مابريس – مولاي عادل الحصار – سفيان عالم العلمي
الشيخ والفنان العبدي عبد الدايم ولد الضو، ابن منطقة سبت جزولة ازداد سنة 1965 بأسفي واحترف في ميدان الطعريجة منذ سنة 1983 (له أربعة أبناء)، ويعتبر أحد رواد الإيقاع العيطي. صاحب الكثير من شيوخ العيطة ومجموعاتها الفنية كالشيخ الحلاوي، وامبارك الجمل، والشيخ الدعباجي، والشيخة عيدة، وأيقونة العيطة الشيخة فاطنة بنت الحسين، فضلا عن الشيخ الستاتي عبد العزيز ومجموعة شيوخ العيطة الحصباوية برئاسة الشيخ جمال الزرهوني.
يحتفظ الفنان عبد الدايم في متحفه الخاص بـ 51 طعريجة من كل الأصناف والأنواع والألوان، ويعتبرها كنزا ثمينا يؤرخ لمشواره الفني، ولكل واحدة منها حكاية ودلالة تراثية وفنية، حيث صرح لـ«الوطن الآن» بأنه يفضل صناعة آلاته الإيقاعية (الطعريجة) لوحده من خلال اختيار أجود الجلود بعد صقلها ودباغتها بطريقته الخاصة والمميزة (جلد الماعز والغزال).
وفي حديث شيق مع مايسترو الإيقاع العيطي بامتياز أكد أن «طعاريجه» المحبوبة تصدر رنينا شبيها بذبذبات موسيقية تتقاسم مع دقات قلبه الدم والروح، ويحس أثناء العزف على أنها جزء من ذاته وعضو أساسي من جسمه، حينما يضمها لصدره و تلتصق على ذراعه مستسلمة لنقر أنامله اللطيفة التي تنبع منها كل إيقاعات العيطة (لبطايحي ولكباح/ المدسوس ولمجرد/ الحمدوشي والمسموكي/ الهواري والروداني/ العيطي بكل تفرعاته…). واعتبر عبد الدايم أن الطعريجة مكون أساسي وملزم للإيقاع العيطي الحقيقي، وهي بمثابة زوجته الثانية التي يغضب عليها في أوقاته العصيبة ويخاطبها بلطف في أحيان كثيرة، يقلق ولا ينفر منها قطعا، يتواصل معها ليل نهار ويلمس طينها صباح مساء وينقر على جلدها كلما احتاج للتواصل معها في خلوته، دائمة الحضور في باله، حيث يقيم لها طقوسا خاصة لا يجيدها إلا هو وهي، وبدونها لا يستقيم لا العزف ولا الغناء العيطي لأنها بمثابة «الأم» الحاضنة لأبنائها…. هي الحياة، هي الحركة، هي الكواد، ومايسترو المجموعة وسائقها الخاص…. وبحضورها تتفتق عبقرية الشيخ العازف والشيخة الطباعة والناظمة.
عبدالدايم «المسكون» والمهووس بالطعريجة والإيقاع العيطي عن ذكرياته مع «الطعريجة»
أكد عبد الدايم أنها كانت سببا رئيسيا في سفره إلى القارات الخمس، وأدخلته إلى البيت الأبيض الأمريكي سنة 1995-1996، فضلا عن سفره إلى عدة دول عربية وخليجية.
وعن تطلعاته وآماله أكد الشيخ عبد الدايم أنه يتوق إلى إقامة معرض خاص بـ «الطعريجة» بكل أشكالها وأحجامها وألوانها، للتعريف بها كآلة إيقاعية فرضت نفسها منذ القدم داخل كل الأنماط الفنية والغنائية، ورد الاعتبار لها كمكون أساسي داخل مجموعات شيوخ العيطة، حتى لا يتم تغييبها وانقراضها أمام هجمة الآلات الإليكترونية الشرسة، وعلبة الإيقاعات المستنسخة، فضلا عن رد الاعتبار للصانع المغربي التقليدي الذي يتقن فن وصناعة الطعريجة بالعديد من المدن المغربية كأسفي والجديدة وأزمور وتارودانت ومراكش..
