مؤسسة “عابد الجابري” للفكر تتوقَّع ملامح المغرب ما بعد أزمة “كورونا”
تمحورت وجهة نظر قدمتها مؤسسة محمد عابد الجابري للفكر والثقافة، حول رؤيتها لمستقبل المغرب بعد تجاوز أزمة جائحة كورونا التي خلطت أوراق كل الدول وأرغمتها على مراجعة حساباتها، ووضع مخططات مستقبلية لوضع جديد سيكون ولا شك مغاير للوضع الحالي.ومهّدت مؤسسة عابد الجابري لتصورها حول مرحلة ما بعد كورونا، بالإشارة إلى أن الوضع العام بالمغرب قبل وصول الفيروس إلى المملكة كان متّسما بالتخبط، تجلى في متاعب اقتصادية حقيقية، واحتقان اجتماعي، وتراجع مستوى الحقوق والحريات العامة، وتخبط سياسي، وضياع على المستوى الثقافي.
وأشارت المؤسسة إلى أن التخبط السياسي كان ينذر بمخاطر ناجمة عن تفكيك الحياة السياسية وتمييعها، علاوة على تتابع الحراكات “المنذرة بانفجار قد يباغت الجميع، حيث كانت الآفاق تنسد يوما بعد آخر حتى جاء الوباء وخلق جوا جديدا نجمت عنه دينامية جديدة بمنطق آخر وأولويات أخرى”.
وتساءلت المؤسسة التي تحمل اسم أحد أبرز رموز الفكر في المغرب المعاصر: “هل تدخل جائحة كورونا في باب “رب ضارة نافعة”؟، متوقّعة أن يكون الجواب عن هذا السؤال بالإيجاب، لوجود مؤشرات دالّة برزت مع الجائحة، ذلك “أنّ أجواء التراجعات والاحتقان الذي ميّز ما قبيل كورونا قد تراجعت عموما، لفائدة ذهنية وتقديرات وسلوكات ومشاعر إيجابية أخرى، في مقدمتها سلوكات التضامن الوطني ومشاعر المشاركة الوجدانية”.
المناخ الجديد الذي حتّمه الوباء العالمي، ساعد على تقدم السلوكات والمشاعر الإيجابية، من جهة، وتراجع أجواء التوتر من جهة ثانية، كما ترى مؤسسة عابد الجابري، لافتة إلى إن الإجراءات التي اتخذتها مؤسسات الدولة، أيا كانت نقائصها، وتعامل السلطات العمومية مع جائحة كورونا، “تنِمّ عن الشعور بالمسؤولية وعن حد من الذكاء واليقظة وإدراك أهمية العمل الاستباقي في مواجهة الملمّات”.
هذا الجو المشوب بالتفاؤل يستبطن سؤالين طرحتهما مؤسسة عابد الجابري، الأول يتعلق بمدى الاستعداد لتمثُّل أهمية العمل الجماعي وفائدة مشاركة كل القوى الوطنية في مواجهة التحديات؟ والثاني يرتبط بالقدرة على الانتباه إلى عمق الأزمة التي بلغها المغرب قبيل كورونا، وإدراك “أننا أمام فرصة تبعدنا عن الخطر بُعيد كورونا”.
وإذا كان الطرف المعني بالإجابة عن الاستفهامين المذكورين، في المقام الأول، هو الدولة ومؤسساتها في المقام الأول، فإنهما مطروحان أيضا على كل القوى الوطنية كذلك، وفق تصور مؤسسة عابد الجابري، مؤكدة “أن الجميع معني بمصير البلد وبمستقبله، وأن الجميع معني، كل حسب موقعه، مؤسسات ونخبا وأحزابا سياسية ومنظمات نقابية وجمعيات المجتمع المدني وعموم الشعب”.
وللانتقال من الوضعية التي كان فيها المغرب قبل أن تزحف جائحة كورونا على العالم، إلى وضعية أفضل، نوهت مؤسسة عابد الجابري إلى أن ما يجري الآن يؤكد صحة نظرية كون النموذج التنموي البديل، “ينبغي أن يرتكز بالضرورة على بناء “كتلة تاريخية” تتصدى لمهام إعادة بناء الدولة والمجتمع”، مبرزة أن الكتلة التاريخية ينبغي أن تكون نقطة بداية التأسيس للمرحلة الجديدة.
وذهبت المؤسسة إلى القول إن الكتلة التاريخية “تستطيع أن تشكل جوابا استثنائيا على وضعية استثنائية تعيشها الدولة والمجتمع”، داعية إلى أن تتم بلورة جواب الوضعية الاستثنائية الحالية بمقاربة تشاركية تضمن مشاركة الجميع لوضع معالم ومشروع مرحلة ما بعد كورونا، متوقعة أن يحالف النجاح هذا المسعى “إذا صدقت النيات وتوحدت الإرادات من أجل بناء ديموقراطية حقيقية تجعل الدولة في خدمة المجتمع”.تحقيق هذا الهدف، بحسب تصور مؤسسة عايد الجابري، ينبغي أن يبدأ بـ”خطوة يمكن أن تكون عربونا لإرادة سياسية جادة في فتح هذا الأفق، وهي إقدام الدولة على تنقية الأجواء بالإقدام على إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الحراكات الشعبية لتمتين الثقة وتعزيز التضامن الوطني الذي تبلور مع جائحة كورونا”.