قرارات ترمب في الشرق الأوسط ساهمت في زيادة شرعية إيران.. هكذا أخفق الرئيس الأميركي في كبح جماح طموح طهران
يَعِدُ قرار دونالد ترمب بترؤس مجلس الأمن الدولي، في نيويورك يوم الأربعاء 26 سبتمبر/أيلول 2018، والتشهير علناً بإيران واصفاً إيَّاها بالدولة المارقة، بأن يحظى بلفت المزيد من الأنظار وأن يكون أكثر تكَّلُفاً في الأداء من خطاب ترمب في الأمم المتحدة الإحمائي يوم الثلاثاء 25 سبتمبر/ أيلول. بعد أن انسحاب ترمب من الاتفاق النووي و فرض عقوبات على إيران .
وحسب تقرير لصحيفة Financial Times البريطانية، فإنَّ عداء دونالد ترمب الذي لا هوادة فيه تجاه جمهورية إيران الإسلامية، وإلغاء الاتفاق الدولي الخاص بطموحات إيران النووية من طرف واحد، الذي توصل إليه سلفه باراك أوباما، هو أحد التوجهات الأكثر اتساقاً في إدارته غريبة الأطوار.
ومع أنَّه تمَكَّن من إحداث أضرار كبيرة في الشرق الأوسط، فإنَّ حدة نبرته خلال خطاب ترمب في الأمم المتحدة . فشلت في إخفاء مدى سهولة تغلُّب إيران، إلى جانب الخصوم الإقليميين الآخرين في بعض الأحيان، على الولايات المتحدة في الساحة الاستراتيجية.
فرض عقوبات على إيران فشل في كبح جماح طموح طهران
إذ لم يُحقق نهج ترمب العفوي في تعامله مع جميع قضايا الشرق الأوسط خاصة فرض عقوبات على إيران ، سوى بعض النجاحات القليلة.
وصحيحٌ أنَّه يتفاخر بأنَّه سيُنجز «الصفقة النهائية» ويحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، لكنَّه يُثقل كاهل كلا الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي باستمرار عدم الاستقرار وغياب العدل.
بتنفيذه قائمة رغبات اليمين الإسرائيلي، والهرولة باتجاه تحقيق حلم «إسرائيل الكبرى» التي ستكون فيها الحقوق الفلسطينية محدودة.
ربما يكون ترمب قد أطاح تماماً الاتفاق النووي عام 2015، الذي أبرمته الولايات المتحدة والقوى الخمس العالمية: روسيا والصين وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة مع إيران لتقليص برنامجها النووي، واحتوائه بطريقةٍ يمكن التحقق منها.
لكنَّ دونالد ترمب لم يُقدم شيئاً لكبح جماح الطموح الإيراني.
إذ يبدو أنَّه وفريق سياسته الخارجية يعتقدون أنَّ إعادة فرض العقوبات الاقتصادية القاسية ستُقوِّض النظام الإيراني، أو حتى ستسقطه.
ولكن حتى الآن، تعمل هذه الخطوات منها فرض عقوبات على إيران على إعادة تمكين رجال الدين وعملائهم في قوات الحرس الثوري الإسلامي، التي تُمثِّل المعسكر المتشدد الذي كان يخشى دائماً من أن يؤدي الاتفاق النووي إلى تقويض سلطته ومصالحه، بانفتاح إيران وشبابها على العالم.
وهو ما اتضح في «الخطوات الفاشلة» التي قام بها دونالد ترمب في الشرق الأوسط
ففي أولى جولاته الخارجية، التي زار فيها الرياض في العام الماضي 2017، دعا ترمب المملكة العربية السعودية لقيادة تحالف عربي سني ضد إيران الشيعية (والفارسية).
والأكثر من ذلك، حرَّض دون مبررٍ -بتغريدةٍ تلو الأخرى عبر تويتر- على الحصار الذي قادته السعودية ضد قطر، وهي خطوة في غاية الفشل دفعت قطر، الإمارة الخليجية الغنية بالغاز والمنفتحة سياسياً إلى توثيق التحالف مع طهران وتركيا، اللتين تمثلان مصدر قلق كبير لترمب.
وما زال ترمب يُشجِّع بقوة التدخل السعودي في اليمن، ويعتبره نضالاً ضد وكلاء إيران، وهي حرب طاحنة تقودها أغنى دولة عربية ضد أفقر دولة عربية، وتعتبر إيران تلك الحرب مجرد عملية مُزعِجة منخفضة التكلفة لإلهاء السعوديين واستنزافهم مالياً. وفي تلك الأثناء، تواصل إيران بنجاح في الشمال استراتيجيتها المتمثلة في بناء محور شيعي عبر بلاد الشام وترسيخه.
