لا يريد سوى جسدي.. وبصمت!
حين يصبح التواصل بين الزوجين عن طريق الجسد فقط.. مَن المخطئ؟
تردّدت كثيراً قبل كتابة هذا المقال -الساخن- حول بعض معضلات العلاقات الزوجية التي يُعانيها الأزواج في الشرق، لكن التشجيع الذي حظيت به من متابعيّ الأوفياء عندما استشرتهم خلال صفحتي على فيسبوك كان كافياً لتحرير فكري وتسهيل حركة قلمي لرسم الواقع ونقل تفاصيله لكم، علَّنا نتمكن معاً من تمهيد الطريق أمام حلول ممكنة كما فعلنا في مقالاتنا السابقة عندما كتبت لكم عن تحديات المهجر، المهم أن يستمر النقاش والحوار وتبادل التجارب والأفكار لنصل إلى القمة بإذن الله.
من المهم الانتباه إلى أني فرد منكم أعاني كما تعانون، فالأبراج العاجية التي كنا نسمع عنها أصبحت مهجورة لا يسكنها أحد، والفرق بيني وبينكم أني قررت أن أتكلم وأكتب، بينما فضَّل كثيرون الصمت، واكتفوا بالصبر والمشاهدة علَّ المشكلات العالقة تزول من تلقاء نفسها في ليلة مباركة كليلة القدر، وتنقضي ليلة القدر تلو الأخرى من دون أن يزول أي شيء.. بل زاد الوضع سوءاً، والله يعلم أنها لن تزول من دون الخوض فيها والعمل على حلِّها، فزمن المعجزات قد انتهى ولم يعد بيننا أنبياء.
بداية، لا يمكن إنكار القيمة التي يحملها جسد المرأة في وجدان الرجال عموماً والرجل الشرقي خصوصاً، ذلك الجسد الذي يحلم به الذكور منذ سن البلوغ، حتى أصبح تحصيله هدفاً يعملون على تحقيقه في كل يوم وفي كل ساعة، خصوصاً لمَن يؤمن بتعاليم الدين الحنيف الذي يمنع الوصول إلى ذلك الجسد الثمين إلا بعد دفع ثمنه حسب الشرع، وهذه التعاليم نعمة عظيمة لا يفهمها أو يُقدِّرها إلا مَن عاش في بلدان غير إسلامية، وكان عقله ما زال على قيد الحياة لم يذُب في المادة الغربية التي تُبيح كل شيء.
بواقعية مُجرَّدة، أقول إنه لا بد للمرأة العربية مراعاة حقيقة أن الرجل العربي المسلم الذي يخاف الوقوع في الحرام، سيبقى يُرهق زوجته باحتياجاته الجنسية التي لا يمكن أن يقضيها له إلا هي! خصوصاً في زمن الفتن الذي نعيشه اليوم، فالمرأة التي تريد زوجها لها وحدها دون أن يخونها أو يتزوج عليها، يجب أن تدرك أن لهذا الاحتكار ثمناً لا بد لها أن تدفعه!
لكن، هل هذا كل ما يريده الرجل من زوجته؟ إن سألت المجتمع سيقول: «نعم»، وإن سألت الرجل سيقول: «بالتأكيد لا!».
عندما يتم الاقتران في الشرق ويحصل الرجل على ذلك الكنز (جسد المرأة)، تنقسم الحياة الزوجية إلى فئات متعددة، منها:
1- فئة متفاوتة فكرياً وثقافياً وغير متفقة فيما بينها تماماً، ولا يمكنها التواصل بعضها مع بعض إلا من خلال السرير، ليصبح الجسد محور كل التفاهمات.
2- فئة أخرى لا تختلف عن سابقتها، إلا أنها تعاني فقدان كل أنواع التواصل فيما بينها بما فيه الجسدي.
