Foreign Policy: البنتاغون يحب السعودية في السرَّاء والضرَّاء! فما المتوقع أميركياً في قضية جمال خاشقجي؟
اعتبرت مجلة Foreign Policy الأميركية أن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) لن تتخلى عن مصالحها في الشرق الأوسط، ومن ضمنها علاقاتها بالسعودية، رغم الضغوط التي تمارَس على المملكة في قضية اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي بمقر قنصلية بلاده في إسطنبول.
وقال ميكا زينكو، الباحث بمركز العمل الوقائي في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، إن البنتاغون لا يبحث كثيراً عن القيم الأميركية أو عن حقوق الإنسان؛ بل إنما يريد فقط تقوية علاقات مع الجيوش والمؤسسات العسكرية في الشرق الأوسط.
وأشار الباحث الأميركي إلى أنه من غير المحتمل أن يتخذ ترمب أي خطوات ضد السعودية بشأن قضية جمال خاشقجي، من شأنها أن تخاطر بمصير الوصول العسكري الأميركي؛ ومن ثم العدد الهائل من المهام المكلفة القوات الأميركية تنفيذها في المنطقة.
وبحسب المقال، قادت الاتهامات الصادمة بقتل جمال خاشقجي وتمزيق جثته بالقنصلية السعودية في إسطنبول، إلى مناقشة مفتوحة نادرة بين السياسيين والنُقَّاد وقادة الأعمال حول الحكمة الاستراتيجية للعلاقات الأميركية-السعودية. لكن حين تخمد تلك المناقشة، فليس من المرجح أن تكون قد حوَّلت العلاقةَ المستمرةَ، منذ وقت طويل، بين أميركا والسعودية وحلفاء المملكة الإقليميين، بأيِّ شكلٍ جوهري.
وأضاف الباحث الأميركي أن السبب بسيط: الجغرافيا، وتحديداً علاقة الجيش الأميركي الغريبة بها. فعلى مدار عقودٍ، صرحت الولايات المتحدة بأنَّ لها العديد من المصالح القومية الحيوية (وأقل من ذلك) في الشرق الأوسط. تتضمن هذه المصالح ضمان التدفق الحر للنفط والغاز الطبيعي، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، ومنع ظهور مناطق غير محكومة بإمكان المنظمات الإرهابية الاستفادة منها، وردع إيران، وتعزيز قدرة الجيوش الإقليمية للدفاع عن مناطقها.
دور الجيش الأميركي في الشرق الأوسط
وأكَّد المسؤولون السياسيون والعسكريون باستمرار، أنَّ الجيش يجب أن يكون له دور مهيمن في تحقيق هذه المصالح. ولضمان استطاعة تلك القوات والأصول العسكرية العمل بِحُرية كافية في المنطقة لتحقيق الأهداف المذكورة، فإنَّ تلك القوات تحتاج إلى إمكانية وصول، يُمكن الاعتماد عليها والتنبؤ بها، للمطارات والموانئ والمنشآت والمساحات الجوية في المناطق الخاضعة لسيادة دول الخليج العربي. والقدرات السيبرانية، أو الأقل منها، والوحدات الأقل فتكاً التي تعمل من داخل أصول بَحرية في المياه الدولية، ليست بديلاً كافياً ولا مضموناً. وعلى مرِّ الإدارات الديمقراطية والجمهورية، كانت إمكانية الوصول العسكري الثابت والمباشر بالشرق الأوسط أولوية في السياسة الخارجية أعلى بكثير من أي اعتبار أخلاقي بالمنطقة.
واستكمل الكاتب الأميركي قائلاً: «توصَّلت إلى ذلك الاستنتاج بعدما قضيت العام الماضي (2017)، في إجراء بحث بشأن السياسة العسكرية الأميركية بالشرق الأوسط، وقد نشر معهد تشاتام هاوس نتائج هذا البحث مؤخراً. وشمل هذا، التحدثَ إلى عشرات من المسؤولين العسكريين، والدبلوماسيين، وموظفين لدى شركات تقدِّم خدمات أمنية للجيوش الإقليمية حاليين وسابقين. وقد راجعت أيضاً أفضل معلومات متاحة للعامة من مصادر حكومية وغير حكومية، وجمعت بيانات عن الانتشار العسكري الأميركي وبرامج التعاون الأمني، وطبَّقت أحدث نتائج الأبحاث الأكاديمية عن التأثير القابل للقياس للعمليات العسكرية وعمليات نشر القوات».
