هل كانت نهاية الفراعنة بسبب الجفاف الكبير الذي ضرب الأرض قبل 4000 عام؟ الجيولوجيون يتنازعون حول انهيار الحضارة

0

صدر القرار هذا الصيف: نحن نعيش حقبة جيولوجية جديدة في تاريخ الكوكب البالغ من العمر 4.5 مليار سنة. كانت هذه أخباراً مهمة بمنطقة محددة من العالم. على الأرجح أنك سمعت عن العصر الجوراسي (عندما كانت الديناصورات تحكم الأرض)، أو الانفجار الكامبري (عندما ظهرت صور حياة حيوانية معقدة). الآن صار لدينا اسمٌ جديدٌ لعصرنا: إذ إننا نحن البشر المعاصرين -أنت، وأنا، ويسوع الناصري- وُلِدنا جميعاً في عصر ميغالايا (Meghalayan age).

تشير الهيئة الإدارية العالمية التي يحتكم إليها الجيولوجيون إلى أن هذا العصر الجديد بدأ قبل 4200 عام، عندما تسبب جفافٌ كبيرٌ في انهيار المجتمعات حول العالم ودخولها في حالة مجاعة، بحسب مجلة The Atlantic الأميركية.

من خبر مثير إلى جدال كبير

قد تفكر في الأمر وتقول: «ياله من شيء مثير!» أو «إنني أحب العلم!»، وربما تلك هي كل العبارات التي كنتم ستفكرون فيها في عهد سابق. كان فجر عصر ميغالايا سيتصدر العناوين الجذابة، ويسهِّل الحياة إلى حدٍّ ما على قليلٍ من الباحثين، ويُضاف على الفور إلى بنك أسئلة برامج المسابقات التي على شاكلة «المحك» للتنافس في المعلومات العامة.

بدلاً من هذا، أطلق عصر ميغالايا واحداً من أمكر وأعند النزالات الفكرية بين علماء الأرض التي يمكنني تذكرها -وهي معركة تتعلق الآن بأعمق الأسئلة التي تُطرح في المناظرات العلمية لعصرنا هذا، بما في ذلك أهمية التغير المناخي، واحتمالية الانهيار المجتمعي، والمكان الأقصى للبشر في هذا الكون.

لا يعني أنك ستعرف هذا دائماً من خلال الاستماع إليهم. سألني أستاذ جيولوجيا جامعي ذو منصب مرموق في يوليو/تموز: «ما هو ماغالايا بحق الجحيم؟»، وقال آخر: «إنه سخيف». وفي هذه الأثناء، ادعى مؤيدو هذا العصر الجديد المحاصرَون أن «حملة صحافية كبيرة» شوّهت عملهم.

بعض العلماء غير مقتنعين بتحديد الجيولوجي العصر الجديد

الجدال يصل إلى أعرق الدوريات العلمية

هذا الأسبوع، وصل النزال إلى صفحات واحدةٍ من أعرق الدوريات والمجلات العلمية في العالم، عندما أثار ناقدٌ قلقاً جديداً من العصر الذي تدور حوله هذه المعركة.

يؤكد مقالٌ قصير نُشِرَ الجمعة الماضية 21 سبتمبر/أيلول في مجلة Science أن عصر ميغالايا يرتكز إلى فرضيات معيبة لعلم الآثار. ويقول إن ثمة قليلاً من الأدلة على أن الجفاف الكبير العالمي الذي حدث عام 2200 قبل الميلاد تقريباً، وهي المرحلة التي بدأ فيها عصر ميغالايا، تسبب في انهيار المجتمع القديم.

كتب جاي ميدلتون، وهو عالم آثار زائر بجامعة نيوكاسل البريطانية، في مقالته: «لم يكن هناك انهيار حضاري عالمي مفاجئ. وفي المجمل، تشير الأدلة التاريخية والأثرية إلى أن عام 2200 قبل الميلاد لم يكن عتبةً تاريخيةً».

التغير المناخي لم يتسبب في دمار شامل

حتى أن وجهة نظر ميدلتون تتخطى مسألة عصر ميغالايا؛ إذ يؤيد هو ومجموعة من العلماء، أغلبهم من جامعات أوروبية، تلك الحجج التي تقول إن التغير المناخي لم يؤدِّ مطلقاً إلى حروب أو دمار شامل في الماضي.

