14 عاماً نحاربهما وما زالا صامدين.. هل حان الوقت لإجراء محادثات سلام مع داعش والقاعدة؟
بعد ما يقرب من 17 عاماً من التركيز على التهديد الذي يمثّله الإرهابيّون، أعاد الجيش الأميركيّ -في ظلّ إدارة الرئيس دونالد ترامب- تركيزَ اهتمامه على الدول القويّة. لكن هذا قد ينمّ عن قصر نظر؛ إذ أنّ الإرهاب الذي ترتكبه الجماعات الجهادية أو المُستوحَى من الدعاية الجهادية لا يزال يشكّل تهديداً قويّاً. على أيّ حال، من المُحتمَل أن يأتي المستقبل بالمزيد من الصراعات التي تجمع بين الإرهاب متعدّد الجنسيّات والحرب الأهليّة، والمزيد من التعاون بين الجهاديّين والمتمرّدين المحلّيّين من غير الجهاديّين، والمزيد من الانشقاق والتشتّت بين الجهاديّين- وليس انخفاضاً في معدّل الانشقاق. سيكون من المستحيل القضاء على الإرهاب من خلال القوّة العسكريّة، وهو ما ينبغي أن تكون الولايات المتحدة قد تعلّمته جيّداً بالفعل، لكن البدائل القابلة للتنفيذ للتعامل مع التهديد أو احتوائه غير متوفّرة. ولذا، قد يكون هذا هو الوقت الملائم لوضع المفاوضات في الاعتبار. الولايات المتحدة مستعدة لدعم المحادثات مع حركة طالبان الأفغانية. يجدر النظر فيما إذا كانت روح التوافق نفسها -أو بشكل أكثر دقة، التنازل- يمكن أن تمتدّ إلى مجموعاتٍ أخرى مرتبطة بتنظيم «القاعدة» أو حتى بتنظيم «الدولة الإسلاميّة».
لقد ازداد باطراد على مدى العقود الماضية عددُ الصراعات التي تشمل متمرِّدين من الجماعات الجهاديّة التي تقاتل للإطاحة بالأنظمة القائمة. خلَقَ التدخّل العسكريّ في البلدان ذات الأغلبيّة المسلِمة، بدايةً بالغزوِ السوفييتيّ لأفغانستان عام 1979، ثمّ حرب أفغانستان بعد عام 2001، ثم الغزو الأميركيّ للعراق عام 2003 – خلَقَ فُرصاً للجهاديّين لقتال «المحتلّين الأجانب الكَفَرة» وعملائهم المحلّيّين. وتجدر الإشارة إلى أنّ تنظيمَ «القاعدة» بدأ نشاطَه كحركة لِمقاومة الاحتلال السوفيتيّ لأفغانستان، وتسارعت وَتيرتُه مع الاعتراض على دعوة السعوديّة للولايات المتّحدة لإرسال قواتٍ لحمايةِ المملكة من العراق في تسعينيّات القرن الماضي.
بعد أن جلَبَت القاعدة القتالَ إلى الغرب في 11 سبتمبر/أيلول 2001، ردَّت الولايات المتّحدة وحلفاؤها بما وصفوه «الحرب العالمية على الإرهاب». لكن ذلك الصراع أدى إلى حشد داعمي الجهاد بقدر ما عاقبهم أو أحبَطهم. بل إنه في الواقع ساعد في تحفيز نمو القاعدة إلى أداة عابرة للقارات. وما يثير السخرية هو أنّ واحداً من أفرعِها الأولى التي تشكّلت في العراق بعد عام 2003 كان تمهيداً لما صار لاحقاً «الدولة الإسلامية» أو «داعش»، والتي اجتاحت في نهاية المطاف العراقَ وسورية في عام 2014. كان تنظيم القاعدة الذي تشكّل عام 2007 في بلاد المغرب الإسلاميّ واحداً من الأفرع الأخرى، وهو يتكوّن من الجهاديّين الجزائريّين، وصار الآن مصدر اضطرابٍ في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل.