غالباً ما تُعاني هذه الفئات الخَرَس الزوجي أو الاجتماعي، وأنا أعتقد أن لهذا أسباباً من كلا الطرفين، فالمرأة غالباً ما تشتكي بأنَّ جسدها هو كل ما يهم زوجها ولا شيء غيره؛ بل إنه عندما يريد الوصول إلى جسدها.. يأتيها من دون مقدمات أو غنج أو غزل، وكأن عملية التواصل من خلال الكلام أصبحت مهمة شاقة، حتى باتت المرأة تشعر بالإهانة؛ لأن قيمتها في نظر زوجها انحسرت فقط في جسدها، وهذا الشعور مؤلم جداً للأنثى.
عندما تبدأ المرأة بالشعور بأنها أقل من زوجها فكراً وثقافة وعقلاً، يبدأ شعور الدونية يتسلل إليها، ورد فعل النساء تجاه هذا الشعور متفاوت؛ فهناك مَن تستسلم لهذا الشعور حتى يجعلها في الحضيض، وهناك صنف آخر من النساء لديها ما يكفي من الثقة كي تعمل على تطوير نفسها وإثبات أنها تستطيع مواكبة زوجها خارج حدود اللقاء الليلي.
ما يزيد الطين بلة، عندما يتحدث الرجل عن سيدات أخريات أمام زوجته، مادحاً عقولهن وقدراتهن على التواصل مع الناس، فإن لم يكن هناك ثقة وتفاهم بين الزوجين، فسيؤدي ذلك إلى تدمير المرأة من الداخل، خصوصاً إذا كانت ثقتها بنفسها ضعيفة؛ لأنها منذ البداية تشعر بأن عقلها ليس له أي قيمة عند زوجها، والجسد هو المحور الوحيد الذي تدور حوله حياتهم الزوجية.
بداية عزيزتي الأنثى، لن أدَّعي أني أملك حلاً لتلك المشكلات، لكن دعيني أخبرك بأمر هام عن الرجل وعقله واحتياجاته، ربما لم يُخبرك به أحد! فعلى الرغم من جمال جسدك ودقته وروعة تصميمه، فإنه ليس هذا كل ما يحتاجه منك الرجل، فهناك أمور أخرى لا تقل أهمية عن وجهك الحسن وجسدك الناعم، ولا أبالغ إن أخبرتك بأنه مع تقدُّم العمر يُصبح الرجل بحاجة إلى روحك وعقلك أكثر من جسدك لو كنتِ تعلمين!
لا أريد التقليل من شأن التواصل الجسدي، فهو قد يكون حلاً لكثير من مناكفات الزوجين اليومية، فالنجاح في ذلك التواصل من خلال بلوغ الذروة لكلا الزوجين هو بمثابة بلسم يُسعد الروح ويرتقي بها فوق كثير من المشكلات الصغيرة، لكن هذا التواصل يبقى محدوداً إذا ما قارناه بالتواصل الفكري والروحي. فالعناق وتبادل القبلات والأحضان بين الزوجين هو مرحلة متقدمة من التعبير عن الحب، فأحياناً هذا النوع من التعبير يكون أقوى من الكلام، ولكنه ليس الوحيد.
عندما أعود إلى منزلي بعد يوم عمل شاق، كل ما أحتاج إليه هو الجلوس مع زوجتي في هدوء لتجاذب أطراف الحديث، وسرد أحداث النهار لها بحلوها ومُرِّها، ولن يكون الجسد أول اهتماماتي، فشهوة الجسد سرعان ما تنقضي من دون أن تُحَلَّ مشكلاتي في الحياة، بينما طيب الحديث ولذته والأفكار التي تنتج عنه هو بالضبط ما أحتاجه في نهاية اليوم، وإن كانت لذة الجماع ساعة، فلذة الحديث ألف ساعة، وسبحان مَن جعل الإنسان ينهار من التعب بعد التواصل الجسدي، بينما سيزداد قوة بعد التواصل الفكري!
كثيراً ما أطلب من زوجتي مساعدة في بحث ما، وفي البداية تتعذر بأنها لا تعلم أو ليس لديها ما يكفي من الوقت، وعندما أصرُّ عليها وتقوم بالبحث، فأفاجأ بقدراتها الكامنة غير المُستغلَّة، وأسألها: «لماذا تحرمين نفسك وتحرميني من تلك القدرات؟!».
