أسئلة الحوار الثقافي
مراد يوسفي/ كاتب مغربي.
لا زالت تقاليب الأسئلة، حول موضوع الحوار الثقافي قائم إلى اليوم، ومن أبرز ما يثيره النقاش العام، وقضايا التقارب بين الشعوب، من خلال التنوع والتعدد، دفعا لدائرة الانسداد الأفقي والعمودي، ولعل ما يشهده الرأي الدولي، من تضافر جهود الترجمات، لمختلف الأعمال التي من شأنها أن تسم الثقافة بميسم التأصيل كوجهة تشير إلى الوجه الحضاري والعمراني لكل بلد في العالم، جديرة بالتأمل والاستدراك.
إن الحوار يشكل خطابا في ذاته ولذاته، كنتاج لثقافة تحكمها اللغة والدين والبيئة التي تهيئ الأرضية الواسعة لها. ولعل الأصوات الثقافية والفكرية المشتغلة باستمرار، عبر كل المنابر المتاحة إعلاميا و ثقافيا، تتلخص فيها الذاكرة والإنتاج لثقافة الوعي بالمسألة، وتجذيرا لمعنى فلسفة الحوار، التي تحدد منحى الثقافة بين الانفتاح والانغلاق من جهة.
لكن السؤال المطروح، هو أين تتموضع ثقافتنا بين الثقافات الأخرى؟ هل تحددها سياسات العلاقات الدولية والدبلوماسية، ومن خلال مراكزها الثقافية في كل من الدول الشقيقة والأخرى المجاورة بصداقاتها ؟ هل مثقفي المغرب يسهمون في تعبيد الطريق، لتتضح الصورة الثقافية تجاه الآخر/ الثقافات، أو الحضارات الموالية في توازيها وتقاطعها، طبقا لمرسوم المصير القومي، ترسيخا للهوية والمرجعية التاريخية والدينية، المؤسسة لها؟ أم أن الثقافة نتاج لعمل اليد الصادرة من فعل العقل البشري في ظرفية بيئية ما ؟ هل يمكن أن نفترض سؤال المعرفة والقيم، تسهم في رفع أركان الثقافة من خلال بنية الحوار كآلية تعتمد الحجاج المنهجي إن لم نقل مناظرة فكرية اختصت في موضوع الحوار الثقافي ؟
لازلنا حبيسي التفكير للإجابة عن أسئلة، تدعوا إلى العمق والبحث عن المعنى أو الجدوى إن صح التعبير. الحوار الثقافي أسئلة من ذاتها صدا لفقر الدم من حيث المعنى، وكسب الدلالة، ارتباطا بالواقع العام الذي يشكل رغبة في حياة الانسان بموضوعية، ليعيش معنى السؤال/ الأسئلة وربما جدلية الحوار، قبل الثقافة والإبحار في مفهومه على مستوى اللغة والاصطلاح، كون الأول- الحوار- له السبق في التأسيس وإدراج الوعي الى مستوى حدود أسوار الثقافة.
جدل السبق بين الحوار والثقافة:
لازالت الإشكالية مطروحة على أرض الواقع، عن أيهما أسبق الحوار أم الثقافة، ثمة غموض في الهوة التي تفصل بينهما: الحوار والثقافة، وبما أن الحوار سلوك إنساني ناتج عن تفكير ولغة تواصل، لبناء التفاهم وتسريح المعاملات بشكل منظم، وخالية من أية تعقيدات على المستوى اليومي في كل مجالات الحياة العامة، فالإنسان وحده من تفرد بهذا الفعل لكونه يتوفر على أداة لسانية كخاصية بشرية، فإنه من جهة أخرى، يتميز بالعقل كطاقة محركة للفكر، مما يخلق تماسا بين اللغة والفكر، فالنظريات الفلسفية تطرح هذه العلاقات بناء على معطيات تنبني على الحجاج…
هذا في مقابل الثقافة بشكل عام، تحيل إلى سلوك الإنسان الذي ينتج كل أشكال الصناعات، والإبداعات المختلفة التي تحدد أنماط عيشه، لكن بداية الثقافة، تاريخ وجغرافيا اختزلتها مجموعة من الضوابط المكانية والزمانية ترتيبا متسقا، ولم يكن سؤال الارتباط بين الحوار والثقافة، إلا في السنوات المتأخرة، غير أنه مع البحث والتأمل يتبين أن الحوار أسبق من الثقافة بقليل، لكن لا ننسى أن الأول جزء منها ومكمل لها، وبهذا نتوصل أن لا ثقافة بدون حوار، ولا حوار بدون ثقافة تتحرى الوسطية والاعتدال.