علماء مغاربة يفتون بجواز دفن موتى المسلمين في بلدان الإقامة
بعد إقدام المغرب على إغلاق حدوده الجوية والبحرية، في إطار الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدولة لمحاصرة فيروس “كورونا” المستجد، وجد عدد من مغاربة العالم، خاصة بالديار الأوروبية، أنفسهم أمام إشكال شرعي يتمثل في دفن أقاربهم المتوفين خلال هذه الأيام بسبب تعذّر نقل جثامينهم إلى المغرب.
ورغم وجود مقابر إسلامية في بعض الدول الأوروبية، فإن قلتها وبعدها يصعّب مأمورية المهاجرين المغاربة في نقل جثامين أقاربهم المتوفين لدفنها فيها. ولتجاوز هذا الإشكال، في الظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم حاليا، أجاز المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة دفن الموتى المسلمين في المقابر العمومية ببلدان إقامتهم.
ويختلف الفقهاء حول مسألة جواز دفن موتى المسلمين في مقابر غير المسلمين، وينحو أغلبهم نحو تحريم ذلك، إلا إذا كانت بداخلها رقعة خاصة بالموتى المسلمين؛ لكن وباء “كورونا” الذي اجتاح العالم جعل المسلمين المقيمين في الدول الغربية يجدون صعوبة تصل حد الاستحالة، كما هو الحال بالنسبة للمغاربة، لنقل جثامين ذويهم المتوفين إلى المغرب، جراء إغلاق الحدود.
وقال المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة، في رأي موجه إلى المسلمين المقيمين في أوروبا، إن الظروف القاهرة التي يمر بها العالم، والتي فرضت على بلدان إسلامية، مثل المغرب، إغلاق حدودها، تقتضي التعامل بمرونة مع مسألة دفن الموتى الذين يتعذر نقلهم إلى بلادهم الأصلية، مؤكدا أنه “يجوز دفن الميت في البلد الذي توفي فيه بالمقبرة العمومية، وخاصة المقبرة التي خصص جزء منها لدفن أموات المسلمين”.
ومازال عدد من المغاربة القاطنين في الديار الأوروبية ممن توفي أقارب لهم خلال الأيام الأخيرة ينتظرون نقل موتاهم إلى المغرب ليدفنوا في تراب بلدهم الأصلي بمقابر المسلمين، ويحتفظون بجثامينهم داخل مستودعات الأموات في بلدان الإقامة.
المجلس الأوروبي للعلماء المسلمين أشار في رأيه إلى مسألة رفض دفن الموتى المسلمين في أرض البلدان غير الإسلامية التي توفوا فيها وفاة طبيعية، وتعذّر نقل جثامينهم إلى بلدانهم الأم بسبب الظروف الاستثنائية الراهنة، بقوله إن “الأرض لا تقدس أحدا، وإنما الذي يقدس الميت هو عمله الصالح”.
واعتبر المجلس أنه يجوز شرعا أن يترك المسلم وصية بنقل جثته بعد وفاته ليدفن في المقابر العمومية ببلدان الإقامة، عندما يتيسر الأمر في المستقبل، إذا كان قانون الدفن في البلد الذي دُفن فيه يسمح بذلك.
وبالنسبة لمن يموت بوباء كورونا، أوضح المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة أنه يموت شهيدا (إن شاء الله)، ويتعيّن، إذا تعذّر تغسيله بالطريقة العادية المتبعة لدى عموم المسلمين، ولو بصب الماء على جسده بدون تدليك، “أن يُيَمّم إذا أمكن وإلا سقطت الطهارة بالكلية”.
أما بالنسبة للصلاة على المسلم المتوفى بسبب فيروس “كورونا”، فأكد المجلس أن الصلاة على الميت “لا تسقط بحال من الأحوال ولو غيابيا، ويكفن ولو من فوق لباسه الذي توفي فيه ويصلى عليه ويدفن”، موضحا أن “صلاة الجنازة فرض كفاية يقوم بها البعض ولو شخص واحد، ويدعو له جميع المسلمين ممن سمعوا بوفاته بالرحمة والمغفرة؛ فالدعاء يصل إلى الميت أينما كان بإجماع العلماء”.
من جهة ثانية، حثّ المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة على الالتزام التام بالتعليمات الصادرة عن السلطات المختصة والمرافق الصحية؛ “وذلك حفظا للبلاد والعباد من هذا الوباء الفتاك”، كما دعا إلى التكافل والتعاون مع جميع مكونات المجتمع في هذه الظروف العصيبة، وتقديم يد العون للمحتاجين.
وشدد المجلس على ضرورة “تجنب إلحاق أي نوع من الضرر بالناس، سواء تعلق الأمر بالتهويل أو الاستهتار، أو التهافت على المواد الغذائية في المتاجر، وخلق فوضى لا داعي لها إلا الهلع والجزع، وهذا ما حذر منه الإسلام جملة وتفصيلا”، داعيا المسلمين إلى الإكثار من الدعاء في جوف الليل، والاستغفار والتضرع إلى الله “بأن يرفع هذا الوباء عن البشرية جمعاء، وأن يحفظ من ضرره البلاد والعباد، ويكتب للمصابين به الشفاء والعافية”.
,