هل ينجح الشعب الروسي في الحصول على بديل غير بوتين؟
الصعبِ عليكَ أن تخسَرَ في الانتخابات عندما تستطيع أن تتحكم في عملية الاقتراع والبيروقراطية الحكومية والمحاكم ووسائل الإعلام وأصوات قطاعات واسعة من السكان الذين يعتمدون على دعم الدولة، خاصة عندما يتم تأييدك شخصياً من قِبَل ما يُزعَم أنه القائد الوطني المحبوب. ومع ذلك، فقد انتكس الحزب الحاكم التابع لبوتين، حزب روسيا المُوحّدة، في الانتخابات التي جرت الأسبوع الماضي في منطقة بريموري التي تقع في الشرق الأقصى الروسي.
ومع فرز 98% من الأصوات، كان المُرشح المُعيّن من قِبَل الكرملين مُتخلّفاً عن مرشح الحِزب الشيوعي بنسبة 47% إلى 50%. فلم يكن أمام السلطات سوى استخدام الحيلة القديمة بحشوِ صناديق الاقتراع، وتم الإعلان عن فوزِ أندريه تاراسينكو بمنصب الحاكم بعد أن وفّرت له عشرات الدوائر الانتخابية نسبة 100% من الأصوات بنسبة إقبالٍ بلغت 100% في آخر ساعتين من عملية الفرز.
لم يكن للفائز الحقيقي بالانتخابات، المسؤول التنفيذي في أعمال البناء والمُشرّع الإقليمي البالغ من العمر 37 عاماً الذي يُدعى أندريه إشينكو، أي إنجازات سياسية كبيرة، لم يكن ذا كاريزما ولم يملك أية مقترحات أو مشاريع تُذكر. لم تكن شخصيته وسياساته وانتماءاته الحزبية ذات أهمية. كان لديه ميزة واحدة فقط في نظر الناخبين: لقد كان مُرشّحاً مُنافِساً للمُرشّح المُؤيَّد من قِبَل بوتين.
يُشير بوريس فيشنِفِسكي، وهو مُشرِّع مُعارض بالجمعية التشريعية في سانت بطرسبرغ، إلى أن «الروس يتجهون ببطء نحو فكرة (أي شخص غير حزب روسيا الموحّدة). يُشبه هذا ما حدث في عام 1990 عندما كان التوجه السائد (أي شخص غير الشيوعيين). إن التاريخ يعيد نفسه، ببطء ولكن بشكل لا رجعة فيه».
إن فيشنِفِسكي يعي ما يقوله: تم انتخابه لأول مرة كمُشرّع محلي في سانت بطرسبرغ التي كانت تُعرف حينها بـ(لينينغراد) ضِمن الموجة المؤيدة للديمقراطية عام 1990، حينما كانت المعارَضَة للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي كافية تقريباً لضمان فوزه. وعلى الصعيد الوطني، أدّت هذه الانتخابات إلى ظهور جيل من السياسيين الديمقراطيين، من بينهم بوريس نيمتسوف وسيرغي يوشينكوف وبيوتر فيليبوف؛ وأصبح زعيم الحركة المؤيدة للديمقراطية، بوريس يلتسن، رئيساً للبرلمان الروسي. ومن المثير للدهشة أن تلك الانتخابات كانت لا تزال تُعقد رسمياً بحسب نظام حُكم الحزب الواحد (لم يعد هذا النظام مُمارَساً).
كانت التعديلات على المعاشات التقاعدية التي أعلنت عنها الحكومة الروسية مؤخراً هي القضية الرئيسية التي كانت سبباً في تحويل العديد من سكان الشرق الأقصى الروسي إلى ناخبين مُحتجّين. اقترحت الحكومة الروسية، مُستَشهِدةً بعجز في الأموال، وفي الكفاءة أيضاً، مُعترِفة بأن أرباح عائدات النفط قد أهدِرت (أو اختُلِست)، فاقترَحَت رفع سن التقاعد من 55 إلى 60 عاماً للنساء، ومن 60 إلى 65 عاماً للرجال (وهذا في بلدٍ يبلغ فيه متوسط العمر المتوقع للذكور 67 عاماً). اندلعت الاحتجاجات في الشوارع في جميع أنحاء البلاد. وكما هي العادة، قوبِل المتظاهرون السلميون بهراوات الشرطة وعقوبات السجن.
وفي بيانٍ ألقاه من زنزانته بالسجن حيث تم حبسه قبيل المسيرات، دعا الناشط المناهض للفساد، أليكسي نافالني، سكان الشرق الأقصى إلى النزول للشوارع للدفاع عن صوتهم، ودعا سكان المناطق الأخرى لمساندتهم. كتب أليكسي قائلاً: «دعونا ننسى الاختلافات الأيديولوجية، لا تهم معرفة أي حزبٍ كان يمثله إيشنكو. إن التزوير الواضح والصريح في بريموري لهوَ إهانة.. إهانة للبلاد بأسرها». وحتى قبل دعوة نافالني، كان الناس قد بدأوا بالتجمع في الميدان الرئيسي لمدينة فلاديفوستوك أمام مكتب الحاكم للاحتجاج على التزوير.
وفي النهاية، لم يكن هناك وقتٌ كافٍ للاحتجاجات كي تبدأ. فقد رأى الكرملين أن التزوير كان واضحاً للغاية حتى وِفقاً لمعاييره، وأرسل وفداً من لجنة الانتخابات المركزية إلى مدينة فلاديفوستوك. وبلعب دور «الشرطي الطيب»، أمرَت رئيسة اللجنة، إيلا بامفيلوفا، المسؤولين المحليين بإلغاء نتائج الانتخابات. وللمرة الأولى في روسيا منذ عام 2002، تَقرّرَ إعادة الانتخابات في كانون الأول/ديسمبر.
أياً ما ستكون نتيجة الانتخابات، فهذا لن يغير شيئاً من الناحية العملية. لطالما قَبِل الحزب الشيوعي دوره كمُعارَضة موالية للنظام السياسي المُدار من قِبَل الكرملين. وقد قام أعضاؤه المُتقلّدون لمناصب رفيعة، مثل سيرغي ليفشينكو كحاكم لمدينة إيركوتسك، أو أناتولي لوكوت كعمدة لمدينة نوفوسيبيرسك، بدعم الكرملين بوفاء عند الحاجة. تكمن أهمية ما حدث أقصى الشرق الروسي في 16 أيلول/سبتمبر في مكان آخر: إنها علامة على أن الروس قد بدأوا يبحثون عن بديل للنظام الذي أصبح يُنظَر إليه بشكل متزايد كنظامٍ فاسد وفوق المُساءلة. لفترة طويلة، تمكن الكرملين من الحفاظ على هيمنته السياسية وشعبيته الزائفة من خلال منع أقوى المعارضين من المشاركة في الانتخابات. ولكن على ما يبدو، لم يعد هذا كافياً الآن.
– هذه المدونة مترجمة عن صحيفة Washington Post الأميركية.
The post هل ينجح الشعب الروسي في الحصول على بديل غير بوتين؟ appeared first on عربي بوست — ArabicPost.net.