الدعم مقابل السماح بالتغلغل!
وبحسب زينكو، فإن تحالفات الولايات المتحدة الإقليمية مبنيَّة على مبدأ بسيط نسبياً: تقدِّم واشنطن تعاوناً أمنياً وأسلحة ودعماً لوجيستياً، وفي المقابل تمنح الحكومات الإقليمية الجيش الأميركي إمكانية الوصول إلى أراضيها. قد يبدو هذا غير مفاجئ، لكنَّ أكبر كشف نقاشاتي كان يتعلق بعمق هذه العلاقة التبادلية واتساعها ومداها.
ليست تلك علاقة تعاملية مؤقتة؛ بل إنَّها مبنيَّة على عقودٍ من الاتصالات الشخصية المتكتمة بين قادة الجيش الأميركي ونظرائهم الإقليميين. وتمتد هذه العلاقات إلى ما وراء الخدمة العسكرية الأميركية، وقد سمحت للأنظمة الحاكمة في الشرق الأوسط بالإفلات من التحفظات المتعلقة بالحقوق الإنسانية والسياسية. وإلى حد ما، فإنَّ هذه العلاقة موجودة الآن لخدمتهم هُم وليس مصالح الولايات المتحدة.
برامج التعاون الأمني هي نقاط التواصل الروتينية بين القوات المسلحة الأميركية (وشركات الصناعات العسكرية) ونظرائهم في الشرق الأوسط. على سبيل المثال، في عام 2017، تلقى 9.007 ضباط من دول شرق أوسطية تعليمات، حول موضوعات تشمل المهارات القتالية التكتيكية والعلاقات المدنية العسكرية، في المؤسسات التعليمية التابعة لوزارة الدفاع الأميركية داخل الولايات المتحدة.
الأسلحة والذخائر لها دور أيضاً
مبيعات الأسلحة والذخيرة هي أيضاً عنصر هائل وواضح في تعاون واشنطن مع الجيوش الإقليمية. على مدى عقدين، كانت الولايات المتحدة أكبر مُصَدِّر للأسلحة إلى الشرق الأوسط. ومنذ عام 2013 وحتى عام 2017، ذهب 49% من كل مبيعات الأسلحة الأميركية إلى دول في المنطقة.
يشمل التعاون الأمني أيضاً أمثلة عدة للمساعدات الأميركية اللوجيستية والتحليلية للعمليات التي تنفذها الجيوش الوطنية: أسرعت أميركا في إرسال ذخائر وشحنات وقود إلى إسرائيل بعد 5 أيام من حربها ضد حزب الله في عام 2006، إضافة إلى توفير خلية استطلاع واستخبارات مشتركة لدعم الهجمات الجوية شمال العراق، والأكثر شهرة هي عمليات البحث والإنقاذ القتالية، والتزود بالوقود جواً، وتحليل المعلومات الاستخباراتية التي وفرها الجيش الأميركي للحملة الجوية التي قادتها السعودية في اليمن.
هناك أشكال أقل شهرة وغير رسمية للتعاون يقدمها ضباط الجيش المتقاعدون إلى حكومات الشرق الأوسط. عمِل وزير الدفاع الحالي، جيمس ماتيس، بعد تنحيه عن منصبه كقائد للقيادة المركزية الأميركية، وبالتزامن مع عضويته في مجلس إدارة شركة General Dynamics، مستشاراً عسكرياً من دون أجر للإمارات في الفترة من يونيو/حزيران 2015 حتى أغسطس/آب 2016.
كما عمل الجنرال المتقاعد جيمس جونز لدى شركة Ironhand Security LLC مع وزارة الدفاع السعودية. في حين قدَّم اللواء المتقاعد توماس مور جونيور المشورة لشركة Stark Aerospace Business Development، ومقرها في إسرائيل. والأكثر صدمة هو ستيفن توماغان، الذي تقاعد من الجيش الأميركي برتبة مقدم عام 2007، وهو الآن لواء ضمن قيادة الطيران المشترك التابع للقوات المسلحة الإماراتية. تُحسن هذه الأنشطة قدرة أجهزة الأمن الوطنية في هذه الدول، والتي بدورها تُمكن وتُديم العلاقات الوثيقة التي تسمح بثقة، بالوصول العسكري الأميركي لأراضيها، بحسب المقال.
