تستميتان للتقرب من خان بعدما فقدتا تأثيرهما في بلده.. طهران وإيران في سباق جنوني لإرضاء باكستان، فإلى ماذا تسعيان؟

0

منذ انتخاب عمران خان في منصب رئيس الوزراء الباكستاني الـ22، وهناك دبلوماسية مكوكية، حيث تسعى الرياض إلى تعزيز العلاقات السعودية الباكستانية، وكذلك تفعل إيران أيضاً.

وهذا الاهتمام الكبير بباكستان من قبل البلدين العدوين ليس بالأمر الجديد، بحسب ما أشار كمال علام، وهو زميل زائر بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة في بريطانيا، ومتخصص في التاريخ العسكري المعاصر للعالم العربي وباكستان.

وقال علام، في مقال نشره بموقع Middle East Eye البريطاني، أمس الخميس 27 سبتمبر/أيلول 2018، إن هنالك تنافساً محتدماً منذ عقودٍ بين طهران والرياض للتأثير على باكستان.

إلا أنَّ حالة العَجَلة في كلتا العاصمتين للتقرُّب من الزعيم الباكستاني الجديد تأتي في وقتٍ لا تملك فيه إيران ولا السعودية أيَّ بيادق في إسلام آباد، يمكنهما تسخيرهم لخدمة مصالحهما، لأول مرَّةٍ في تاريخ العلاقات بين هذه الدول.

وحرص رئيس الأركان الحالي للجيش الباكستاني، الجنرال قمر جاويد باجوا، الذي تقلَّد منصبه عام 2016، على استمرار دعم باكستان لدول مجلس التعاون الخليجي، لكن دون الإضرار بعلاقة البلاد مع إيران.

العلاقات الإيرانية الباكستانية

وأصبح الجنرال باجوا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أول قائدٍ عسكريٍّ باكستانيٍّ يقوم بزيارة رسمية إلى إيران منذ أكثر من 30 عاماً. ووصفت وسائل الإعلام الإيرانية الزيارة بأنَّها تاريخية، فيما زار خان السعودية مؤخراً.

وكان قادةٌ عسكريونٌ، مثل الجنرال رحيل شريف والجنرال برويز مشرف، قد زاروا طهران من قبل، لكن ليس في زياراتٍ عسكريةٍ رسميةٍ. ولطالما كان للجيش الباكستاني اليد العليا في ما يتعلَّق بسياسة باكستان الاستراتيجية الخارجية.

باجوا أول قائدٍ عسكريٍّ باكستانيٍّ يقوم بزيارة رسمية لإيران منذ أكثر من 30 عاماً -رويترز

وبحسب الموقع البريطاني، فإن الجنرال باجوا تمكَّن من إصلاح العلاقات مع إيران أثناء العامين اللذين شغل فيهما المنصب. إلى جانب أنَّه استعاد العلاقة مع الإمارات بما يخدم باكستان. فقبل قدوم باجوا، كانت العلاقات بين الإمارات وباكستان فاترةً للغاية بسبب رفض الأخيرة إرسال قواتٍ إلى اليمن للمشاركة في المجهودات الحربية الجارية بقيادة السعودية.

ومع أنَّ الجنرال باجوا أوضح للسعوديين أنَّ الجيش الباكستاني سيدافع عن السعودية ضد أي عدوانٍ خارجيٍّ، فإنَّه التزم بموقفٍ حيادي حيال الأزمة القطرية حين فرضت السعودية والإمارات، ومعهما البحرين ومصر، حصاراً على قطر في يونيو/حزيران من عام 2017.

وكان هذا معناه أيضاً أنَّ الجنرال باجوا أخطر السعوديين بأنَّ الجيش الباكستاني لن يأخذ صفَّ أي دولةٍ في الأزمة الخليجية، على الرغم من الضغوط الشديدة من السعوديين على باكستان لأجل المشاركة في الحصار ضد قطر. وعوضاً عن ذلك، وفي رسالةٍ واضحةٍ إلى السعودية، رفعت باكستان حجم تجارتها مع قطر منذ فرض الحصار.

من جانبها، تسعى قطر كذلك للحصول على مساعدة الجيش الباكستاني لتأمين كأس العالم لكرة القدم 2022 في الدوحة. وتحت قيادة الجنرال باجوا، سعى الجيش الباكستاني إلى توفير ما هو أكثر من مجرَّد قوَّاتٍ عسكريةٍ على الأرض. إذ سعى كذلك إلى منح قطر أحدث طائرات بلاده المقاتلة، JF-17، التي أنتجتها باكستان بالشراكة مع الصين.

إذاً، فإنَّ مبدأ باجوا في الشرق الأوسط يعني أنَّ الجيش الباكستاني يمكنه أن يكون عوناً لأية قوة إقليمية ويقف على نفس المسافة منها، دون التحيُّز إلى أحدٍ ضد الآخر، وأيضاً أنَّه يُوفِّر سبيلاً للوساطة عند الحاجة، وفقاً لما رأه علام.

وصرَّح عمران خان في أول خطاباته المهمة عن السياسة الخارجية بأنَّه يرغب في أن تضطلع باكستان بدور رائد في التوسُّطِ بين الرياض وطهران لأجل الوصول إلى حلٍّ للصراع في الشرق الأوسط.

لا تحالفات أجنبية

وكان السعوديون يعتبرون رئيس الوزراء السابق نواز شريف دميتهم، بينما كانوا يرون سلفه آصف علي زرداري دمية إيران. ومع مجيء عمران خان، انتهت قبضة نظام الحزبين المستمرة منذ أربعة عقودٍ، وعلى العكس من أمثال بينظير بوتو، وآصف زرداري، ونواز شريف، ليس لعمران خان أي رعاةٍ ولا تحالفاتٍ أجنبيةٍ.

