فرنسا.. دجالون يستغلون هشاشة أسر أطفال التوحد لبيع وهم العلاج
فرنسا.. دجالون يستغلون هشاشة أسر أطفال التوحد لبيع وهم العلاج
أثبتت بعض العلاجات السلوكية والمعرفية فعاليتها في التعامل مع مرضى التوحد، لكن لا يوجد إلى اليوم أي دواء معتمد لعلاج هذا المرض، فما الذي يجعل كثيرين يلجؤون إلى علاجات غير آمنة؟
في تقرير نشرته صحيفة “لوفيغارو” (LeFigaro) الفرنسية، تقول الكاتبة لور دازينيير إن فرنسا وحدها تشهد ولادة حوالي 8 آلاف طفل مصاب بالتوحد كل عام، وفي ظل غياب علاج دوائي لهذا المرض، تقع الكثير من العائلات فريسة لجميع أنواع العلاجات الزائفة.
حلول بديلة
تنقل الكاتبة عن رئيس قسم طب نفس الأطفال بمستشفى “روبرت ديبري” (Robert-Debré) في باريس، البروفيسور ريتشارد ديلورم قوله “يجب أن ندرك أننا أخطأنا في التعامل مع المصابين بالتوحد لعشرات السنين”.
ويضيف ديلورم “لدى صانعي القرار إطار مرجعي للعلاج يقوم على التحليل النفسي، وحتى عندما يتطور العلم وتظهر إستراتيجيات علاجية جديدة، يصرّ كثيرون على رأيهم بأنه لا شيء يمكنه تخفيف الأعراض لدى الأطفال المصابين بالتوحد”.
ومن خلال تقديم العديد من الاستشارات، يدرك البروفيسور ديلورم جيدا محنة العائلات التي يعاني أطفالها من هذا الاضطراب، ويقول “غالبا ما يمثل التوحد أزمة حقيقية داخل العائلة من الناحيتين النفسية والمادية، ويجد الأولياء أنفسهم في وضع هش للغاية. وهذا يفسر سبب ميل البعض إلى تجربة طرق أخرى، أو استشارة أطباء يوصونهم بإستراتيجيات علاجية خطيرة وغير مثبتة الفعالية”.
كان هذا هو الحال مع إستيل أستفيرلي والدة الطفل آلان، وهو صبي مصاب بالتوحد يبلغ من العمر 15 عاما، خضع لواحدة من هذه التجارب العلاجية غير الآمنة.
تقول إستيل “عندما كان آلان يبلغ من العمر 7 سنوات، مررنا بوقت عصيب للغاية، كان يجد صعوبة في الكلام، ويتصرف بعنف”.
وتابعت الأم قائلة “قرأت حوارا صحفيا مع طبيب قال إنه يستطيع علاج الأطفال المصابين بالتوحد. بعد القليل من البحث على الإنترنت، اتصلت به، وحدثني عن علاج ميكروبي”.
وبعد الاستشارة، وصف الطبيب عددا من الأدوية والمضادات الحيوية، وقدم بعض التوصيات.
وأضافت “تفاقمت حالة آلان، وأصبح نحيفا وشاحبا ومتعبا، وكان يتألم. كان الطبيب يخبرني أنه يجب علي الاستمرار، وأنه من الطبيعي أن يقوم جسد آلان بالتخلص من السموم. واصلتُ اتباع التوصيات لكن حالته ساءت، فتوقّفت. استغرق الأمر أكثر من 6 أشهر حتى رجع آلان إلى حالته المعتادة”.
أدركت إستيل لاحقا أن ابنها كان حقل تجارب لتلك العلاجات السريرية التي لم تحصل على أي تصريح من الوكالة الوطنية لسلامة الأدوية.
وتقول “كانوا يريدون أن يقوموا بتجاربهم على المدى الطويل، دون أدنى مراعاة لحالة المريض. لم يكن هناك أي علاج جدي، ولا أي متابعة، ولم يخطر ببالي أبدا أنهم يعملون دون ترخيص”.
تجارة حقيقية
استمعت الصحفية أوليفيا كاتان إلى عشرات الشهادات التي تشبه ما حدث مع آلان ووالدته، وقد أوردتها في كتاب ألّفته عن التوحد. وتذكر كاتان في كتابها أن هؤلاء الأطباء الذين يقومون “بالتلاعب بالعقول يقدمون معلومات زائفة، ويختبرون جميع أنواع الأدوية، بما في ذلك المضادات الحيوية، وأدوية علاج إدمان الكحول والكوكايين، ومضادات الطفيليات”.
وفي الكتاب، تحدثت كاتان عن تجربة سريرية “وحشية” أُجريت عام 2011 في معهد طبي تعليمي من قبل أحد أطباء مؤسسة “كرونيميد” (Chronimed). كما نقلت شهادات عن آلاف الأطفال الذين خضعوا لعلاجات غير تابعة للرقابة في جميع أنحاء أوروبا.
وفي 15 سبتمبر/أيلول الماضي، أعلنت الوكالة الفرنسية لأمن الأدوية والمنتجات الصحية أنها تواصلت مع المدعي العام بشأن قيام عدد من الأطباء بوصف مضادات حيوية للأطفال المصابين بالتوحد.
وتوضح أوليفيا كاتان أن هذه الخطوة جاءت ثمرة لمجهودات كبيرة بُذلت خلال الفترة الماضية للتصدي لمثل هذه الممارسات، وتقول في هذا الشأن “قامت منظمة “إس أو إس” (SOS) للتوحد بفرنسا بنشر تنبيه عبر الإنترنت على موقع الوكالة الوطنية لأمن الأدوية، والمنتجات الصحية للتحذير من تلك الطرق العلاجية المزعومة”.
لكن أساليب كرونيميد ليست إلا قمة جبل جليد كما تقول الكاتبة، إذ إن هذه الطرق العلاجية الجديدة التي تتمحور أساسا حول ما يُعرف بـ”الطب الحيوي”، انتشرت جدا خلال الفترة الماضية، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، وأصبحت تشكل “ملاذا” للآباء الذين أنهكهم ما يعانيه أطفالهم من مشاكل وآلام بسبب التوحد.
وترى أوليفيا كاتان أن الآباء يلجؤون إلى هذه العلاجات بحثا عن حلول سريعة، وبعضهم يُخضعون أطفالهم إلى أنظمة غذائية صارمة وبعض الأدوية الخطيرة، في حين يستفيد الأطباء من ذلك عبر التحاليل والاستشارات وبيع المكملات الغذائية، ويتحوّل التوحد إلى تجارة حقيقية.
وتؤكد الكاتبة أن البعض يروج لفكرة العلاج باعتماد “الطب الأنثروبوسوفي” (طب الحكمة البشرية)، وهو خليط من الخرافات والفلسفات والأساطير، وفق تعبير الكاتبة.
ومن جانبه، يعترف البروفيسور ديلورم أن هناك تقصيرا في نشر الوعي بين الأولياء لتجنب مخاطر هذه الأساليب العلاجية، ويقول في هذا السياق “نحن بحاجة إلى موقع إلكتروني يتيح للأولياء فرصة الحصول على معلومات موحّدة موثوق بها، ويثري ثقافتهم العلمية، ويجعلهم أكثر حذرا”.