شركات العلاقات العامة.. ماذا تفعل؟
وبحسب المقال، «نتيجة لذلك، لا تعتمد السياسة العسكرية الأميركية على أي تقييم موضوعي، ولكنها تتأثر بشدة بالحكومات الإقليمية. ويزيد من هذا الخلل شركات العلاقات العامة الأميركية، التي تُرتب اجتماعات لتمثيل مصالح الحكومات الإقليمية مع أعضاء الكونغرس ومسؤولي الإدارة الأميركية، والباحثين في مراكز الأبحاث، وهيئات تحرير الصحف، والصحافيين، والمسؤولين التنفيذيين بالشركات، وأي جهة مؤثرة أخرى. (صدِّقني، إذا نشرت أعمدة تتعارض مع التصورات التي يسعون للترويج لها، فسوف تتصل بك هذه الشركات مباشرة وبشكل متكرر في محاولة لتغيير رأيك)». اعتباراً من يونيو/حزيران، وفقاً لموقع قانون تسجيل الوكلاء الأجانب، فقد مثلت 28 شركة علاقات عامة السعودية داخل الولايات المتحدة. في حين مثَّلت 24 شركةً قطر، والإمارات العربية المتحدة مثلتها 16 شركة، والعراق مثله 15 شركة وفرداً، وإسرائيل مثلتها 7 شركات، ومصر مثلتها 3 شركات.
ينتقد الرئيس ترمب بشدة، على نحوٍ متكرر، تكلفة دور أميركا بالمنطقة وعدم جدواه، وقال في يونيو/حزيران 2018: «أقولها كثيراً جداً، وهو أمر محزن للغاية، لكننا صرفنا 7 تريليونات دولار في الشرق الأوسط. ولن نستفيد منهم مرة أخرى». وعلى الرغم من اعتقاد ترامب أنَّ حكومات الشرق الأوسط «تنهب» دافعي الضرائب، وأنَّه يجب تعويض الولايات المتحدة عن وجود قواتها، لم يأمر بأي تحوُّل ملحوظ في السياسة العسكرية تجاه المنطقة.
ترمب يزيد قواته في الشرق الأوسط دون ثمن أيضاً
وبحسب المقال، فقد تزايد في الواقع، عدد القوات فقط منذ تولي ترمب منصبه، من 40.517 جندياً في الشرق الأوسط في يونيو/حزيران 2017 إلى 54.180 جندياً بعد 4 أشهر. علاوة على ذلك، لم تتلقَّ إدارة ترمب أي تعويضات من حكومات الشرق الأوسط مقابل تمركز قوات الولايات المتحدة إلى المنطقة، على الرغم من دفعه في خطابات إلى ذلك.
في حين ليس بإمكان أحدٍ التنبؤ بالطريقة التي ستتكشف بها التداعيات السياسية الداخلية لقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، فمن غير المحتمل أن يتخذ ترمب أي خطوات من شأنها أن تخاطر بمصير الوصول العسكري الأميركي؛ ومن ثم العدد الهائل من المهام المكلفة القوات الأميركية تنفيذها في المنطقة.
وفي أواخر الأسبوع الماضي، مع تكشُّف المزاعم البشعة لموت خاشقجي، التقى رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال جوزيف دانفورد، نظيره السعودي، رئيس الفريق أول الركن فياض الرويلي، في واشنطن. وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، إلى جانب إصدار بيان بشأن الاجتماع، أنَّ «الولايات المتحدة والسعودية تتقاسمان شراكة طويلة الأمد، وملتزمتان بالسلام والأمن في منطقة الشرق الأوسط». ونظراً إلى المصالح القومية الحيوية الأميركية العديدة التي أعلنها الرؤساء الأميركيون في المنطقة، فالشراكة مع السعودية ومع الحلفاء المجاورين والمحايدين ضرورة عسكرية، بغض النظر عن مدى تورط الولايات المتحدة في تصرفات هؤلاء الشركاء.
The post Foreign Policy: البنتاغون يحب السعودية في السرَّاء والضرَّاء! فما المتوقع أميركياً في قضية جمال خاشقجي؟ appeared first on عربي بوست — ArabicPost.net.