يواصل المغرب طموحه في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، عبر الاستثمار في البنوك والاتصالات وفتح أسواق تجارية لمنتجاته، ويقود هذا التوسع الملك محمد السادس، الذي زار ما لا يقل عن 14 دولة إفريقية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2016.
حسب تقرير The Economist البريطانية، تُولي الشركات المغربية اهتماماً كبيراً بغرب إفريقيا. وتفيد تقديرات البنك الإفريقي للتنمية بأنَّ 85% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة المغربية تذهب إلى دول إفريقيا جنوب الصحراء. وتتخلف التجارة عن هذا التوجه، لكنَّها آخذة في النمو أيضاً؛ إذ زادت صادرات السلع المغربية إلى غرب إفريقيا بمقدار 3 أضعاف في الفترة من 2006 إلى 2016. ويصطحب الملك وفوداً تجارية كبيرة خلال جولاته الإفريقية الطويلة، التي تشهد عادةً توقيع عددٍ كبير من الصفقات مع مضيفيه.
تقرير The Economist يرى أنه من الأسهل بالنسبة للمغرب تكوين تحالفات في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء أكثر من الدول المجاورة له؛ إذ يعيق التنافس طويل الأمد مع الجزائر التكامل الإقليمي بين دول المغرب العربي. وبعد ضغطٍ مكثف، أُعيد ضم المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، ما أنهى غياباً دام 32 عاماً.
وكان المغرب قد انسحب من الاتحاد الإفريقي عام 1984 بعد اعتراف الاتحاد بالصحراء الغربية كدولة عضو، وهي التي يقول المغرب إنَّها جزءٌ من إقليمه.
وفي ظل دراسة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) حصول المغرب على عضوية المجموعة، تواصل الرباط حملتها لتحسين صورتها ومحاولاتها لكسب التأييد؛ إذ تبرعت بنحو 25 ألف طن من الأسمدة لغينيا ودرَّبت 300 إمام مسجد من مالي.
وعلى الصعيد الاقتصادي، يقول إسكندر العمراني من مجموعة الأزمات الدولية، وهي مركز بحثي في بروكسل: إنَّ ارتباط المغرب بغرب إفريقيا يسمح له بتنويع شراكاته بعيداً عن تركيزه التقليدي على أوروبا. ورغم صعود المغرب كمركز تصنيع منخفض التكلفة للشركات الأوروبية، تكافح الشركات المغربية للمنافسة في أوروبا، لكنَّها تستطيع الازدهار في غرب إفريقيا.
شركات اتصالات وبنوك
وتقود شركات التأمين والاتصالات والبنوك المغربية جهود الاستثمار في الدول الإفريقية؛ ففي عام 2015، شكَّلت هذه القطاعات نحو 88% من حجم الاستثمار الأجنبي للبلاد في دول إفريقيا جنوب الصحراء. وتمتلك أكبر 3 بنوك مغربية حوالي ثلث الحصة السوقية في الثماني دول التي تستخدم الفرنك الإفريقي في غرب إفريقيا. ولدى بنك التجاري وفا، أكبر البنوك المغربية، 443 فرعاً في غرب إفريقيا.
وحصلت شركة اتصالات المغرب، أكبر شركة اتصالات في البلاد، على 43% من إيراداتها خلال العام الماضي 2017 من فروعها في المنطقة. ويأمل المغرب أيضاً استضافة المقرات الإقليمية للشركات الغربية العاملة في إفريقيا. كما أسس مركزاً مالياً في عاصمته الاقتصادية الدار البيضاء، وقدَّم تخفيضات ضريبية كعامل جذبٍ للشركات. وستُساهم عضوية المغرب في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا في مد نفوذه أكثر عبر هذه المنطقة. وستحصل السلع الواردة من المغرب إلى الدول الأعضاء في المجموعة على إعفاءٍ من التعريفة الجمركية المشتركة في المنطقة.
المغرب وحدود نفوذه
لكنَّ محاولة المغرب الانضمام إلى المجموعة كشفت عن حدود نفوذه؛ إذ كان كل شيء على ما يرام حتى يونيو/حزيران الماضي، عندما وافقت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا «من حيث المبدأ» على انضمام المغرب. لكنَّ شركات غرب إفريقيا كانت أقل حماسةً تجاه الفكرة، خوفاً من أن تسحقها الشركات المغربية المنافسة.
وفي نيجيريا، أكبر اقتصادات المجموعة، كانت حدة الانتقادات هي الأعلى؛ إذ يخشى كثيرون هناك من استفادة المغرب من اتفاق التجارة الحرة وتملّصه في الوقت ذاته من تطبيق قواعد أخرى مثل السفر بدون تأشيرة. ويبدو أنَّ تطبيق قرار انضمام المغرب قد توقَّف حالياً. وتجنبت المجموعة الاقتصادية الحديث عن الموضوع في قِممها الأخيرة.
وما زالت المملكة تأمل في شق طريقها صوب هذه المنطقة باستخدام سحرها؛ فخلال الزيارة الأخيرة للرئيس النيجيري بخاري إلى الرباط، اتفق مع الملك على بناء خط أنابيب غاز من نيجيريا إلى المغرب. لكن لا توجد مصادر تمويل لهذه الخطة، ومدى جدواها الاقتصادية محل شك.
ومع كل استثمارات المملكة في غرب إفريقيا، لم يجنِ المغاربة العاديون ثمار هذا الاستثمار بعد؛ إذ لا تُولِّد استثمارات شركات الاتصالات والبنوك في الخارج الكثير من الوظائف داخل المغرب.
وفي الوقت ذاته، تفيد تقارير بأنَّ نسبة البطالة بين الشباب في الحضر تبلغ 43% وأصبحت منطقة الريف شمال المغرب ساخطةً. وقبل أن يُخطط لجولته التالية في غرب إفريقيا، ربما يحتاج الملك كثيرُ الأسفار إلى التعامل مع المشكلات المحلية أولاً.
اقتراح تصحيح