سيدتي لنكن واقعيين، من الطبيعي جداً أن يكون رجال العرب شهوانيين، خصوصاً الأشراف منهم؛ لأنهم عموماً لا يتعرضون لممارسة الجنس قبل الزواج كما هو الحال في الغرب، وسيبقى هذا المَطلب الفطري يُطارد شبابنا إلى أن يحصلوا عليه بالحلال، وبسبب ضعف الوعي في الشرق حول العلاقات الزوجية الراقية، تجد الرجل لا يُحسن التعبير عن مشاعره تجاه زوجته إلا من خلال الجسد، والكثير من الزوجات يتحملنَّ جزءاً من ذلك؛ لأنهنَّ لا يُبدين لأزواجهنَّ أي رغبة في المجالسة للحديث والحوار.
الكثير من الرجال يقولون: «كل ما يجمعني بزوجتي هو التلفاز والطعام والجماع»! لا أريد أن ألوم طرفاً مُعيَّناً، فالرجل والمرأة يتقاسمان ذلك الوزر، لكن في اعتقادي أنَّ المرأة تتحمل الوزر الأكبر!
لو ثقَّفت المرأة نفسها بما يريده الرجل، لما هجرها ليُجالس نساء أخريات، فعندما تسأله: «لماذا تميل إلى مصادقة النساء؟»، يقول: «لأني بحاجة للحديث إليهن، فكل ما أريده هو أنثى تُجالسني وتستمع لي!»، فتسأله: «أنت متزوج، ماذا عن زوجتك؟»، يقول: «أنا وزوجتي لا نتحدث مع بعضنا، فمعها فقط أقضي وطري؛ كي لا أقع في الحرام، ومع النساء أقضي شهوتي الفكرية التي لا أجدها مع زوجتي»، فكل ما يريده الرجل القليل من الاهتمام في بيته وزوجة تستمع له، فلا تكوني عدوة نفسك وتأكدي من أنه يمكنك خلق محاور أخرى في حياتك إضافة إلى الجسد.
كلمة أخيرة للزوج: إن لم تكن تعلم، دعني أخبرك بأنك في حاجة لزوجتك أكثر من حاجة عملك الذي يأتي لك بالمال والجاه، وكما أنك تشتكي من مديرك في العمل الذي يُعاملك بظلم لأنه يحدّ من قدراتك ويمنعها من التطوير، تذكَّر أنك ذلك المدير لزوجتك، التي تنتظر منك كلمة ترفع ثقتها بنفسها وتجعلها تنطلق إلى السماء، فكن رجلاً بمعنى الكلمة وخذ بيدها وعلِّمها حتى تصل إليك فكراً وعقلاً، فأنت أخذتها من مجتمع شرقي ولم تأخذها من شاشة التلفاز!
كلمة أخيرة للزوجة: حاولي لوهلة أن تستوعبي حقيقة ما يريده زوجك منك، ولا تُصدقي كل ما تسمعينه حولك في مجتمعك المتخلف الذي يعجُّ بالقصص الكاذبة حول العلاقات الزوجية وخرافات ما أنزل الله بها من سلطان، حتى قضى ذلك المجتمع الموبوء على كل شيء جميل في حياتك، واعلمي تماماً أن زوجك يحتاج لعقلك وروحك تماماً كما يحتاج لجسدك، وهذه نعمة عظيمة قد حباكِ الله بها بحيث يمكنكِ أن تكوني الزوجة والصديقة والعشيقة والمستشارة، لكن أغلب النساء اخترن أن يكنَّ فقط زوجات، فإن كنت إحدى هؤلاء النسوة، فلا تستائي عندما يغيب زوجك عن البيت ليُجالس الغرباء، لتبقى غرفة النوم المكان الوحيد للتواصل معه.. وبصمت!
بوست عربي