ويكتب عن ذلك في مقاله: «لم يؤد التغير المناخي مطلقاً إلى نتيجة حتمية بانهيار المجتمع، وإن كان من الممكن أن يشكل تحديات خطيرة، مثلما يفعل اليوم».

لكن المؤيدين لم يستسلموا لوجهة النظر

لم يُلطِّف مهندسو نظرية عصر ميغالايا من نبرتهم استجابة لهذا الرأي.

قال مايك ووكر، وهو أستاذٌ بجامعة ويلز وقائد الفريق الذي اقترح وجود عصر ميغالايا: «إن هذا مقالٌ مُضلِّلٌ تماماً، إذ إنه يُظهر فهماً بائساً للحقائق».

يتفق هارفي فايس، وهو أستاذ علم الآثار في جامعة ييل كان قد ساعد في كتابة المقترح المتعلق بعصر ميغالايا: «إنني لا أرى زعماً واحداً صحيحاً».

في سلسلة من رسائل البريد الإلكتروني، وبَّخ فايس ناقد نظريته مُقلِّلاً من شأن الشهادات التي حصل عليها، فكتب: «ميدلتون، وهو كاتب علم آثار شعبي، ولديه درجة دكتوراه فاشلة في علم الآثار، ومدرس لغة إنكليزية كلغةٍ ثانية في اليابان، يزعم الآن أن لديه خبرات أثرية حول موضوعات لا يعلم عنها شيئاً، ويجذب جمهوراً كبيراً في مجلة Science، من بين جميع المجلات!».

كل البشر المعاصرين جاؤووا في فترة العصر الجيولوجي الجديد

وقال في رسالةٍ أخرى أُرسلت بعد ساعات وكان عنوانها «وأضاف فايس…»: السؤال الأكثر إلحاحاً بالنسبة إليّ هو: «لماذا تنشر مجلة Science هذا الهراء؟».

ردَّ ميدلتون عندما أخبرته بهذه الاتهامات دون ذكر هوية مصدرها: «أرى أنك كنت تتحدث إلى هارفي فايس». ألَّف ميدلتون كتاباً عن الانهيار المجتمعي، وهو يحمل درجة الدكتوراه في موضوع يتناول بحر إيجه ما قبل التاريخ. فضلاً عن أنه «يفخر» بتنظيم صفوف في اللغة الإنكليزية لأغراضٍ أكاديمية بجامعة طوكيو وجامعة نورثمبريا، وقال: «إنها قدَّمَت لي مصدر دخل منذ 2002 ودفعت لي (أجراً) خلال دراستي لنيل شهادة الدكتوراه».

تقسيم العصر الجديد

لم يكن من الواضح دائماً أن عصر ميغالايا يمكن أن يثير هذا المستوى من الجدل. كان الهدف من هذا العصر الجديد مساعدة الجيولوجيين وعلماء المناخ الذين يدرسون تاريخ الأرض لـ11700 سنة الماضية. يضم هذا العصر -الذي يُسمى عصر الهولوسين- تقريباً كل تاريخ الإنسان الحديث ويعتبر ضرورياً لدراسة التغير المناخي المعاصر.

غير أن ما يثير استياءً كبيراً لبعض العلماء هو أن عصر الهولوسين ليس مُقسَّماً بوضوح إلى أقسامٍ أصغر. يُصعِّب الالتباس من عملية مقارنة النتائج العلمية؛ فيمكن أن يعتبر باحثٌ أن عام 2000 قبل الميلاد كان «عهداً متأخراً من عصر الهولوسين»، فيما يمكن أن يظن آخر أنه ينتمي إلى «عصر الهولوسين المتوسط». وهكذا شهد عام 2010 تشكيل اللجنة الدولية للطبقات، التي تضع معايير التسلسلات الزمنية الجيولوجية، وهي لجنةٌ لفضّ الاشتباك حول هذه المشكلة من خلال تقسيم عصر الهولوسين إلى ثلاث مددٍ زمنية فرعية.

وبعد سنواتٍ من النقاش والمناظرات، انتهت اللجنة من وضع هذه التقسيمات الجديدة في يوليو/تموز هذا العام. إذ قالت إن «عصر الهولوسين المتأخر» ربما قد بدأ مع قدوم الجفاف الكبير قبل 4200 سنة. ونظراً إلى أن أوضح السجلات حول هذا الحدث العالمي من الجفاف تأتي من النوازل البلورية في ولاية ميغالايا في الهند، يمكن أن يطلق على هذه المدة «عصر ميغالايا».

