«لا صوت لنا».. مطربات وعازفات يتحدين حظر غناء النساء المنفرد في إيران عبر «الحفلات السرية»

0

فى عام 1924 داخل أكبر قاعات فندق جراند طهران، وقفت قمر الملوك وزيري دون حجاب وسط الحضور الذي يتضمن رجالاً ونساء لتنشد أولى أغانيها علانية. لكن بعد انتهاء الحفل بدقائق استدعتها الشرطة لـ «تنبيهها لأمر الحجاب»، وأنه لا يحق لها الصعود على المسرح مرة أخرى من دونه.

في تلك الفترة من تاريخ إيران، كان الحجاب مفروضاً، قبل أن يتم منعه لاحقاً في عهد الشاه رضا بهلوي.

رفضت قمر الملوك هذا التحذير، وبعدها بعدة أيام كانت تقدم عرضاً غنائياً آخر دون حجاب. أغرم الإيرانيون بصوتها لدرجة أن أحد أهم الموسيقيين في إيران حينها أقام لها عرضاً موسيقياً لمدة 6 أيام على المسرح الكبير بطهران، ونفدت التذاكر من اليوم الأول، ووقف العديد من المستمعين على أقدامهم ليستمعوا إليها.

قمر الملوك وزيري هي أول مطربة إيرانية تقدم عروضاً حية وسط الجماهير، لتقاوم فكرة احتكار الرجال للغناء، وفكرة الحجاب أيضاً، لتصبح أيقونة للمطربات الإيرانيات حتى يومنا هذا، واللاتي يحاولن أن يحذون خطواتها.

أصواتنا حبيسة تحت الأرض

درست فرزانة (30 عاماً) الموسيقى والغناء، وهي تتمتع بصوت عذب، وكونت فرقة موسيقية من 4 عازفات. كل فترة، تقيم سراً حفلاً غنائياً هي وفرقتها فى أحد منازل الأصدقاء في العاصمة الإيرانية طهران.

«أحببت الموسيقى والغناء أكثر من أي شيء في حياتي، أريد أن يسمعني جميع الناس، ولكن للأسف لابد لنا أن نبقى تحت الأرض»، هكذا تصف مشاعرها السلبية لـ «عربي بوست».

إيرانيات يحاربن للسماح بالغناء المنفرد لهن وسط الجمهور / شيكات اجتماعية

فرزانة وغيرها من المطربات والعازفات الإيرانيات يعانين من العديد من القيود الصارمة، فمنذ قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، حظر على النساء الغناء أو العزف منفردات، «لابد أن يكن جزءاً من أوركسترا أو كورال غنائي الغلبة به للرجال».

ليس أمامهن سوى تلك الحفلات السرية التي تقام في المنازل، وطوال الحفل يحاصرهن خطر معرفة الشرطة بالأمر ومهاجمة المكان واعتقالهن. وفي حالة الاعتقال ستوجه لها تهمة الغناء دون الحصول على تصريح من وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي المعنية بتلك الأمور، بجانب خرق حظر الغناء على النساء أمام جمهور مختلط والدعوة إلى الفجور، وفي تلك الحالة ستتم معاقبتهن بالجلد 79 جلدة، والسجن لعدة سنوات.

«حب الموسيقى والغناء يجعلنا نتحدى كل تلك المخاوف والقيود، التي نحاول كل يوم تغييرها»، هكذا تعلق عازفة الكمان في فرقة فرزانة الموسيقية.

نتخلى عن أماكننا لصالح الرجال

وبالرغم من أن القانون يسمح للعازفات و المطربات الإيرانيات بالأداء في الحفلات الموسيقية وسط مجموعة من العازفين، إلا أن الأمور تتطور في بعض الأحيان، ويتم منع النساء من الصعود إلى المسرح من الأساس.

قبل قرابة أسبوعين كان لدى نازانين (اسم مستعار) التي تعزف الساز «آلة موسيقية فارسية تقليدية»، حفل موسيقي ضمن فرقتها الموسيقية المكونة من 7 عازفين وثلاث عازفات فقط، كان من المقرر إقامة الحفل في مدينة أصفهان إحدى أكبر المدن الإيرانية.

قبل الحفل بعدة دقائق أتت قوات الشرطة إلى قائد الفرقة، وأخبرته بعدم السماح للعازفات بالصعود إلى المسرح، «أصابني الإحباط وحزنت للغاية، فقد تعلمت الموسيقى من أجل أن أمارسها وليس من أجل أن أمنع عنها»، هكذا تصف نازانين لـ «عربي بوست» مشاعر الحزن التي تملكتها حينها.

وأضافت أنها ليست المرة الأولى التي يتم منعها هي وزميلاتها من الصعود إلى المسرح قبل الحفل بدقائق، فالأمر تكرر كثيراً بحجة أن هناك قانوناً خاصاً بالمدينة التي يقام بها الحفل يمنع وجود العازفات في أداء حي أمام الجمهور.

سعدى منظم حفلات منذ 20 عاماً يقول لـ «عربي بوست»، إنه قبل إقامة أي حفل موسيقي نتوجه إلى وزارة الثقافة لإصدار التصاريح اللازمة، ونخبر الوزارة بعدد العازفات والمطربات من الإناث، ونحصل على التصاريح.

