في السنغال.. أسماء غريبة تطرد الأرواح الشريرة وتقهر موت الأطفال
عبارة بلهجة الولوف المحلية بالسنغال تعني باللغة العربية “لا أمل في حياتك”. ليست هذه العبارة عنوان رواية أدبية أو أغنية محلية أو مسلسل تلفزيوني، وإنما هي واحدة من عبارات كثيرة وغريبة يتخذها بعض الآباء في هذا البلد أسماء لأطفالهم حماية لهم من الأرواح الشريرة وأملا في أن لا يتوفوا مبكرا.
وتعود القصة وراء هذا النوع من الأسماء إلى رغبة الآباء، والأمهات على الخصوص، في تفادي ما يعتقدن أنها عين شريرة تطالهن، لا سيما إذا كن قد فقدن في السابق عددا من الأطفال إما بسبب إجهاض غير مرغوب فيه، أو بسبب وفاتهم بعد أسابيع أو أشهر قليلة من ولادتهم.
ويقول الطالب الجامعي، عليو اندياي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن هذه الأسماء الغريبة تشكل ملاذا للنساء اللواتي تطلق عليهن صفة (اليارادال) بالخصوص. وهي صفة تحيل على المرأة التي فقدت عددا من أبنائها على التوالي.
وحسب عليو، الذي ينحدر من مدينة الطائف (وسط السنغال)، فإن ابن (اليارادال) هو الابن الذي تكتب له الحياة بعد وفاة إخوته السابقين، وهو الذي يتم إطلاق اسم من هذه الأسماء الغريبة عليه.
ويقول زكرياء، الشاب المغربي الذي شارف على إنهاء دراسته في كلية الطب بجامعة الشيخ أنتا ديوب بدكار، في تصريح مماثل، إن هذا النوع من الأسماء دارج بالفعل في السنغال. ويتذكر كيف إن إحدى زميلاته في السنوات السابقة تحمل اسم (أمول ياكار) قبل أن يسرد مخلص قصتها مع هذا الاسم الذي يعتبره الكثيرون غريبا.
وحسب ما روته أمول ياكار لزكرياء بلسانها، فإن والدتها فضلت أن تطلق عليها هذا الاسم بعدما توفي أربعة من أشقاءها الذين سبقوها إلى الحياة عند ولادتهم. فأمام هذا “النحس” و”سوء الطالع” الذي أصاب والدتها، لم تجد هذه الأخيرة بدا من إطلاق اسم “لا أمل في حياتك” على بنتها الخامسة.
وهذا الاسم، وإن كان يحيل في معناه السطحي على فقدان الأمل في بقاء الطفلة على قيد الحياة، إلا أنه يعد في معتقد الأم وسيلة لاستباق “تأثير العيون السيئة” كأنها تقول لأصحابها “كفوا أعينكم فهذه البنت لا أمل في حياتها”.
وحسب زكرياء، فإن زميلته (أمول ياكار) لم تكن تتضايق من حملها لهذا الاسم، بقدر ما تعتبره تعبيرا من والدتها على رغبة أصيلة في حمايتها بعدما رزأت في أطفالها السابقين، وهي اليوم “بحمد الله” مشروع طبيبة.
وفي بحث حول أسماء الأعلام السنغالية أجراه قبل سنوات، رصد الباحث عباس دياو هذا النوع من الأسماء الغريبة، قائلا إنها “تأتي على شكل كلمات أو عبارات تروم في الغالب صد الموت عن الأطفال”.
ويضيف دياو في بحثه “يحدث لدى بعض الأسر أن ترى الأم أطفالها يتوفون في سن مبكرة جدا في الغالب، كما لو أن الأمر يتعلق بلعنة حلت بها وتتعقبها. ولأجل الحيلولة دون هذا المصير، فقد جرت العادة أن تطلق الأم أسماء غريبة على أطفالها المقبلين بشكل يوحي في الظاهر بأنها لا تهتم بهم ولا بحياتهم من أجل تحذو الأرواح الشريرة حذوها وتتركهم وشأنهم يعيشون”.
ومن ضمن الأمثلة التي أوردها دياو في بحثه حول هذه الأسماء، هناك عبارة (كين بوغول) التي تعني (لا أحد يرغب فيه)، وكلمة (بوغوما) وتعني (لا أريد هذا الطفل)، وكلمة (ياخام) التي تعني (لا أعول على بقائك حيا).
ومن هذه العبارات أيضا، هناك عبارة (دوفي ياندو) التي تعني (لن يكمل يومه)، بما يعني أن صاحبها لن يعيش أكثر من يومه فلا داعي لعين حاسدة ترصده، وكذا كلمة (ساغار) التي تعني (الخرقة البالية) التي لا يحفل بها أحد.
ويقول المدير السابق ل”مختبر المتخيل” التابع للمعهد الأساسي لإفريقيا السوداء، إبراهيما سو، إن هذا النوع من التسميات يندرج ضمن ما يسمى باللجوء ل”سلطة الكلمات” بحيث تضطلع هذه الأخيرة بدور “مراوغ الموت”.
وأوضح سو في مداخلة له ضمن ندوة نظمتها المنظمة الدولية للفرنكفونية سنة 2016 في دكار، أنه “من أجل مخادعة الموت والقطع مع مسلسل الحظ السيء، يطلق الآباء على مواليدهم تسميات تنطوي على فكرة الهشاشة والوجود سريع الزوال”. وفي هذه الحالة، يمكن لسلطة الكلمات أن تقهر الموت عبر إطلاق اسم مناسب”.
في سياق متصل، يقول الطالب عليو إنه إذا كانت هذه الأسماء تظل لصيقة بحامليها، فإنها ليست بالضرورة هي التي تكتب في سجل الحالة المدنية الخاص بهم، بل إن عددا منهم يعمل على تغييرها عندما يكبر، لاسيما وأن بعضها قد يعرض صاحبها للسخرية.
وعلى ذكر الأسماء المثيرة للسخرية، يقول عليو، وهو من أتباع الطريقة المريدية، إن الإسلام يحض على الآباء على اختيار أسماء جميلة لأبنائهم، ذلك أنها “الأسماء التي ستتم المناداة علينا بها يوم القيامة.. ولذلك يجب أن تكون لائقة وجميلة”.
(بقلم: عبد اللطيف أبي القاسم)