أحلامهم تتطحم.. لماذا يعتبر اغتيال خاشقجي كارثة بالنسبة لإسرائيل؟

0

ليس من الممكن التغطية على الوحشية الصادمة في اختطاف الصحافي جمال خاشقجي وقتله على يد قوات الأمن السعودية، بغض النظر عن صعوبة تصديق الروايتين اللتين تهدفان للتغطية على ما حدث في الحقيقة باعتبار الحادث استجواباً سار بطريقة غير صحيحة أو أنَّه من فعلِ عناصر مارقة.

لكن تداعيات الحادث تبلغ مدى أعمق من المأساة التي أصابت عائلة خاشقجي وخطيبته. يطرح الحادث تساؤلات جوهرية على الولايات المتحدة وإسرائيل حول مفهومها الاستراتيجي الشامل في الشرق الأوسط.

فمن ناحية، يمكن أن يجادل المتهكمون بأنَّ فظاعة اغتيال خاشقجي اختلفت في درجتها أكثر من نوعها عن السلوك القائم منذ زمنٍ بعيد للحكام المستبدين العرب، بما في ذلك هؤلاء الحكام المتحالفين مع الولايات المتحدة.

ليس هناك فِرَقُ كشافةٍ في الشرق الأوسط، والتحالف الأميركي السعودي استمر على مدى عقودٍ من السياسات القمعية التي تمارسها السعودية ضد شعبها.

يمكن أن يستمر تحقيق المصالح الأميركية من خلال بعضٍ من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي حمل رايتها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ومن خلال النهوض بالأهداف الاستراتيجية المشتركة المتعلقة بإيقاف العدوان الإيراني في المنطقة. ولا يمكن رفض هذه الاعتبارات بسهولة.

لكن اغتيال خاشقجي، بعيداً عن محوه الخطوط الحمراء للاأخلاقية، يشير أيضاً إلى عدم إمكانية الاعتماد على السعودية بالأساس باعتبارها شريكاً استراتيجياً تحت قيادة بن سلمان. يردد ما حدث في القنصلية السعودية بإسطنبول أصداءَ كلماتٍ استُخدمت من قبل لتصف سلوك نابليون المتعلق بالتخلص من الخصوم: «إنَّها أسوأ من مجرد جريمة. إنها خطأ». ويمكن أن يضيف المرء فيقول: إنَّه خطأٌ استراتيجي.

أثبت محمد بن سلمان بالفعل أنَّه لاعب متهورٌ ومندفعٌ في ما يتعلق بنهجه في السياسة الخارجية السعودية. إذ إنَّ حملته المشروعة في اليمن ضد الحوثيين المدعومين من إيران استمرت مع تجاهلٍ تامٍ للمقدار الهائل من معاناة المدنيين التي تسببت فيه هذه الحملة. كذلك فقد سارت على نحوٍ خاطئ خطته لإجبار رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري على تقديم استقالته عبر شاشات التلفاز.

تسبب الحصار الشامل الذي تفرضه السعودية على قطر في تشتيت دول الخليج عن هدفها المشترك الداعي إلى احتواء إيران، ولم تتحقق سوى نتائج ضئيلة. فضلاً عن أنَّ خطوات بن سلمان التي أدت إلى توتر العلاقات مع كندا بسبب تغريدة تنتقد اعتقال السعودية لنشطاء حقوق الإنسان، لم تكن سوى مبالغة عبثية في ردة الفعل.

لكن الآن، وبأمر من محمد بن سلمان على نحو واضح، ارتُكِبَت عملية اغتيال مريعة، بل إنَّ الحادث في الأساس وقع علناً. وقد كذب السعوديون على الرئيس ترمب لأيام بهذا الصدد، ولا يزالون يكذبون.

لعل ترمب يولي الأمر قليلاً من الاهتمام، مدفوعاً بلاأخلاقيته الخاصة أو بأثر خلق الوظائف من وراء صفقات السلاح مع السعودية، وهي الصفقات التي يبالغ في الترويج لها.

لكن محمد بن سلمان لم يضع في اعتباره أنَّه مع إصداره أمراً باغتيال خاشقجي، تخطى جميع خطوط القبول بالنسبة للجمهور الأميركي وأعضاء الكونغرس من الحزبين. وفي الواقع، فقد جاءت أشد الانتقادات والمطالبات بوجود عواقب للحادث من عضوي مجلس الشيوخ الجمهوريين ليندسي غراهام وماركو روبيو.

ومرة أخرى، يمكن أن يكون المرء متهمكاً حول هذا. فليس القمع السعودي بالشيء الجديد، ولكن ربما تمكن النظام السياسي الأميركي من استيعابه شريطة أن يظل بعيداً عن الأنظار إلى حدٍ ما. ولم يكن الاحتجاج تقريباً على درجة الصخب نفسها التي ربما كان ينبغي أن يصدع بها مع اعتقال حقوقيات سعوديات، وهو ما حدث في الوقت نفسه الذي حصلت فيه النساء السعوديات أخيراً على حقهن في قيادة السيارات.

لكن محمد بن سلمان أخطأ بشدة في حساباته من خلال عدم استيعابه أنَّ اختطاف وتقطيع جسد صحفي مقيم في الولايات المتحدة -كانت كل جريمته أنَّه عبَّر عن آرائه- هي ببساطة شيء أكثر مما يستطيع الأميركيون أن يتسامحوا مع حدوثه.

