تطهير التعليم الخصوصي

0

المشهد الأكثر حضورا

منذ عقود والتعليم في المغرب يتخبط في أزمات حادة ، وخضع بين فترة وأخرى إلى "إصلاحات" أو بالأحرى ترقيعات من وزير إلى آخر ؛ شملت المناهج والبرامج ، والهياكل الإدارية … لكنه ؛ في المحصلة ؛ ظلت دار لقمان على حالها ، بل اتسعت رقعة أزمته لتنعكس على مستوى تعلمات التلاميذ وتنحدر بهم إلى مراتب جد مخجلة ؛ ساهمت فيها وبشكل ملحوظ الأداء الضعيف لأطره التربوية نفسها .. مما فسح المجال واسعا أمام رافد التعليم الخصوصي لاستغلال يأس الآباء وتذمرهم من التعليم العمومي الذي بات في أعينهم يحتضر لأسباب هيكلية واسعة ؛ سرع من هزالة نتائجه وتيرة الإضرابات النقابية التي كانت لا تفتر حينا حتى تستعر أحيانا أخرى .

إغراءات التعليم الخصوصي

انتشر التعليم الخصوصي أو الحر .. وتوسعت خريطته بفعل إغراءات وضغوطات "لاتربوية" ؛ حملت معظم الآباء على تسجيل أبنائهم بمؤسساته ، ودفعهم لرسوم مالية مقابل شبه ضمانات لنجاح أبنائهم وتحقيقهم لمعدلات "عالية" ، علما أن وظيفة هذا النوع من التعليم ؛ وحسب دراسات ومعاينات ميدانية ؛ ترتكز على الجانب المكسبي الربحي كأولوية لكل مؤسساته ، في حين يأتي مستوى المتعلم أو الجانب التربوي ليحتل الدرجة الثانية ؛ وهو ما حدا بكل إدارة تربوية بهذا الخصوص إلى نهج سياسة " التساهل وغض الطرف " عن مستوى تعلمات التلميذ ؛ ما إن كانت قادرة على تأهيله للسنة الدراسية الموالية أم لا ، ومن ثم تميزت نسب النجاح داخل هذا السلك بتفوق كبير ونسب مئوية جد مرتفعة لا أثر فيها للرسوب "كعربون" على حسن أدائها !

رسوم خيالية يفرضها التعليم الخصوصي

هناك تسيب كبير في تحديد مبالغ الرسوم المالية ؛ تختلف من مؤسسة إلى أخرى ومن مدينة إلى مدينة ومن حي إلى آخر … تبعا لعدة معايير وشروط وخدمات ؛ يلتزم بها الأب/الوالي مكرها أمام لافتة "محدودية المقاعد" التي تروج لها هذه المؤسسات لاستقطاب أو بالأحرى اصطياد "الزبناء" في وقت مبكر من كل سنة دراسية . سنعمل فيما يلي على تقريب القارئ إلى نماذج من هذه التكاليف ، ونقتصر في أمثلتها على مدينتي الرباط والدار البيضاء :

هناك مؤسسات بالأحياء شبه راقية ؛ تثقل كاهل الأسرة بنفقات باهظة تُلزم كل تلميذ(ة) بين 2000,00 إلى 3000,00 درهم شهريا عدى رسوم التسجيل والأدوات والنقل … والتي تفوق أحيانا 5000,00 درهم/ش .. بينما نجد مؤسسات أخرى تغري الآباء والأمهات "ببرامج تربوية مستوردة" لتبتزهم في نفقات إضافية تتجاوز أحيانا 7000,00 د عند بداية كل موسم دراسي جديد ؛ تضم مواد وسوائل وألوان وأقلام وكراسات تثقل بها ظهر " طفل(ة) لم يتخط بعد 3 ثلاث سنوات من عمره " !!.. بل إن هناك من المدارس ما تحدد للتلميذ المحفظة (الشانطا) ونوعها والكراسات بأعداد وألوان يحار فيها العقل ، أو تدفع بالآباء إلى البحث عنها في جزيرة الوقواق ، لندرة وجودها في الأسواق أو تابعة لشركة بيع بالجملة .

مدارس تشتغل خارج البرامج الرسمية

هناك مدارس بالأحياء الراقية في كل من مدن الرباط والدار البيضاء وفاس ؛ تحرص على ألا تكون ملتزمة ؛ في تنظيماتها التربوية أو التعليمية ؛ ببرامج المديريات التعليمية . ولها أطر مراقبة تربوية موالية لها وتعمل تحت إمرتها ، وكل ما يرد عليها من نصوص وبرامج إدارية تربوية أو مذكرات تأطيرية تضرب بها عرض الحائط ! بل يجب القول بوجود مدارس تضم بين تلاميذها أبناء أعيان أو أطراف نافذة في السلطة .. لتتخذ منهم أجهزة واقية ضد كل مراقبة أو متابعات مالية أو قضائية .. على أن هناك ؛ في المقابل ؛ جهات تتواجد بمراكز القرار سواء بأقسام الوزارة أو الأكاديميات الجهوية ؛ تمتلك أسهما في مالية بعض هذه المؤسسات من التعليم الخصوصي ، وتسعى بشتى الطرق لتعطيل كل مسطرة إدارية قضائية تتابع بشأنها هذه المدارس .. لذلك يتم العثور على بون شاسع بين ما تحتفظ به سجلاتها الرسمية من جهة وبين الإحصائيات التي تصرح بها من جهة ثانية .

تعطيل أداء الضرائب السنوية

نكاد نجزم بأن معظم مدارس التعليم الخصوصي متابعة قضائيا بالتملص من أداء ما ترتب في ذمتها من ضرائب سنوات تصل إلى عشرات المليارات من الدراهم ، لذلك وجدنا هذه المؤسسات تحتال على هذا الجانب بلجوئها إلى تزوير سجل إحصائيات التلاميذ . فإذا كانت سجلات الواحدة منها تضم 350 تلميذا صرحت فقط بوجود 200 تلميذ لتتهرب من دفع رسوم التأمين ، وضريبة تسجيل التلاميذ . أما لجن المراقبة فتكاد أن تصاب بأحد الأمراض الإدارية الفتاكة "عين ميكا" ؛ " كول أوكل " ؛ " قضي لي نقضي ليك "

الآباء يستغيثون : آسي حصّاد .. إننا ننتظرك

أمام تغول هذا "الفساد التربوي الخصوصي" وما يكلف الآباء من أعباء مالية جد فاحشة ، مع هزالة النتائج التربوية ، وتدني مستويات التلاميذ .. شرعت أصوات لآباء وأمهات أسر التلاميذ تنادي بضرورة إعادة إحصاء هذه المدارس وإجراء فحص هيكلي عميق لها ، وإخضاع تدبيرها لمساطر شفافة ؛ يسري مفعولها على كل المؤسسات التعليمية بدون استثناء أو محاباة ؛ تشمل تحديد رسوم التسجيل والنقل المدرسي والأدوات المدرسية ونوعيتها ، وفقا لضوابط ومعايير واضحة وفي المتناول ، هذا إلى جانب تبسيط برامج ومناهج تعليمية موازية للتعليم العام ، حتى لا يكون هناك ميز أو تمييز بين تلميذين أحدهما قدم من التعليم العمومي والآخر من التعليم الخصوصي ، وتوكل هذه المهام لأجهزة مراقبة محايدة تضم في عضويتها عناصر من جمعيات آباء وأولياء التلاميذ والمنبثقة عن كل مدرسة خصوصية على حدة .

قد يعجبك ايضا

اترك رد