أكثر تغير مناخي ابتليت به البشرية

تقترح الورقة البحثية الصادرة في يوليو/تموز أن العصر الجديد وصف الجفاف الكبير الذي حدث سنة 2200 قبل الميلاد بأنه «واحدٌ من أوضح الأحداث المناخية» التي ابتُلِيَت بها البشرية منذ نهاية العصر الجليدي. إذ يمكن استيضاح الأمر من خلال جولةٍ على خريطة عالمٍ يمر بكارثةٍ وقعت عام 2200 قبل الميلاد تقريباً: ففي مصر يبدو أن المملكة القديمة «قد انهارت» بعد تأخر فيضان النيل. وفي بلاد الرافدين، تفتَّتت الإمبراطورية الأكدية، بسبب كارثة «ارتبطت بتحمض فجائي». وقد هجر الناس المدن والبلدات في بلاد الشام.

وفي باكستان الحالية، تحولت حضارة الهارابان، التي ازدهرت من قبل في وادي السند، إلى «مجتمعٍ ريفي ما بعد حضري». وفي الصين، انهارت عديدٌ من ثقافات العصر الحجري الحديث. إضافة إلى أن المستوطنات التي كانت متمركزة حول نهر يانغتسي والنهر الأصفر انحدرت انحداراً شديداً.

مصر القديمة: الطعن في الافتراضات

يشكك ميدلتون تقريباً في جميع هذه النتائج. لنضرب مثالاً بمصر. يكتب ميدلتون أن الفرعون فقد سلطته خلال هذا العهد، لكنه يذكر أن هذا يعزى إلى التغيرات البيروقراطية. ويضيف: «لم يكن هناك أيُّ اضطرابٍ في الحضارة المصرية، ولا عصر ظلام، ولا مجاعة كبرى وموت».

يطعن فايس مباشرة في صحة بعضٍ من هذه المزاعم. فقد قال في رسالة بريد إلكتروني: «إن المعالم الكبرى للمملكة القديمة، والمقابر الملكية الهرمية توقفت لتُبنى بعد الجفاف الكبير. انتشرت الحكومة المركزية في المحافظات. وتقلَّص فيضان النيل تقلُّصاً كبيراً؛ ومن ثم (تقلَّصت معها) الإيرادات الزراعية للمملكة القديمة للفراعنة وأعمال تشييد الأهرمات الخاصة بهم».

قال بيتر دير مانويلان، أستاذ علم المصريات في جامعة هارفارد، الذي لم يكن مرتبطاً بأي من الجهود المؤيدة أو المعارضة لنظرية عصر ميغالايا: «لا أعتقد أنك قادرٌ على الإشارة إلى المناخ فقط لتقول إنه تسبَّبَ في انهيار المملكة القديمة. كان هناك تغيرٌ أيضاً في الملكية، والبيروقراطية، والعوامل الاقتصادية، وأيضاً هذا الجفاف العام (الذي ضرب البيئة). يستند بعض الأشخاص أكثر إلى (أسباب) المناخ، ويستند آخرون أكثر إلى (أسباب) الاقتصاد أو الملكية».

لكنه اتفق على وجود «بعض التشتت قطعاً» في المملكة القديمة عام 2200 قبل الميلاد تقريباً. وأضاف دير مانويلان: «لكن الظن في هذه الأيام أنها لم تكن فوضى سياسية، وانهيار تام، وفوضى، ومجاعة».

هل كانت نهاية الفراعنة بسبب التغيرات المناخية الكبيرة؟

هل كان القرن 23 قبل الميلاد مدمراً للإنسانية؟

يتبنى ميدلتون وجهة نظر متشككة تجاه الفكرة التي تشير إلى أن القرن الثالث والعشرين قبل الميلاد كان مدمراً على نحو خاصٍ للمجتمع الإنساني. فقد كتب في رسالة بريد إلكتروني أرسلها إليّ: «أعتقد أنه إذا نظرت إلى مدة قرنين من الزمان، فمن المؤكد أنك ستجد عديداً من التغييرات والأشياء التي يقول عنها العلماء المعاصرون إنها انهيار (وهي ليست مفيدة بالضرورة). يفصلنا قرنان عن حروب نابليون، ولنأخذ أي 200 عام من اليونان القديمة أو الكلاسيكية أو أوروبا المعاصرة لنرى إلى أي مدى يتغير العالم بطرق مختلفة».