لكن الأمر على أرض الواقع لا يكون بتلك السهولة، ففي الآونة الأخيرة ألغيت العديد من الحفلات بسبب العنصر النسائي في الفرق الموسيقية، أو تخليهن عن مكانهن لصالح العازفين الرجال.

لكن القانون يحظر على العازفات الأداء منفردات على المسرح، فلماذا يتم حظرهن طالما أنهت يؤدين العزف وسط فرقة موسيقية؟

في العام الماضي كان هناك حفل موسيقي في مدينة خراسان للمطرب الإيراني المشهور سالار عقيلى، ورافقته العزف زوجته عازفة الدفوف حرير شريعت، بعد انتهاء الجزء الأول من الحفل، حضرت الشرطة وطلب من حرير عدم استكمال العزف.

يقول الصحافي المتخصص بالموسيقى «ماجد نجفي»، إن حفل سالار كان حاصلاً على جميع التصاريح من وزارة الثقافة والوزارة تعلم بوجود عازفة أنثى وبالرغم من ذلك تم منعها.

«لا يوجد قانون مكتوب يمنع النساء من الغناء أو العزف ضمن فرقة موسيقية، وإنما هي أوامر من بعض رجال الدين وتنصاع لها الشرطة»، على حد قوله.

بعض الدعم من الرجال

تقول نازانين: «بعد تكرار إلغاء الحفلات الموسيقية في إيران التي تتضمن عازفات ومطربات، اتجه منظمو الحفلات لعدم الاستعانة من البداية بالعنصر النسائى، تجنباً لكل المتاعب».

تصف نازانين يأسها من عدم وجود الدعم الكافي لهن من قبل منظمي الحفلات، «لا أحد يريد أن يقاوم من أجلنا».

ولكن في بعض الأحيان حظيت المطربات والعازفات الإيرانيات بدعم كبير من زملائهن في نفس المجال، ففي عام 2015 في الحفل الختامي لكأس العالم للمصارعة كان من المفترض أن تعزف الأوركسترا الوطنية عدة مقطوعات، وقبل بدء الحفل أخطرت الشرطة المايسترو علي رهبري قائد الأوركسترا، أن يستعين بموسيقيين رجال بدلاً من الإناث، لكنه رفض وانسحب من الاحتفال اعتراضاً على حظر زميلاته العازفات.

حينها صرح قائد الأوركسترا الوطنية علي رهبري لوسائل الإعلام، بأنه رأى الأمر إهانة كبيرة للموسيقيات الإيرانيات، ولا يمكن الاستمرار في هذا الأمر؛ لأنه سيفقد الموسيقى عنصراً مهماً.

فرقة «سيدة القمر» تتحدى المنع

مجيد درخشاني موسيقار إيراني مشهور حاول مساعدة المطربات الإيرانيات فأنشأ فرقة «ماه بانو» أو ما تعني بالعربية سيدة القمر جميع أعضاء الفرقة من النساء، وقدمت تلك الفرقة عرضاً موسيقياً أمام جمهور مختلط من النساء والرجال، وكان ذلك الأمر كارثياً بالنسبة للمحافظين ورجال الدين الذين يحظرون على النساء الغناء أمام رجال غرباء.

تم استدعاء مجيد درخشاني هو وفرقته إلى مركز الشرطة والتحقيق معهم ومنعهم من السفر لفترة من الوقت.

اللجوء إلى مواقع التواصل الاجتماعي

بدأت العازفات والمطربات إلى اللجوء إلى مواقع التواصل الاجتماعي للوصول إلى الجماهير، فحاولت بعض المطربات الإيرانيات على استيحاء تصوير أغنية أو اثنتين ونشرها على تلك المواقع، بعضهن لا يظهر في تلك الفيديوهات، وبعضهن اخترن الظهور على استحياء.

في عام 2011 قال المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي إن الصوت النسائي المنفرد ليس مشكلة، ولكن المشكلة في الأغاني التي تحث على الإحباط والفجور والتي تقود الناس بعيداً عن طريق الله.

فسر البعض خطاب المرشد بأنه ليس ضد الموسيقى أو عزف وغناء النساء طالما ملتزمات بالحجاب والملابس المناسبة، وذهب البعض إلى أنه مهتم بالموسيقى الفارسية التقليدية.

صراع التيارات السياسية

لذلك ترى آسمان سعدى أستاذة الموسيقى أن أمر منع العازفات والمطربات، والذي ازداد في الفترة الأخيرة بالأخص، آتٍ من خوف المحافظين وبعض رجال الدين من أن يعتقد البعض أن وجود رئيس معتدل مثل حسن روحاني سيغير القيود التي وضعوها.

لكن هذا الصراع بين التيارات السياسية في إيران يؤثر بالسلب على النساء فى مجال الموسيقى، فتقول فرزانة: «أحلم باليوم الذي أستطيع فيه أن أقدم عرضاً موسيقياً كبيرا فى إيران دون خوف».

ترى نازانين أن هذا اليوم الذي تحلم به فرزانة سيأتي قريباً فبحسب قولها «الموسيقى أقوى من قوة القيود».

The post «لا صوت لنا».. مطربات وعازفات يتحدين حظر غناء النساء المنفرد في إيران عبر «الحفلات السرية» appeared first on عربي بوست — ArabicPost.net.

قد يعجبك ايضا

اترك رد