لكنها مطلقة
حكت له عن قريبتها المطلقة التي تعاني بسبب عنف إخوتها وكلام الناس عنها في الحارة والقصص الخيالية التي نسجوا عنها وعن سبب طلاقها، وأنها لا تخرج مطلقاً إلا رفقة أحد ذكور المنزل، وأنها لا تذهب إلى الحمام التقليدي بل تستحم في المنزل صيف شتاء وأنها لم تخرج من منزلها وحيدة قط منذ أن طلقت بعدما عنفها زوجها وكسر بعضاً من أسنانها وضلعها وكاد أن يقتلها لولا تدخل الجيران والشرطة، لتخسر جنينها وتشفى بعد أربعة أشهر من العلاج الفيزيائي والنفسي.
تأثر كثيراً لهذه القصة الحزينة وأعرب عن أسفه الشديد لكونه لا زال يعيش في مجتمع بهذه العقلية، خصوصاً أن الشابة تزوجت عن سن السابعة عشرة ولا تملك أي دبلوم يؤهلها لمواكبة الركب والاستقلال بذاتها لاسيما أنها لم تتجاوز الرابعة والعشرين بعد.
سكتا برهة، ثم سألته: «هل فكرت يوماً في احتمال الزواج من فتاة مطلقة؟»، أجابها: «لا. عندي يقين أنني سأكون أول رجل في حياة زوجتي، أنا لا أكره المطلقات ولا أحقد عليهن. لكنني لن أتزوج مطلقة».. سألته: «ولو أحببتها؟»، أجابها: «ولو.. لكني لن أتزوج مطلقة ولن أحبها في الأصل.. هل تستطيعين أن ترتدي معطفاً سبق لفتاة غيرك ارتداؤه؟».
«لكنها امرأة وليست معطفاً. هي روح وكيان وتجربة وقلب ومعاناة والعديد من الأشياء التي لن تروى. هي إنسان وليست معطفاً. الطلاق ليس خطيئة تلطخ بالعار صورة المرأة وحدها دون الزوج ودون المجتمع».
«ولو. إنها قناعة شخصية لن يثنيني عنها أحد».
«ماذا لو صارت أختك مطلقة يوماً من الأيام؟».
«أختي لن تطلق لأنها تلقت أحسن تربية في بيتنا».
«هذا يعني أن نظرتك كل النساء المطلقات لم يتلقين تربية حسنة من أهلهم؟».
«لا أدري. لكن لن أتزوج مطلقة».
بعد علاقة دامت أربع سنين افترقنا
هل كان السبب مقنعاً؟
والداه لم يتقبَّلا فكرة أن يتزوج ابنهما بفتاة تزوجت وطلقت من قبل. كنت متزوجة على الأوراق فقط. لم يلمسني زوجي السابق قط.
ولماذا تبررين؟ لقد كان زوجك. حلالك. هل تظنين أن قيمتك ستنزل درجات إن لمسك؟ وكأنك سلعة رخيصة أو سيارة تفقد ربع أو نصف ثمنها إن امتطاها صاحبها ولو لفترة قصيرة؟
نعم صحيح. خاطري مكسور ولن يجبر. ذهبت إلى أمه كي أحاول إقناعها، قالت لي بالحرف إن ابنها هو أغلى ما عندها وأنها لن تسمح له بالزواج من مطلقة
ماذا عنه هو ؟ لم يقاوم رفض والديه؟
بلى. لكنهما خيّراه بيني وبين رضاهما
و..؟
لم أستطع تحمل رؤية الحزن بادياً عليه فرحلت عن حياته. لم يكن بودّي أن أشتت الشمل. سيجد امرأة أخرى يحبها لكن لن يجد رضى والديه في مكان آخر.
استسلمتما بتلك السهولة؟
لم يكن أمامنا خيار آخر
لم توافق والدته على زواجنا بسبب الفارق الطبقي الكبير بين العائلتين. أبي كان بائع خُضر وكان والده تاجر مجوهرات. كان شاباً يافعاً لم يستطع الدفاع عنا آنذاك.
وماذا بعدها؟
طلب مني أن أنسى كل شيء فتزوجتُ بعد أربعة أشهر.
والآن؟ لا زلت تتذكرينه؟ رغم كل شيء؟ رغم أن لديك ثلاثة أطفال.
نعم كل يوم وكل ساعة وكل ثانية
أليست في نظرك خيانة؟
لا مطلقاً. بعد زواجي كنت أعنف كل يوم من طرف زوجي. كنت أسمع أسوأ العبارات وأعامل أقسى معاملة. طلبت الطلاق وحصلت عليه. لما علم عمر بالأمر بحث عني وطلب مني العفو وتزوجنا. الأطفال الذين ترين أمامك الآن هم أولادنا أنا وعمر.