الشيخ جمال الزرهوني
أحسن طعايرجي بالمغرب
أكد للشيخ جمال الزرهوني على أن المبدع الشيخ عبد الدايم يعتبر أحسن طعايرجي في المغرب، لذلك اختار أن يلقبه بالمايسترو دون منازع ، والدليل في ذلك أنه يشتغل مع شيوخ الميزان الحي، حسب قوله، ويعتمد عليه داخل المجموعة العيطية في ضبط الإيقاع والميزان ، مستحضرا تاريخه الفني واشتغاله مع العديد من رموز العيطة سواء الشيوخ أو الشيخات.
وشبه الشيخ جمال الزرهوني العيطة بالبقرة (الرازمة) المنهكة الجسد والتي تحتاج إلى (لعوين) تعاون العديد من الأشخاص لتنهض ويستقيم جسدها، معتبرا الإيقاع العيطي هو أحد ركائز النهوض. وأكد الزرهوني على أن عبد الدايم يرجع له الفضل في ضبط مجموعة من الإيقاعات المرتبطة بالعديد من الأغاني التي سجلها مع جمعية شيوخ العيطة بأسفي كعيطة (كاسي فريد، بين الجمعة والثلاث، غزيل، السبتي مولى باب الخميس، خويتمو في إيديا وحكامو عليا، الحداويات الريصانية، الحصبة، خربوشة….)، مؤكدا أن عبد الدايم عضو أساسي ضمن أعضاء سمفونية لوتار ويشتغل حاليا على تمارين مع شيوخ العيطة بأسفي على عيطة سيدي حسن.
هذا واعتبر جمال الزرهوني أن مدرسة العيطة التي سيتم إحداثها بشراكة مع بعض المؤسسات بأسفي ستحتضن الفنان عبد الدايم كأستاذ لتلقين فن الإيقاع العيطي على اعتبار أن فن العيطة في حاجة ماسة إلى الخلف بعدما بدأ يتقلص رواده بشكل ملحوظ .
الشيخ عابدين الزرهوني عبد الدايم..
إنسان مرهف وكريم
لا يمكن الحديث عن الإيقاع والطعريجة دون أن نستحضر الشيخ عبد الدايم العبدي، حسب عابدين، لأنه من الأوائل الذين مارسوا الفن والتصقوا بالحرفة والصنعة على مستوى الإيقاع العيطي ومنحها كل ما يملك من أحاسيس إلى درجة التملك، بل يؤكد عابدين أنه هو الذي أدخل العديد من التقنيات الإيقاعية وطور إيقاع الطعريجة. الدليل هو اعتماد إيقاعاته المتطورة والمنظمة من طرف كل الاستوديوهات التي تشتغل في مجال ترويج الأغنية الشعبية، مضيفا أنه يتقن ويتفنن في كل الميازين والإيقاعات المغربية التي جعلته فنانا مشهورا يقرن اسمه باسم الطعريجة.
في نفس السياق تحدث عابدين عن عبد الدايم الإنسان المرهف الحس والكريم والاجتماعي الذي يسأل عن أصدقائه في الحرفة والصنعة، ويصل الرحم مع الجميع ويبادر في جمع التبرعات لفك كل ضائقة ألمت بفنان من طينته، معتبرا إياه فردا من أفراد أسرة جمعية شيوخ العيطة بأسفي وعضوا من عائلة الزراهنة التي تربطها معه علاقة فنية خالصة.
وفي ختام شهادته عن المايسترو عبد الدايم طالب من كل الجهات العاملة في ميدان الصحافة والإعلام والإذاعة والتلفزة بضرورة تكريمه والتعريف بمشواره الفني وتشجيعه وتحفيزه.