تعددت مسمياته ما بين «الجسر البري الشيعي»، و «المحور الشيعي»، و «الهلال الشيعي»، ويمتد عبره نفوذ إيران من جبال زاغروس إلى البحر الأبيض المتوسط، ومن طهران عبر بغداد ودمشق إلى بيروت. واكتمل تكوُّن هذا المحور إلى حد كبير بعد وصول ترمب إلى البيت الأبيض بمدةٍ وجيزة.
وهو الفشل الذي لحق برؤساء أميركيين سابقين
هذه هي الاستراتيجية التي اتبعتها إيران منذ ثورة 1979، التي أطاحت بنظام الشاه الملكي. وشهدت أول تطور لها مع الغزو الإسرائيلي ضد لبنان عام في 1982، الذي أدى إلى إنشاء حزب الله، الجماعة الشيعية شبه العسكرية التي أصبحت رأس الحربة لطهران في بلاد الشام.
وحدثت المزيد من التطورات، في الوقت الذي سعى فيه الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن لإسقاط نظام صدام حسين السُنِّي، ووصول الشيعة المؤيدين لإيران إلى سدة الحكم في العراق.
وعندما رفض الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما تزويد المعارضة السنية في سوريا بالعتاد الكافي لإطاحة الأقلية المتمثلة في نظام بشار الأسد المنحاز لإيران، عارضه الغرب.
لكنَّ دونالد ترمب لا كان وراء الانسحاب من الاتفاق النووي وفرض عقوبات على إيران ، لا يتحمل وحده مسؤولية هذه السلسلة الطويلة من الفشل. فحتى الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان تهرب من ملاحقة حزب الله، بعدما فجَّر الأخير مقراً تابعاً لمشاة البحرية الأميركية ببيروت في عام 1983.
مما أسفر عن مقتل جواسيس وجنود ودبلوماسيين أميركيين. وقبل أن يتولى الرئيس ريغان السلطة، كان الحرس الثوري الإيراني قد كرَّر تقريباً النموذج شبه العسكري لحزب الله في العراق وسوريا، ولكن على نطاقٍ أوسع بكثير.
وعلى الرغم من كل القوة العسكرية الفريدة التي تمتلكها الولايات المتحدة، لم تتوصل قط إلى حل جذري لوقف نشر الميليشيات والصواريخ الإيرانية في المنطقة.
وتخلق هذه القوة اعتقاداً بأنَّ دونالد ترمب سينجح فيما فشل فيه كل أسلافه، مع أنَّ ترمب الذي فرض عقوبات على إيران نفسه ربما لا يعتقد ذلك.
وإدارة ترمب لم تلاحظ كيف تواصل إيران وحلفاؤها اكتساب الشرعية
ففي الأشهر الأخيرة، حقَقَّ حلفاء إيران السياسيون نجاحاً بارزاً في الانتخابات في لبنان والعراق، مما منحهم تأييداً شعبياً لتولي مناصب كانوا يفوزون بها من قبل في كثير من الأحيان بقوة السلاح، وبرعاية طهران. وفي سوريا، حيث أنقذت إيران وروسيا ديكتاتورية الأسد، تنسِب طهران ووكلاؤها المجدَ لأنفسهم في هزيمة البربرية الجهادية لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وهي ظاهرة تُسلط الضوء على إخفاقات القيادة العربية السنية التقليدية.
خاصة أنها تراهن على حلفائها بقيادة السعودية بعد انسحابها من الاتفاق النووي
وأخيراً، فإنَّ مغازلة معسكر السُّنة الذي يقوده السعوديون لإسرائيل تسمح لإيران بأن تبدو القوة الوحيدة التي ما زالت تقف إلى جانب الفلسطينيين.
وعلاوة على ذلك، تمكَّنت إيران حتى الآن من ضمان عدم تداخُل مصالحها مع مصالح روسيا وتركيا -اللتين تُمثِّلان القوتين الأخريين على أرض سوريا- أو الاحتكاك بهما.
وفي هذه الأثناء، يبدو دونالد ترمب عاجز عن اتخاذ قرارها بشأن الإبقاء على قواتها الموجودة في شرقي سوريا وشمالي العراق.
يمكن أن تشهد الأوضاع تغيُّرات حادة. إذ بدأ الصراع بين إيران وإسرائيل في سوريا- حيث ضربت طائراتٌ حربية إسرائيلية أهدافاً تابعة لإيران وحزب الله في نحو 200 غارة جوية- يُكبِّد طهران خسائر فادحة، ويمكن أن يتصاعد إلى حدٍّ تصعُب السيطرة عليه.
لقد ورَّط الجميع أنفسَهم في هذا الصراع العنيد شديد التقلبِ، ولكن من المفيد أن تكون هناك استراتيجية للتعامل مع الوضع.
The post قرارات ترمب في الشرق الأوسط ساهمت في زيادة شرعية إيران.. هكذا أخفق الرئيس الأميركي في كبح جماح طموح طهران appeared first on عربي بوست — ArabicPost.net.