وإلى جانب التدخّلات الغربية في الشرق الأوسط، كانت الانهياراتُ السياسيّة المحلّيّة مَنجمَ ذهب بالنسبة للجماعات الإرهابية. ففي التسعينيّات، كانت الحروبُ الأهلية في الجزائر وفي البلقان حواضنَ للتطرف. أمّا الربيع العربيّ فقد أعطى الجماعات الإرهابيّة مزيداً من الفرص لشنّ حربِهم. فالفوضى التي بدأت في سورية عام 2011، على سبيل المثال، سمحَت للدولة الإسلامية بإنشاء دولة خلافة إقليميّة على امتداد العراق وسورية. كان زحفُها العسكريُّ خارقَ السرعة على الجيش العراقي المدرَّب والمجهَّز من قِبَل الأميركيّين مذهِلاً. وعلى الرغم من إحباط الطموحات الإقليميّة للمجموعة، انتهت العملّيات القتاليّة الرئيسيّة في عام 2018، ويقول الجيش الأميركيّ إنّ حملة تنظيم «الدولة الإسلاميّة» في مرحلتها الأخيرة، وتظهر جرأتها أنّ انتصار الجهاديّين كان ممكناً.
لا يزال لدى تنظيم الدولة الإسلاميّة ما يقارب 300 ألف مقاتل في العراق. لكن أكثر إسهاماته ثباتاً في القضيّة الجهاديّة قد يكون إعلانه الخلافة، على الرغم من شؤمها، لأنها ألهمَت الإرهابَ واستقطبَت مقاتلين أجانب من أنحاء العالم. والآن، على الرغم من تدهور قضيّة المعارضة بشكلٍ حادّ في سورية، إلا أنّ الجهاديّين ما زالوا يلعبون دوراً رئيسيّاً. تتمتع الجماعات التابعة له بتواجدٍ قويّ في أفغانستان والجزائر وبنغلاديش ومصر وإندونيسيا والعراق وليبيا ومالي والنيجر ونيجيريا وباكستان والفلبين وتونس والصومال واليمن وغيرها. وسواء كان المهاجمون مُلهَمين أو موجَّهين، فقد نفّذوا أيضاً هجماتٍ في بلجيكا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا وتركيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا ومناطق أخرى.
باختصار، أثبتت الحركة الجهاديّة صموداً لافتاً للنظر خلال التقلّبات والتحوّلات التي حدثت خلال العقدين الماضيين. يرجع ذلك جزئيّاً إلى أنّ الجماعات الجهاديّة كانت قادرة على الاستفادة من المظالم المتعمِّقة في النزاعات الأهلية من خلال تحالفها مع المتمرّدين المحلّيّين المستعدّين للانجذاب نحو الإرهابيين بقدر ما هم منجذبون نحو مبادئهم الدينية (على الرغم من أنّ الجماعات المحلّيّة تميل للتطرّف عندما يدخل الجهاديون إلى المشهد). على سبيل المثال، بعد أن فقد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلاميّ سيطرته في الجزائر، نجحَ في الالتحاق أو في التعاون مع متمرِّدي الطوارق في مالي، وهم انفصاليّون عِرقيّون لهم تاريخ طويل في مقاومة سلطة حكومة مالي الضعيفة. كان التحالف على وشك إسقاط النظام حين تدخّلت القوّات الفرنسيّة لإنقاذه. أنقذت القوات الفرنسيّة دولةَ مالي، لكنّها دفعت بالعنف إلى الحدود. والآن، انتشَرَ الصراع عبر الساحل إلى تشاد وساحل العاج وموريتانيا وبوركينا فاسو والنيجر.