الشاعر إدريس بلعطار
عسر الإيقاع العيطي الحصباوي
حسب تصريح الشاعر إدريس بلعطار، ابن منطقة أحمر لـ«الوطن الآن»، فإن تعريف الطعريجة بلغة محترفي الإيقاع العيطي هو (لبجيقة)، معتبرا شيخ الإيقاع على آلة الطعريجة كـ «كواد» وسائق محترف يقود أعضاء الفرقة بشكل منضبط، ويحرص على عدم الوقوع في المحظور، مؤكدا أن الإيقاعات الحصباوية تتسم بالصعوبة والعسر في الإيقاع والعزف والأداء والتلقي، ملوحا بالدور الرئيسي لصاحب الطعريجة، مستحضرا مثال (إيقاع الأم) المصاحب لمجموعة من الأغاني العيطية، مشبها إياه بالأم التي يجب أن تحتضن أبناءها ولا تفريط فيهم.
وفي هذا السياق أشاد الشاعر الزجال إدريس بلعطار بالشيخ عبد الدايم كنجم وأستاذ للإيقاع العيطي بالطعريجة، وكأحد أهرامات الإيقاع العيطي، دون أن يغفل الحديث عن الشيخ الطعايرجي بلعيد عضو مجموعة عبيدات الرمى أولاد إبراهيم من منطقة أحمر، والذي كان حسب تعبير السي إدريس مايسترو الطعريجة بالمغرب.
الشيخ محمد العكبة
الفنان عبد الدايم هرم من أهرامات الإيقاع
أكد الشيخ محمد العكبة من مدينة الجديدة أن الفنان المبدع عبد الدايم يمتاز بخصاله الطيبة وسعة صدره، ووارث سر إيقاعات الفن الشعبي المغربي الأصيل بعدما تشبع من ينابيع أجود وأمهر شيوخ العيطة عبر ربوع المملكة (المرساوي، الحصباوي، الزعري…)، فضلا على أنه يعتبر هرما من أهرام الأغنية التراثية الشعبية. وأضاف أن عبد الدايم يحرص على تقديم النصح والإرشادات إلى كل أعضاء الفرق الغنائية التي يشتغل معها من أجل تحسين وتكامل جودة العزف والإيقاع والغناء، مؤكدا أنه يتمتع بحس وأذن موسيقية متميزة وله دراية صحيحة بكل أنواع الإيقاعات الشعبية المغربية من طنجة إلى لكويرة، ويرجع الفضل في ذلك إلى تتلمذه على أيادي شيوخ العيطة الأوائل، فضلا على قيامه بجولات عبر ربوع الوطن للاطلاع على الجديد والتشبع بالموروث التراثي داخل كل المجالات الجغرافية وألوانها الغنائية المصحوبة بإيقاعات مختلفة والنبش في متونها.
ذ. محمد خراز، مدير المهرجان الوطني لفن العيطة بآسفي
عبد الدايم أسس لمرحلة جديدة لمساره الفني
الفنان عبد الدايم هو فعلا مايسترو إيقاعات العيطة بكل أنماطها التسعة، لذلك كانت استضافته خلال الدورة الثانية عشرة لمهرجان العيطة لإبراز مؤهلاته الفنية مع مجموعته الخاصة التي شكلها آنذاك، حيث قدم للجمهور عروضا فنية غاية في الروعة، مخلفا طيب الأثر لدى المتتبعين والباحثين وفي مقدمتهم الدكتور حسن نجمي والباحث سالم اكويندي، معتبرا الرجل بحضوره الوازن وسط كل المجموعات الفنية التي اشتغل معها طيلة مساره الفني يتفرد في التعاطي مع الطعريجة وإيقاعاتها المتعددة الروافد وأصولها الجغرافية، وقيمة مضافة ونوعية للإيقاع المغربي. فكل المجموعات الشعبية الجادة لا يكتمل شرط أدائها الفني بدون حضور الشيخ عبد الدايم على مستوى الإيقاع، واستحضر المسؤول عن المهرجانات بوزارة الثقافة الأستاذ محمد خراز مشوار عبد الدايم الفني مع مجموعة الشيخ ولد أمبارك لخريبكي الذي يكاد يكون لصيقا به في أداء العيطة الزعرية وأنماط غنائية أخرى تعرف بها جهة الشاوية ورديغة.