قتل صحافياً بريطانياً وأرسله في صندوق يحتوي على رسالة ساخرة.. عن أوجه الشبه بين صدام حسين ومحمد بن سلمان
تفيد تقارير مزعجة من تركيا بأنَّ الصحافي السعودي المعارض، جمال خاشقجي، الكاتب في صحيفة Washington Post الأميركية، والمدير العام السابق لقناة العرب الإخبارية، قد قتل داخل القنصلية السعودية في تركيا. ولو صح هذا الأمر (ذلك أنَّ أي تقرير يأتي من تركيا ينبغي التعامل معه بشيء من الحذر)، فسوف يشكل اغتيال خاشقجي نقطة تحول في العلاقات الأميركية – السعودية. وحتى لو غض الرئيس ترمب الطرف عن جريمة القتل، فسوف يكون تاريخ قتل خاشقجي هو ذاته التاريخ الذي فقدت فيه الرياض دعم الكونغرس الأميركي للأبد.
ثمة أوجه شبه مخيفة بين حالة خاشقجي وحالة أخرى وقعت منذ عشر سنوات مضت. يريد الكثير من المسؤولين الأميركيين نسيان احتضانهم السابق لصدام حسين، لكن عند نقطة ما، كان الزعيم العراقي الرجل المفضَّل في المنطقة. كان اعتبار صدام حسين من المعتدلين واحدة من أكبر المغالطات في فترة أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن العشرين. إذ خدع جيل من الدبلوماسيين والسياسيين الأميركيين أنفسهم لقبول وعود صدام حسين بالإصلاح على ظاهرها، وتصويره لنفسه على أنه علماني كبير راغب في الوقوف في وجه إيران. وحتى بعد غزو صدام لإيران، مطلقاً العنان لحمام دم أودى بحياة ما يقرب من مليون شخص، صمم المسؤولون الأميركيون بعناد على احتضانه. وعندما أعاد صدام سفير العراق إلى واشنطن عام 1985، قدمت صحيفة Washington Post وصفاً رائعاً لحفل عشاء استضافه السفير العراقي الجديد.
والأمر ببساطة أنَّ التمنِّي قد حل محل إدراك الواقع. حتى عندما أدرك المسؤولون وجود ميول سلطوية لدى صدام، أراحوا أنفسهم بالاعتقاد بأنَّ الدبلوماسية والتواصل بإمكانهما التخفيف من حدة سلوك صدام حسين. وفي الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 1989، وقع الرئيس جورج دبليو بوش الأب توجيه أمن قومي صرح فيه بأنَّ «تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة والعراق سوف يخدم مصالحنا على المدى الطويل» ودعا الحكومة الأميركية لتقديم الحوافز الاقتصادية والسياسية لزيادة النفوذ وتشجيع العراق على اتباع سلوك معتدل.
لكنَّ ما فقأ فقاعة الوهم كان إلقاء القبض على الصحافي في London’s Observer فرزاد بازوفت، وإعدامه لاحقاً في الـ 15 من شهر مارس/آذار 1990، بتهم تجسس ملفقة. اعترض البريطانيون على اعتقال بازوفت وطالبوا بالإفراج عنه، لكنَّ صدام كان موقناً أنَّ بإمكانه الإفلات من القتل، فلم يكتفِ برفض الحديث مع وزير الخارجية البريطاني قبل تنفيذ حكم الإعدام، ولكنّ الحكومة العراقية أرفقت بجثمان بازوفت إلى مطار هيثرو تصريحاً مقتضباً: «السيدة تاتشر، فأرسلناه لها في صندوق». ثم في شهر أبريل/نيسان 1990، طردت الولايات المتحدة دبلوماسياً عراقياً متورطاً في مخطط لقتل منشقين في الولايات المتحدة. وفي ظل هذا المشهد، أطلقت US News & World Report على صدام أنَّه «أخطر رجل في العالم».
وبالعودة لوقتنا الحاضر، فإنَّ خاشقجي كان رجلاً معروفاً للكثيرين. التقيت خاشقجي للمرة الأولى في جدة بالسعودية، عام 2005. كنت قد دعيت إلى حوار أميركي – سعودي بهدف خلق بعض المشكلات فيه. كان الحوار بخصوص تنظيم التجارة السعودية الأميركية، ولم يكن معظم المشاركين شديدي الانتقاد لإدارة جورج دبليو بوش وسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط فحسب، وإنما كانوا أيضاً يلتمسون الأعذار للسعودية لدعمها التطرف في الخارج. قمت بعمل مداخلات كسرت الإجماع، وعندما أخذنا السعوديون، دون علمنا، إلى مجمع بن لادن السكني لتقديم عرض يتناول بقية أفراد العائلة، لم أظهر في الصورة الجماعية لئلا يُفهم من وجودي فيها موافقتي الضمنية على الحدث. وقد أخبرني خاشقجي لاحقاً، وكان حينها على علاقة طيبة بالأسرة المالكة، بأنه مختلف معي حول السياسة في الشرق الأوسط، لكنَّ الأوان كان قد فات حينها منذ زمن طويل على إجرا حوار حقيقي بعيداً عن مهرجات البروباغندا العربية التقليدية. كان خاشقجي لطيفاً وكريماً وأخبرني أنَّ بإمكانه أن يتكفل بثمن تأشيرة لي في أي وقت، ومع ذلك لم أعد إلى المملكة أبداً.
لو كان ولي العهد، محمد بن سلمان، أو مؤيدون له قتلوا خاشقجي نيابة عنه، فقد ارتكبوا خطأ فادحاً ربما لا يمكن تداركه. ورغم أنّ ذلك يمكن أن يبدو ظلماً للمعارضين الآخرين، وهم كُثر، مثل ناشطات حقوق المرأةـ الذين اعتقلوا في الشهور الأخيرة، لكنَّ خاشقجي معروف أكثر منهم في واشنطن ويحبه الكثيرون. ربما يكون المسؤولون الأميركيون قد تسامحوا مع مجموعة كبيرة من المظالم السعودية اعتقاداً منهم أنَّ ولي العهد كان يسعى لتنفيذ إصلاحات تستغرق قرناً من الزمان في عدد قليل من السنوات فحسب، لكن لا عذر لقتل صحافي، فضلاً عن أن يكون القتل بهذه الطريقة البشعة. ومع ذلك، فلا ينبغي لأنصار إيران الابتهاج؛ لأنَّ السلوك السيئ للسعودية لا يمكن له أبداً أن يغسل التطرف في إيران أو العكس. وإنما حان الوقت للاعتراف بأنَّ ولي العهد محمد بن سلمان، مثله مثل صدام حسين، وقائمة طويلة من الآخرين، ليس الأمل الإصلاحي العظيم الذي يسعى له الكثيرون، وإنما مجرد طاغية آخر لبق اللسان لا يستحق الدعم الأميركي.
– هذا الموضوع مترجم عن موقع Washington Examiner الأميركي.
The post قتل صحافياً بريطانياً وأرسله في صندوق يحتوي على رسالة ساخرة.. عن أوجه الشبه بين صدام حسين ومحمد بن سلمان appeared first on عربي بوست — ArabicPost.net.