في الصراعات المختلطة الشبيهة بهذه، حيث يُدمج بين الإرهابيين متعددي الجنسية وبين المتمردين المحليين الذين لديهم مظالم مشروعة، يستحيل التمييز بين مكافحة الإرهاب ومكافحة التمرد – أو فصل الاستراتيجيتَين عن المهمة الضخمة التي هي بناء الدولة. ويكون من اللازم على القوى الرئيسية المتدخلة مثل الولايات المتحدة وفرنسا أن تعتمد على حلفائها المحليين، وهم في كثير من الحالات شركاء متضاربون في الحرب على الإرهاب ومصالحهم لا تتوافق بالضرورة مع مصالح رعاتهم. علاوة على ذلك، يعمل التدخل الخارجي في أغلب الأحيان، على إنهاء أزمة فورية، لكنه يترك المشكلات الأساسية التي كانت سبباً في الأزمة دون حل أو حتى يفاقم تلك المشكلات.
كما أن ما يجعل عملية القضاء على الإرهاب الجهادي صعبة هو طبيعة الحركة المشتّتة والمتغيرة. فليس هناك كيان واحد متجانس يمكن هزيمته بشكل حاسم. حالياً، خط الصدع الرئيسي هو بين القاعدة والدولة الإسلامية، لكن العديد من الانقسامات والخلافات الأخرى تفرق الجهاديين أيضاً. والصراعات الدائرة بين القوى الداخلية تقوض وحدتها، مثلما تفعل النزاعات العقائدية والاستراتيجية.
تنظيم القاعدة على سبيل المثال، أصر على أن الخلافة التي أعلنتها الدولة الإسلامية عام 2014 كان عملاً متعجرفاً سابقاً لأوانه. وحتى الجهاديون شديدو الالتزام، الذين يتفقون على ضرورة استخدام العنف من أجل الدفاع عن الإسلام ضد الغرب، وعلى أن الديمقراطية هي بطبيعتها نظام غير إسلامي، اعترضوا على همجية الدولة الإسلامية ووحشيتها. كانت غطرسة هذه المجموعة في إعلان رفاقها المسلمين «مرتدين» ومن ثم معرضين لحكم الإعدام، نقطة خلافية أخرى، خاصة أنها امتدت إلى حد اغتيال زعماء منافسين.
اندلع الصراع بين القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية علناً بعد عام 2014، وسرعان ما ظهرت أفرع الدولة الإسلامية في المناطق التي كانت القاعدة تهيمن عليها. تحدى تنظيم الدولة الإسلامية حركة طالبان في أفغانستان، وميز نفسه بمهاجمة المدنيين، خاصة الأقلية الشيعية في البلاد. كما قام فصيل من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بالانفصال عنه ليصير اسمه «الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى»، وقد هاجم قواتٍ أميركية. في نيجيريا، قررت جماعة بوكو حرام الدخول في تلك المنافسة الجديدة من خلال الانضمام إلى الدولة الإسلامية، ما أدى إلى انشقاقها لاحقاً.
بينما في هذه الأثناء، مرت القاعدة بانقساماتِها الداخلية بعد أن انفصلت عن تابعها العراقي السابق. في سوريا، انفصل الموالون لتنظيم القاعدة الأصلي -والذين شكلوا جبهة النصرة- عن مركز تنظيم القاعدة في عام 2016، على إثر خلاف حول ما إذا كان ينبغي أن يرتكز النضال على العدوّ «القريب» أمْ العدوّ «البعيد». وفي حين كانت القاعدة دائماً ما تدعو إلى جهود جهادية ثورية عالمية، فإن فرعها السوري فضل التركيز على سوريا. ومما يثير قلق الولايات المتحدة وحلفائها، أن انهيار المقاومة السورية سيعزز بالتأكيد موقف القاعدة المركزي من أن الغرب هو العدو الرئيسي.
– هذه التدوينة مترجمة عن مجلة Foreign Policy الأميركية.
The post 14 عاماً نحاربهما وما زالا صامدين.. هل حان الوقت لإجراء محادثات سلام مع داعش والقاعدة؟ appeared first on عربي بوست — ArabicPost.net.