بيد أنه رفض أن يقول ما إذا كان من الواجب إعادة فحص عصر ميغالايا. فقد أخبرني قائلاً: «يمكن أن يكون عصر ميغالايا موجوداً على صعيد التقسيم الطبقي، وذلك يقرره الجيولوجيون في نهاية المطاف. ونظراً إلى أنه عتبة لثقافات بشرية، من حيث علم الآثار، يبدو عصر ميغالايا لي أنه مشكوك فيه، بل أنه بلا مغزى».

انتقادات للدورية العلمية الشهيرة

أخبرني ووكر، الأستاذ الجامعي الذي قاد الفريق المسؤول عن فكرة عصر ميغالايا، بأن «السجلات الأثرية ليست ملائمة أيَّما كانت» من أجل المساعدة في تأسيس عصر جديد. إذ قال إن الجفاف الكبير الذي حدث قبل 4200 عام هو الحد الزمني المهم، مضيفاً: «لا يمكنني استيعاب السبب الذي دعا مجلة Science، التي يُفتَرَض أنها مجلة رائدة للعلوم العالمية، أن تنشر مقالاً لم يخضع لبحث كافٍ كهذا».

أُتيح نشر مقال ميدلتون في مجلة Science باعتباره «وجهة نظر» مقتضبة من صفحتين. قالت متحدثة باسم المجلة في بيان لها إن المقالات التي على شاكلة مقال ميدلتون «تُفحَص من جانب هيئة مراجعة تحريرية (وهي مجموعة خارجية من العلماء المتمرسين) التي لديها خبرة في الموضوعات ذات الصلة، فضلاً عن المحررين العاملين في مجلة Science الذين يتعرضون لأوراقٍ بحثيةٍ في الموضوعات ذات الصلة».

وأضافت أن ما يرشح المقال ليشكل وجهة نظر هو دعوة ميدلتون الموجهة إلى «علماء الآثار من أجل السعي وراء مزيدٍ من التعاون بين التخصصات والنشر في المجلات العلمية؛ كي تكون تقييماتهم بيِّنةً أمام الحوار الأوسع، ومن أجل إخضاعها لمزيد من التقييمات».

نزال علمي بلا حل

وحتى إذا لم يطالب نقد ميدلتون إحداث أي تغيير على نظرية عصر ميغالايا، فإنه يشير إلى نزالٍ علميٍ لا يزال دون حل. ومثلما كتبت في وقتٍ سابق من هذا العام، فإن العلماء والباحثين المتخصصين في الاقتصاد والعلوم الاجتماعية لا يتفقون في الوقت الحالي حول ما إذا كانت التغيرات المناخية تزيد أم لا من فرص حدوث حربٍ وانهيارٍ مجتمعيٍ. يميل العلماء والباحثون الأوروبيون إلى التشكيك في مثل هذه العلاقة، فيما يؤكد عليها على الجانب الآخر العلماء والباحثون الأميركيون في أغلب الأحوال.

قال سيمون دالبي، أستاذ الاقتصاد السياسي في كلية Balsillie للشؤون الدولية الذي يشكك في ارتباط المناخ بالصراع: «منذ عقد من الزمان، كان عنوان كتاب جارد دايموند هو Collapse (الانهيار). غير أن قراءته بعناية تشير إلى أن عديداً من المجتمعات في واقع الأمر نجت على نحو لافت أمام المحن البيئية». وأضاف أن القرون القليلة القادمة «يُرجَّح أن تكون أقل مواتاة للازدهار الإنساني من القرون القليلة الماضية، لكن البشرية سوف تنجو ما لم تتفشَّى بعض الأمراض الكبرى».

The post هل كانت نهاية الفراعنة بسبب الجفاف الكبير الذي ضرب الأرض قبل 4000 عام؟ الجيولوجيون يتنازعون حول انهيار الحضارة appeared first on عربي بوست — ArabicPost.net.

قد يعجبك ايضا

اترك رد