“سراب” في مراكش .. فيلم يذكي الحنين إلى العصر الذهبي للسينما المجرية
يمنح فيلم “سراب” للمخرج المجري زابولكس هاجدو، مشاهديه فرصة استعادة ذاكرة جماعية تستحضر أجواء وجماليات سينما بلدان أوروبا الشرقية في عصرها الذهبي، وخصوصا مدرسة المجر العريقة.
فقد عاش جمهور الدورة 14 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، وخصوصا السينيفيليون منه، أمس الاثنين، لحظات تحمل نفحات من كلاسيكيات السينما التي عرفت بها بلدان مثل بولندا وروسيا والمجر ينحدر منها المخرج، الشاب الذي أبان عن موهبة أكيدة في أعماله السابقة التي سافرت خارج حدود بلاده.
الفيلم مرافعة من أجل الحرية، ضد الميز والاسترقاق، لكن أصالة القصة تبدأ من اختيار المداخل الدرامية للمعالجة. لاعب إفريقي محترف يهرب من العدالة بعد اتهامه بالتلاعب في نتائج مباريات فريقه، يعبر مناطق قاحلة ومهدورة ليجد نفسه داخل ضيعة بسهوب “بوسطا” المجرية، في ملكية رجل عصابات يتصرف كحاكم مطلق.
إنه فرنسيس، الشاب الأسمر، المفتول العضلات، الحاد القسمات، الذي يكتشف أن الضيعة عبارة عن معسكر احتجاز يخضع فيه عدد من الضحايا لنظام استعباد وسخرة لا يرحم، تحت تهديد السلاح. سيكون عليه حينئذ ان يخوض مباراة لا لتسجيل الأهداف، بل لاسترجاع الحرية، له وللضحايا اليائسين سجناء الضيعة.
متعة العين يحققها الفيلم في لقطاته الشاملة التي تقتفي امتداد السهوب الجافة، التي تشبه بقسوتها قسوة أباطرة الضيعة. فنية اختيار المشاهد وتصميم الإطارات تصنع عمقا دراميا وخلفية مضيئة للأحداث ومواقف الشخصيات. العناية الدقيقة بالتفاصيل في رصد الحياة المعيشية تضفي مصداقية كبيرة للعمل على صعيد التلقي والتفاعل. في فضاء شبه صحراوي، يحضر عنصر “السراب” كرؤية ضبابية تخلط الوهم بالحقيقة.
تنجذب الكاميرا في هذا الفيلم (ساعة و24 دقيقة) أيضا نحو رسم لقطات مكبرة لتجاعيد تحفر الزمن القاسي على الوجوه، وتتبع خطوات مثقلة تغالب اليأس والاستسلام. ثمة تنوع بين التركيز على القصة في مسرح تفاعلها الإنساني، واستدعاء الرمز الدرامي من المحيط الطبيعي للأحداث.
بفيلم “السراب”، السادس في فيلموغرافية زابولكس هاجدو، يوقع هذا الأخير خطوة الى الأمام في منجزه الفني نحو توطيد حضور سينمائي دولي في أرقى المحافل السينمائية. فقبل أربع سنوات، كان المخرج المجري قد طرق ابواب برلين من خلال مشاركته في مهرجانها الدولي الشهير بفيلمه “مكتبة باسكال” الذي خوله الحصول على عدة جوائز عالمية.
يذكر أن الفيلم، وهو إنتاج مجري سلوفاكي، يشارك في المسابقة الرسمية للدورة 14 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، التي تعرف مشاركة 15 فيلما من بلدان وتجارب وأساليب سينمائية شديدة التنوع.