الإرهاب لن يوقف الإرهابيين
نشرت صحيفة "إيزفيستيا" مقالا للمحلل السياسي نيكيتا ميندكوفيتش، تحدث فيه عن خبرة روسيا في محاربة الإرهاب؛ مشيرا إلى أنها أكثر فعالية من خبرة إسرائيل.
كتب ميندكوفيتش:
Sputnik Александр Натрускин نيكيتا ميندكيفيتش
أودى الانفجار في مانشستر بحياة 22 شخصا، والعملية الإرهابية في لندن بحياة ستة أشخاص. وهنا يطرح السؤال نفسه – لماذا لا نتمكن من وقف موجة العنف؟ يبدو أن الإجراءات المتخذة لمحاربة الإرهاب غير كافية، لذلك علينا التفكير بـ "دواء جذري". وهنا عادة يذكِّرون بالخبرة الإسرائيلية: تدمير منازل الإرهابيين، طرد عوائلهم، رفض تسليم جثثهم إلى أقربائهم لدفنهم. كل هذا من أجل إخافة الإرهابيين، ولكن دون جدوى. فالإرهاب ضد الإرهابيين لا ينقذ إسرائيل من هجمات جديدة.
وتكمن المشكلة في أن الإرهاب المعاصر منظم وحرفي. لذلك، فإن أي "تدابير قاسية" لن تتمكن من تدميره. فاضطهاد أسر الإرهابيين الذي يدعو إليه الكثيرون لا يمكن تحقيقه عادة؛ لأن الإرهابي قد يغادر وطنه لتنفيذ عملية إرهابية، ويعبر حدود العديد من الدول من أجل ذلك.
وهذه الإجراءات لا تخيف الإرهابي. فغالبا ما تكون له حساباته الخاصة المضللة أو كراهيته العشوائية. وغالبية الإرهابيين، الذين يقاتلون في صفوف "داعش" بسوريا، وبخاصة الانتحاريين، ينضمون إلى الإرهاب تحت تأثير سوء الحظ وخيبة الأمل بالأسرة والمجتمع والوسط المحيط.
وتبين نتائج تحليل حياة المسلحين، القادمين من آسيا الوسطى إلى النقاط الساخنة، بأن ثلث الحالات كانت بسبب مأساة شخصية أو زواج فاشل أو نزاع مع الأهل أو خيبة أمل في مستقبلهم. والكثيرون يعدُّون انضمامهم إلى الإرهابيين شكلا من أشكال الانتحار على خلفية حياتهم التقليدية التي لم تعد لهم رغبة فيها.
بيد أن الإرهابي المحترف، الذي ليس مستعدا للموت القريب، يعلم بجميع المخاطر التي تهدده وتهدد أقربائه، ومع ذلك يختار النشاط الإرهابي. وهو يقارن بين الفوائد والمخاطر، ويراعي الحذر ويأمل بالبقاء على قيد الحياة وتجنب العقاب، كما يفعل أي مجرم محترف. الإرهابي المحترف، قاتل وتاجر مخدرات ويعتقد أنه أكثر ذكاء ودهاء، أو يعتمد على "لعل" ويتجاهل المخاطر على أمل مزايا مستقبلية.
الإرهاب ضد الإرهابيين لا فائدة منه؛ لأن في أي نشاط منظم هناك عامل الإنسان الذي تنخفض رغباته ومخاوفه باستمرار. المافيا أو المجموعة الإرهابية في عصرنا يمكنها دائما العثور على أشخاص حاقدين أو يائسين للقيام بعمليات القتل أو إرهاب.
وإن سبب العمليات الإرهابية ليس في المآسي الشخصية وخيبة الأمل، بل في البنى المتطرفة التي تسيطر على مساحات واسعة في أفغانستان وسوريا والعراق، وبحوزتهم مستودعات الأسلحة والأموال التي يحصلون عليها عن طريق الابتزاز وتجارة النفط والمخدرات. أي أن من السهل العثور على شخص في مثل هذه الظروف لا يقدر حياته وحياة الآخرين.
وبالطبع يجب اعتقال أي إرهابي أو القضاء عليه. ولكن من الضروري معرفة أسباب وكيفية انضمامه إلى المجموعة الإرهابية، وذلك من أجل إنقاذ الآخرين.
ولكن للقضاء على الإرهاب أو تقليصه كظاهرة لا بد من تدابير أخرى مثل حجب قنوات الدعاية المتطرفة، ومكافحة تمويل المجموعات الإرهابية. والأهم من هذا، استعادة الأراضي والموارد التي يسيطر عليها الإرهابيون في سوريا والعراق وأفغانستان وباكستان، لمنعهم من التحضير لجرائم جديدة. كما يجب إعادة البناء الاقتصادي في المناطق المحررة وتشغيل المؤسسات الحكومية لتعود الحياة إلى مجراها الطبيعي.
لقد مرت روسيا في بداية القرن الحالي بفترة إغراءات "التدابير الصارمة" لمواجهة الإرهاب في شمال القوقاز. وظهرت دعوات إلى ترحيل الناس والتمييز العرقي وعزل كيانات بكاملها. ولكن بدلا من هذا بذلت الجهود لإنعاش مؤسسات الدولة والاقتصاد، وبقي المجتمع ضمن إطار القانون والدستور. وبفضل ذلك انخفض مستوى العنف وتم القضاء على مجموعات إرهابية كبيرة، وعادت الحياة إلى مسارها الطبيعي.
والمهم هنا الخبرة الإيجابية الكبيرة التي يجب ألا تغيب عن البال، والتي تراكمت في محاربة الإرهاب.
الكاتب نيكيتا ميندكوفيتش – رئيس النادي الأوراسي للتحليل، خبير مركز دراسات أفغانستان المعاصرة.
ترجمة واعداد كامل توما