تيفلت بين النضال..وكلام أتعبني
وأنا أتجول بين أروقة العالم الأزرق إستهواني لقاء مباشر بين أحد شباب المهجر و ضيفه أحد ساسة المدينة. لم أستطع أن أستمع لكل الكلام فكل يهجو من موقعه لكني تابعت معظم التدخلات التي أبان فيها أبناء بلدتي، كل عن رأيه وغايته وغيرته تجاه المدينة التي تحوي بعضنا و هجرها الآخر منا، حوار أعادني للوراء قليلا، حين عرفت و تعرفت على داك السياسي، والذي هو صديق عزيز علي.
سياسي تعلمت منه الكثير وأنا لازلت شابا يانعا في مقتبل العمر آنذاك، تعلمت منه كيف أتعامل مع كل الظروف، فأجعل من شدتها قوتي و من رخاءها مسلك طموحي، تعلمت منه فنون المراوغة و أصول اللعب فن لم يتعلمه معظم من كان بجانبه داك الوقت. و تعجبت لما!! لكني عرفت فيما بعد.
كان النضال بجانبه مفخرة لمعظمنا، فقد كان بالنسبة لنا جميعا رمزا للصمود و المثابرة و التحدي. فعلا كان كذلك ربما ليس أمام الجميع لكن على الأقل أمام فئة عريضة من الناس منهم من أدرك فيما بعد الحقيقة، ومنهم من توفته المنية وهو يرى فيه تلك الخصال.
أصدقوني القول أنه كان بودي الحديث لأنور مدارك المتلقي والمحاور في تلك الحلقة لكن دخولي متأخرا حال دون ذلك، على الرغم من أنني أنْأى على نفسي الحديث في أمور المدينة في ظل التداخلات و المشاحنات الراهنة، بحيث لا أريد أن أحسب على جهة أو ضد الأخرى على الرغم من أن معظم الفاعلين المحليين يعرفون توجهي. لكن ما أثار حفيظتي و أنا أرى صديقي السياسي البارز عوض التحدث عن الوقت الراهن والإكراهات و الحلول الممكنة، كان يتحدث للشباب و المتتبع عن مساره النضالي الحافل سنوات التسعينيات، وعن الممارسات اللاديمقراطية التي مورست عليه و تناسى صديقنا أن يتحدث عن شباب كانوا بجانبه طيلة المسار النضالي، و كانوا ضحية النضال و الشرف آنذاك. شباب خسر نفسه و وقته و مستقبله من أجل النضال و من أجل داك السياسي، الذي كان يجعل من لباقته وحلاوة لسانه مسلكا لصعود مراكز المسؤولية.
ألم يتساءل السياسي المحترم عن مآل من ناضلوا بجانبه في تلك الحقبة المظلمة؟ و الذين عرض عليهم المال و المناصب مقابل الإبتعاد عنه ولم يفعلوا. ألم يتساءل صديقنا يوما عن من أضاع مستقبله من أجله؟. تألمت وأنا أتذكر شبابا كان ضحية للنضال الزائف آنذاك، تألمت و أنا أرى حالهم اليوم، فمنهم من أصبح حارس سيارات في الشارع العام، و من أصبح متسكعا في ظلمات الليل الداجن… و صديقنا اليوم يتحدث عن النضال.
عن أي نضال سنتحدث يا سادة و عن أي تضحية تتكلمون، و المناضل الحقيقي ضاع كما ضاعت النعاج بين يدي الذئاب، فحتى الذئاب أشرف من أشرفنا، فعلى الأقل تبقى وفية لتحافظ على نطفتها، فما بالنا نحن بِعنا شرف من ضحوا من أجلنا. لم أحقد يوما عليه لكني أعاتب اليوم من كنت أرى فيه الأخ و الصديق و رفيق النضال يوما… فما عاد نضالٌ أصدق من نضال لقمة العيش اليوم، فلا تغتروا ولا تغروا الشباب بشعارات تداعب أحاسيسهم و تنهش واقعهم.
بقلم محات بهلول