فلا يمكن للمرء أن يتبجح بهذا النوع من الدموية ويتوقع أن تكون العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة مثل المعتاد. ربما لا يكترث ترمب، وكذلك الرئيس الروسي الذي يتودد إليه ترمب، فلاديمير بوتين، الذي يغتال هو الآخر الصحفيين. لكن الشعب الأميركي لديه حدوده، وفي الواقع يمكن أن يتوقع الكثير من حكومات صديقة له. فهم يتوقعون من هؤلاء الحلفاء، على الأقل، ألا يورِّطوا الولايات المتحدة في جرائم شنيعة.

تبدو أسباب ذلك قابلة للنقاش. والتفاصيل المروعة لعملية القتل تحتل جزءاً منه. لكن اغتيال خاشقجي يتماس أيضاً مع اتجاهات دولية أوسع معادية لليبرالية، ومع ملاحقة الصحافيين الساعين وراء الحقيقة. فلم يكن السياق ببساطةٍ أنَّ بن سلمان يُسكت ناقداً سعودياً.

لم يستوعب محمد بن سلمان تلك الحقيقة أو لم يستطع تقييمها، لدرجة أنَّه اعتقد أنَّه قادر على الإفلات بفعلته ولم يكن لديه مستشار عازم أو قادر على كبح اندفاعاته، مما يثير تساؤلات مهمة حول حكمه والاعتماد عليه، ناهيك عن ذكر الإجابات الواضحة التي يقدمها عن أخلاقياته.

بالنسبة لإسرائيل، يثير هذا الفصل البائس احتمالاتٍ بأنَّ مرساة الحقائق الجديدة في الشرق الأوسط، التي سعت إلى الترويج لها -وهو ائتلاف إسرائيلي سني عربي، تحت مظلة أميركية، للوقوف أمام إيران والجهاديين السنة- لا يمكن الاعتماد عليها.

ويجب أن تكون إسرائيل حريصةً في الطريقة التي تتصرف بها دون إدراك للعواقب. مما لا شك فيه، أنَّه سيكون هناك استجابة أميركية لاغتيال خاشقجي، حتى إذا قاومت إدارة ترمب هذه الاستجابة. لن تؤدي الاستجابة إلى تفكيك شامل للتحالف الأميركي – السعودي، لكن الاشمئزاز من جانب الشعب والكونغرس سيكون له كلفة.

يمكن أن تتضمن هذه الكلفة فرض قيود كبيرة على مبيعات الأسلحة التي جرى التفكير بشأنها. إذ أنَّ كبار المستثمرين الأميركين يبعدون نفسهم بالفعل عن مشروعات التنمية الرئيسية التي روَّج لها محمد بن سلمان. على أقل تقدير، لن تُكرر الزيارة الترويجية الودي لمحمد سلمان لعديد من المدن الأميركية في مارس/آذار الماضي، ولن يكون هناك مزيد من الاحتفاء به في الصحافة الأميركية باعتباره شخصية إصلاحية سوف تعيد تشكيل الشرق الأوسط.

وإسرائيل، التي لديها مصلحة واضحة في الإبقاء على السعودية ضمن حلفاء الولايات المتحدة لتعظيم التوافق الاستراتيجي حول قضية إيران، سوف تحتاج إلى تَجَنُّب أن تكون من جماعات الضغط المؤيدة لمحمد بن سلمان في واشنطن. لا يزال التنسيق بين إسرائيل وشركائها في المنطقة ضرورياً ومرغوباً. فالسياسة الواقعية البسيطة تتطلب وجوده. غير أنَّ هناك خطراً جديداً يتعلق بإلحاق ضرر بسمعتها بسبب الارتباط الوثيق بالسعودية.

لن يكون من السهل على إسرائيل الإبحار في هذه المياه، نظراً إلى أنَّ مؤسسة السياسة الخارجية الأميركية انقسمت بين معسكرٍ مناهضٍ لإيران وآخر مناهضٍ للسعودية. فضلاً عن أنَّ الفكرة التي تقول إنَّ الولايات المتحدة ينبغي لها أن تعارض الإيرانيين بنفس درجة معارضتها وحشية السعودية تجاه شعبها، وألا تسمح بأنَّ تؤدي جرائم محمد بن سلمان إلى تخفيف الضغط على إيران بسبب أنشطتها الإقليمية المؤذية، يبدو أنَّها معرضة لخطر الضياع.

يمكن أن يشكل هذا بالنسبة للإسرائيليين أكبر صفعة فيما يتعلق بتداعيات اغتيال خاشقجي. فقد قوَّض محمد بن سلمان، في ظل هواجسه لإسكات جميع من ينتقدونه، المحاولة الداعية إلى بناء إجماع دولي للضغط على إيران.

يبدو أن الضرر كبير، ولعل ترمب منفصلٌ عن هذا الواقع. ولكن ما نوعية أعضاء الكونغرس والقادة الأوروبيين الذين يمكن أن يرغبوا في الجلوس مع بن سلمان لإجراء مشاورات حول إيران في الوقت الراهن؟

يشكل ذلك أعظم دليل على انعدام البصيرة على الصعيد الاستراتيجي لدى بن سلمان، ومن المرجح أن يستمر الضرر ما دام مستمراً في حكم المملكة.

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة Haaretz الإسرائيلية.

The post أحلامهم تتطحم.. لماذا يعتبر اغتيال خاشقجي كارثة بالنسبة لإسرائيل؟ appeared first on عربي بوست — ArabicPost.net.

قد يعجبك ايضا

اترك رد