب طبيعة البورجوازية التابعة، باعتبارها بورجوازية لقيطة، لا أصل لها، ولا فصل، توظف كل شيء لخدمة مصالحها، ومصالح المؤسسات المالية الدولية، وتبالغ في الاستهلاك، وتهريب مدخراتها إلى الأبناك الخارجية. وارتباطها بالوطن رهين بما تستفيده من خيرات، عن طريق استغلال الأرض، والسماء، وما بينهما، إلى جانب استغلال أعالي البحار، وتراهن على إغراق البلاد في الديون الخارجية، والداخلية، وتقدم لها جميع الامتيازات المتمثلة في رخص النقل، والصيد في أعالي البحار، والتصدير، والاستيراد، والتوزيع، واستغلال مقالع الرمال، والشواطئ، وإقامة المركبات السياحية، إلى جانب تمكينها من قروض تكوين شركات البناء، والأسواق التجارية، وغير ذلك، ولتلميع نفسها أمام الشعب، وأمام الرأي العام الدولي، تقيم هامشا تسميه بـ “الديمقراطية”، يأتي في إطاره الدستور الممنوح، وانتخاب المؤسسات المحلية، والجهوية، والوطنية، من أجل تخدير بسطاء المواطنين من جهة، وجلب المزيد من القروض من جهة أخرى، وإقناع المستثمرين الأجانب بالاستثمار في الداخل. وفي جميع الحالات فالبورجوازية التابعة تزيد أرباحها، وبالتالي، ففهمها للديمقراطية لا يتجاوز حدود تمكينها من توظيف كل شيء لصالحها. أما عمق الممارسة، فهي لا تختلف عن الإقطاع إلا في ازدواجية العقلية التي لا تتورع عن توظيف الدين الإسلامي لمصلحتها، وتسخر لهذا الغرض نفس جحافل “العلماء” المتزلفين، والمتفيهقين، الذين يقولون النص الديني ما لم يقله، ويجعلون أبا هريرة يروي ما لم يروه من أحاديث لا علاقة لها بالرسول ص، ولا بالدين الإسلامي، إلا من باب جعل الدين الإسلامي في خدمة الطبقة البورجوازية التابعة.
3) فهم البورجوازية التي يمكن وصفها ب”الوطنية”، لحرصها على توظيف ثرواتها في حدود الوطن.
وهذا النوع من البورجوازية، يميل إلى الأخذ بالإيديولوجية الليبرالية، التي تقف وراء القول بضرورة ممارسة الديمقراطية، بمفهومها الليبرالي، الذي يسمح بالتمتع بمجموعة من الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، في الحدود التي تسمح بنمو الثروة البورجوازية، والاعتقاد بأنها هي المؤهلة لإيجاد الحلول الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.
والواقع، أن هذا الصنف من البورجوازية، لا يستطيع الصمود أمام هجمة البورجوازية التابعة، المدعومة بالرأسمال الأجنبي، فتموت، أو تتحول إلى بورجوازية تابعة، أو تنتحر، لتلتحق إما بالبورجوازية الصغرى، أو بالطبقة العاملة على المستوى الإيديولوجي. وبالتالي فإن البورجوازية الوطنية لا تتوفر لها شروط الثبات والاستقرار والنمو السليم، وما يترتب عن ذلك هو تحول الممارسة الديمقراطية والإيديولوجية الذي تعرفه.
4) فهم البورجوازية الصغرى للديمقراطية، التي تأخذ من كل فن طرفا. فهي توفيقية / تلفيقية، كما يظهر ذلك في إيديولوجيتها، وفي مواقفها السياسية. فهي تأخذ من فهم الإقطاع ما يناسبها، ومن البورجوازية التابعة ما يعضد موقفها، ومن البورجوازية ما يجعلها تتوهم أنها تقترب من تحقيق تطلعاتها، ومن الطبقة العاملة ما يوهمها بكون البورجوازية الصغرى قادرة على إيجاد الحلول لجميع مشاكل الكادحين.
والواقع، أن فهم البورجوازية الصغرى للديمقراطية يراوح مكانه. ولذلك فهي مجرد تضليل للشعب، ولسائر الكادحين، وللطبقة الحاكمة أيضا، لكونها توهم الجميع، بما يفيد الجميع. وقد تتحول البورجوازية الصغرى بقدرة قادر إلى أدلجة الدين الإسلامي، وتدعى أنها حامية للإسلام، والمسلمين من الكوارث التي قد تصيبهم.
5) فهم المنتمين إلى الحزبسلامي، الذي لا يومنون بالديمقراطية، ولا حتى بالهامش الديمقراطي؛ لأنهم يعتبرونها مستوردة من الغرب. ولذلك فهي بدعة تقوم بممارستها أحزاب “الشيطان”، و”كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار”. وهم لا يقبلون بممارستها إلا حين يكون ذلك يخدم تقليص مدة الوصول إلى مراكز القرار، وإلى امتلاك سلطة تنفيذ القرار، ليتحولوا بعد ذلك إلى مستبدين بالمجتمع، ليفرضوا ما يسمونه ب”تطبيق الشريعة الإسلامية”.
6) ولذلك فالجهة الوحيدة المؤهلة، تاريخيا، للنضال من أجل الديمقراطية الحقيقية، الآتية من الشعب، وإلى الشعب، هي الجهة المؤهلة لتكريس تلك الممارسة الديمقراطية على جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، في حالة وصولها إلى مراكز القرار، وتنفيذ ذلك القرار.
وهذه الجهة هي اليسار الحقيقي الذي لا يمكن إلا ان يكون تقدميا، وينبذ كل أشكال الإقصاء المادي، والمعنوي، ويسعى بممارسته إلى احترام إرادة الشعب، ويناضل في هذا الاتجاه، من أجل أن يتمتع الشعب بحقوقه الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وأن يختار بكامل حريته ممثليه في مختلف المؤسسات المحلية، والوطنية، وأن يسعى إلى أن تكون سيادته على نفسه مضمونة دستوريا، وأن يسعى إلى أن يكون الاقتصاد الوطني في خدمة جميع المواطنين، عن طريق التوزيع العادل للثروة.