ماذا عن أمه؟ غيرت رأيها؟
تزوجني رغما عنها لكنها تقبلت الأمر بعد سنة وعلاقتي بها جيدة الآن.
نشب شجار بيني وبين أخي وبعد خطاب قاسٍ جداً وجهه لي. صرخ في وجهي بالحرف: لو كنت وجه خير لما طلقك زوجك، رغم أنه يدري أنني أنا من رفعت قضية الطلاق بسبب الخيانة. لم أستطع الصمود وانفجرت باكية. بعد طلاقي سمعت أبي يقول لأمي: بناقص من خلفة البنات، لا يجلبن سوى العار. لم يتركا للغرباء شيئاً ليقولوه عني. نزلت عليّ قسوة كلماتهما كالحديد المذاب.
كان قلبي ينفطر عند كل مرة أسمع فيها امرأة تقول عني: مسكينة. مطلقة. كنت حينها أرغب في الصراخ في وجهها والقول إني لست مسكينة ولا داعي للشفقة لأنني أحيا حياة أفضل بكثير من تلك التي كنت أعيشها تحت جبروت رجل ظالم يلعنني ووالديّ كل ساعة وحين.
أصر شاب متدين من أسرة محافظة على خطبتي، بحث عن عنواني ورقمي ورقم أبي، اتصل بي وتكلمنا مطولاً، التقينا في مكان عام، لم يمد يده لي لأنه لا يصافح النساء، أخبرني بأنه يريد الزواج مني وأنه يراقبني منذ مدة لغرض شريف. أخبرته بغرض الوضوح بأنني تزوجت زواجاً تقليدياً وطلقت في سن مبكرة.
ماذا كان رد فعله؟
أخبرني بأن الأمر لا يهم ليختفي بعدها بيوم واحد ويعاود الاتصال بعد أربعة أشهر.
ليتزوجك؟
لا. ليسألني إن وقع البناء بيني وبين زوجي السابق. كان ذلك الشرط الوحيد لكي يتزوجني. أخبرني بأن أمه سألته عن إن كنت لا زلت عذراء فاتصل بي ليسأل عن ذلك.
وماذا كان جوابك؟
قلت له إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قُدوته لم يكن ليطرح هذا السؤال على امرأة أراد الزواج بها علماً بأن معظم زوجاته كن أرامل أو مطلقات. لم أجبه عن سؤاله. رجل يختزلني في ذلك الأمر لا يغريني أن أكمل حياتي معه. لا يستحق.
عدت يوماً إلى المنزل لأخبر أمي بأنني أريد التقدم لخطبة فتاة. فرحت بالأمر. أخبرتها من باب الإعلام بأنها مطلقة ولديها طفل عمره سنة فانتفضت وشرعت في البكاء. تفاجأت كثيراً، خصوصاً أن أختي الكبرى تزوجت للمرة الثانية مباشرة بعد طلاقها، وأن خالي -أخوها- متزوج من أميركية لديها طفلان، ذكرتها بالأمر وبأن أختي وزوجة خالي لم تفقدا من قيمتهما قيراطاً بعد طلاقهما. سكتت لبرهة وتقبلت الأمر بعدها.
«مطلقة» نعت قدحي في نظر الكثيرين، يتجنبه الناس لما فيه من شبهة. شابات من المفترض أن يكن «واعيات» يتحسرن على زواج الممثل المصري عمرو يوسف من كندة علوش «المطلقة» والتي تكبره سناً، لأنه في نظرهن يستحق فتاة أصغر سناً لم يطأها إنس ولا جان من قبل.
شباب يتحينون الفرصة للإيقاع بـ«مطلقة» لأنها «سهلة المنال» في نظرهم، يقضون منها وطرهم ويرحلون للبحث عن عذراء صالحة للزواج والإنجاب لا تحمل مرض «الطلاق» الفتاك، آباء يفرضون على بناتهم البقاء في بيت زوجية تنعدم فيه الرحمة والمودة فقط كي لا تحملن وصف «مطلقة» ويمرغن صورة العائلة في الوحل.
عاهات وتقاليد تجثم بثقلها على أمة من مشرقها حتى مغربها -مع استثناءات قليلة- لتكرّس دونية المرأة المُطلقة عن غيرها في مجتمع يدين بدين العُرف ويخشى القيل والقال أكثر مما يدين بدين إنساني حلل الطلاق وكرّس مفهوم اليسر بدل العسر.
هي إنسان يرتكب الخطأ والصواب، كيان مستقل بذاته وحزمة من الأحلام والمشاعر والطموح.. وليست «لكنها مُطَلّقة».
الجزيرة نت
The post لكنها مطلقة appeared first on عربي بوست — ArabicPost.net.