كيف تتحايل الدولة على الموظفين دون أن يشعروا عن طريق الضرائب الخفية؟
بعض البلدان ذات الاقتصاديات المتخلّفة، كثيراً ما تستعيض عن فشلها في تحصيل الضرائب المقررة، بأن تقوم بالتعامل بفكرة الضرائب الخفية، والضرائب الخفيَّة هي الإصدار النقدي بدون غطاء، أي التوسع غير المحسوب في نمو السيولة بطبع النقود الورقية من أجل سداد نفقات الحكومة، هذا الأسلوب يستخدم عادة في الاقتصاديات المتخلفة غير القادرة على جمع الحصيلة الضريبية من رجال الأعمال والصناعات فتقوم بعملية الإصدار النقدي بدون غطاء، مقررة بذلك أن تنتقص من القيم الحقيقية للأجور والمدخرات التي ستتأثر بتراجع القيم الحقيقية للعملة الوطنية، بسبب الزيادة غير المحسوبة للمعروض النقدي الذي سيؤدي حتماً إلى ارتفاع الأسعار.
عملية زيادة المعروض النقدي، وإن كانت بديلاً لعلاج القصور في جمع الحصيلة الضريبية، إلا أنها تأخذ من القيم الحقيقية للمواطنين ورجال الأعمال على السواء، إذا كانوا يحتفظون بثرواتهم بالعملة المحلية، لكن في الحقيقة هذه العملية تنطوي على ظلم كبير يقع على الطبقة العريضة من المواطنين الذين يجدون أنفسهم يقتطع منهم سنوياً ما يصل إلى ٢٠ بالمائة من دخولهم بسبب ارتفاع الأسعار الناتج عن زيادة المعروض النقدي.
في كتابه النظرية العامة للتوظيف والنقود وسعر الفائدة، يتحدث الاقتصادي الأشهر جون كينز عما يسميه فرضية الخداع النقدي، وهي الأداة التي تستخدمها الحكومات لخفض المرتبات دون أن يقابل ذلك تذمر أو اعتراضات عارمة، وهي أن تقوم الحكومة برفع الأسعار «أو خفض قيمة العملة المحلية»، ففي حالة لو أن الحكومة أقدمت على خفض القيم النقدية للمرتبات فسيقابل ذلك باعتراضات عارمة ومظاهرات ولن تستطيع ذلك، لكنها تستطيع أن تفعل العملية العكسية لذلك برفع الأسعار أو خفض قيمة العملة الوطنية دون أن تقابلها نفس الاعتراضات والمظاهرات؛ حيث تزحف الأسعار ببطء لتأكل من القيمة الحقيقية للمرتبات والأجور، وهو الذي سيقابل باعتراض أقل مما يحدث لو أعلنت خفض القيم النقدية للمرتبات.
إن عملية طباعة النقود ترتبط بعدة عوامل، أولها معدل نمو الاقتصاد القومي، فكلما زاد معدل النمو الحقيقي وقدرة الاقتصاد على خلق السلع والخدمات كان بالإمكان طباعة النقود وزيادة السيولة المحلية؛ لأن كل عملة ورقية تمت طباعتها تقابلها سلعة في الاقتصاد، وبالتالي لن يحدث تضخم.. فالتضخم يحدث إذا ظل حجم السلع بالاقتصاد كما هو وزاد المعروض النقدي بشكل أدى إلى زيادة طلبات الأفراد المتوافرة لديهم النقود عند نفس مستوى السعر، مما يشعر التاجر أو البائع بتزايد الطلب فيرفع السعر.. أما العامل الآخر المساعد، وهو الاحتياطي النقدي الأجنبي الذي يعني توافره إمكانية زيادة السلع داخل الاقتصاد عن طريق الاستيراد، وبالتالي فطباعة النقد تقابلها سلع حقيقية تتداول ولن تؤدي إلى ارتفاع الأسعار.
وبالتالي فإن العملة الوطنية تفقد ثقة المتعاملين فيها كمخزن للقيمة، ويلجأون إلى استبدالها بعملات أجنبية أخرى إذا فقدت قدرتها على الاحتفاظ بقيمتها، ففي أي نظام نقدي العملة لها ثلاث وظائف رئيسية: الأولى أن تكون مقياساً للقيمة، والوظيفة الثانية هي وسيط للتبادل، والوظيفة الثالثة مخزن للقيمة، وفي الحقيقة فإن بعض العملات قد فقدت الوظيفة الثالثة كمخزن للقيمة نوعاً ما في ظل الارتفاع المستمر والمتتالي للأسعار، وأصبحت تقتصر على وظيفتي مقياس للقيمة ووسيط التبادل.
وعلى ذلك فإن اعتماد الحكومة على الإصدار النقدي يأكل من قيمة العملة المحلية، ويؤدي إلى فقدان المتعاملين الثقة في التعامل بها، كما أنه يظلم الطبقة العريضة من المواطنين؛ لأنه يأكل مدخراتهم بسبب فشل الحكومة أو تغاضيها عن تحصيل الضرائب من رجال الأعمال فتحملها للمواطن في صورة الضرائب الخفية.
The post كيف تتحايل الدولة على الموظفين دون أن يشعروا عن طريق الضرائب الخفية؟ appeared first on عربي بوست — ArabicPost.net.