وقد اتخذ خان خطوة غير مسبوقة برفضه طلب السعودية العفو عن نواز شريف وإرساله إلى الرياض.

وفي الوقت ذاته، والتزاماً بقواعد الجيش الباكستاني، تواصل خان مع إيران، واجتمع علناً بالسفير الإيراني لطمأنة طهران بأنَّ باكستان وإيران شقيقتان. وكان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أول مسؤولٍ أجنبيٍّ رفيع يزور عمران خان.

وقَبِل خان أيضاً دعوةً لزيارةٍ رسميةٍ إلى طهران. والتقى الشهر الماضي بكبار القادة الدينيين الشيعيين في باكستان لطمأنتهم على أنَّه سيعمل على تحقيق توازن في العلاقات بين السعودية وإيران. وأعلن أنَّ باكستان تقف في صفِّ إيران ضد العقوبات الأميركية والضغط المفروض على طهران.

وبُعَيد تولِّي خان مقاليد الحكم، أجاز السعوديون قرضاً إلى باكستان عن طريق البنك الإسلامي للتنمية. وسارعوا كذلك بإرسال وزير الإعلام السعوديِّ محمَّلاً بدعوةٍ مباشرةٍ لزيارة الرياض. وتعهَّد وليُّ العهد السعوديُّ محمد بن سلمان باستثماراتٍ سخيَّةٍ في باكستان.

عمران خان خلال زيارته إلى السعودية- وكالة الأنباء السعودية

موقف قوي لباكستان

ويُعَد بروس رايدل، المستشار السابق للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وعميلٌ متقاعدٌ في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، مراقباً منتظماً للمحور الباكستاني السعودي الأميركي. وهو يجادل منذ أكثر من عقدٍ الآن بأنَّ السعوديين يعتبرون باكستان محوراً لأمنهم الخاص؛ فببساطةٍ، لا يمكن للسعوديين تحمُّل فقدان باكستان كشريكٍ استراتيجيّ.

ويتَّفق هذا مع ملحوظةٍ مميزةٍ بشأن باكستان من المدير السابق للاستخبارات السعودية، الأمير تركي بن فيصل، حين قال بثقةٍ إنَّ الجيش الباكستاني هو صانع القرار الأعلى في البلاد، وإنَّ السياسيين الباكستانيين عليهم «تنظيم أمورهم». وربما نجح السياسيون الآن في تحقيق ذلك، الأمر الذي يُشعر السعوديين بالقلق.

إذ تملك باكستان الآن حاكماً مدنياً على وفاقٍ مع الجيش، ما يُصَعِّب على كل من السعودية وإيران ابتزاز إسلام آباد، سواء عن طريق الحوافز المالية البسيطة من براميل النفط المجانية أو خط أنابيب يمرُّ عبر الصحراء. وهذا سببٌ أساسيٌّ وراء سعي كلٍّ من السعودية وإيران للتودُّد إلى عمران خان، بحسب Middle East Eye.

وما يُدعِّم حياد خان بالطبع هو أداء الجيش الباكستاني في حربه الخاصة ضد الإرهاب. إذ يُعتَرَف على نطاقٍ واسع بحقيقة أن الجيش الباكستاني انتصر بوضوحٍ في معركته ضد المتمرِّدين الإرهابيين الذين سبق أن عاثوا فساداً في شمال غرب باكستان.

وللمرة الأولى منذ أكثر من عقدٍ، بات بإمكان الجيش الباكستاني النظر إلى ما وراء حدود البلاد بسبب العمليات المنفَّذة على الحدود الأفغانية.

وفي الوقت ذاته، اكتسبت باكستان ثقةً أكبر بكثيرٍ مما كانت عليه الحال في التسعينيات أو عقب هجمات 11 سبتمبر/أيلول الإرهابية مباشرةً، بعدما وقعت اتفاقات تعاونٍ دفاعيٍّ مع روسيا وتركيا والصين. واضطلعت باكستان كذلك بدور في مساعدة الجيش العراقي على إسقاط تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش). ووجَّهت بغداد، في بيانٍ رسمي نادر، الشكر لباكستان على مساعدتها في مكافحة الإرهاب في العراق.

وفي سوريا، أبقت باكستان على موقفٍ حياديٍّ قوي، جاعلاً إياها تقريباً العضو الوحيد في منظمة التعاون الإسلامي التي لم تتحيَّز لصالح أحدٍ الأطراف في هذه الحرب، في حين تحالفت عسكرياً في الوقت نفسه مع كل الدول الكبرى المتدخِّلة، أي تركيا وإيران والسعودية.

هذا النجاح في الموازنة بين الجبهات الثلاث يعني أنَّ الاندفاع الجنونيَّ والتردد الكبير للدبلوماسيين السعوديين والإيرانيين على إسلام آباد سيستمران في ظل سعي كلتا الدولتين إلى الدعم العسكري والدبلوماسي من باكستان للتوسُّطِ في الصراعات المحتدمة التي لا حصر لها في المنطقة.

The post تستميتان للتقرب من خان بعدما فقدتا تأثيرهما في بلده.. طهران وإيران في سباق جنوني لإرضاء باكستان، فإلى ماذا تسعيان؟ appeared first on عربي بوست — ArabicPost.net.

قد يعجبك ايضا

اترك رد