انتهى إذاً التوافق الذي دام 5 سنوات بين السبسي وحركة «النهضة».. فما هي ملامح المشهد الجديد في تونس؟

0

اعتبر خبراء ومراقبون في تونس، أن إعلان الرئيس الباجي قايد السبسي نهاية التوافق مع حركة النهضة التونسية، سيفرز مشهداً سياسياً جديداً بتوافقات جديدة بين «النهضة»، ورئيس الحكومة يوسف الشاهد.

وفي ذات السياق، اعتبر خبراء أن حزب «نداء تونس» فقد الكثير من قوته، إن لم يكن قد انتهى سياسياً.

ومساء الإثنين الماضي، أعلن الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي نهاية توافُق دام 5 سنوات مع حركة «النهضة» (الكتلة الأكبر في البرلمان بـ68 نائباً من أصل 217)، مؤكداً أن إنهاء التوافق كان بطلب من «النهضة».

وفسّر السبسي إنهاء التوافق بأن «النهضة ترى بأن يبقى يوسف الشاهد رئيساً للحكومة»، معتبراً أن «شرعية حكومة الوحدة الوطنية التي يقودها الشاهد قد انتهت، وعلى رئيس الحكومة التوجه إلى البرلمان ليأخذ الشرعية من جديد».

إلا أن حركة «النهضة»، أكدت في بيان يوم الثلاثاء الماضي 25 سبتمبر/أيلول 2018 «التزامها بالتوافق مع رئيس البلاد الباجي قايد السبسي»، معتبرةً أن اختلاف وجهات النظر في بعض القضايا لا يعني التنكر لعلاقتها معه.

اختلال موازين القوى بين «النداء» و»النهضة»

وقال الأكاديمي عبدالوهاب الحناشي، إن موازين قوى التوافق اختلّت للضعف الذي اعترى «نداء تونس»، مضيفاً أن «الأمر يختلف الآن عن زمن إنجاز التوافق بين الباجي قايد السبسي، وحركة النهضة في أغسطس/آب 2013».

وأوضح أن «الباجي قايد السبسي رغم أنه رئيس دولة، فإنه يرتكز على حزب وهو نداء تونس، وهذا الحزب تشظى الآن ولم يعد قوة كبيرة في البرلمان ولم يعد حتى الحزب الثاني في البرلمان».

حركة "نداء تونس" قررت تجميد عضوية رئيس الحكومة يوسف الشاهد بعد تصاعد الخلافات -رويترز

ومنذ نهاية 2015، تعصف بحزب «نداء تونس» أزمات داخلية أدت إلى انسحاب العديد من القيادات وخسارته الأغلبية النيابية في البرلمان، ليصبح 55 نائباً بعدما فاز بـ86 مقعداً في انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2014.

وباستقالة 8 نواب مطلع سبتمبر/أيلول الجاري، ستتقلص كتلة الحزب إلى 47 نائباً، في حين سترتفع كتلة «الائتلاف الوطني» (تأسست مطلع سبتمبر/أيلول الجاري وقريبة من الشاهد، حسب مراقبين) إلى 43 نائباً.

وتعمّق الصراع منذ الربيع الماضي باحتداد الخلاف بين المدير التنفيذي للحزب حافظ قايد السبسي، نجل الرئيس، ورئيس الحكومة يوسف الشاهد القيادي في نفس الحزب، وصلت حد اتهام الشاهد لحافظ قايد السبسي بـ «تدمير الحزب».

وقرّرت حركة «نداء تونس» منتصف سبتمبر/أيلول الجاري، تجميد عضوية رئيس الحكومة يوسف الشاهد، في الحزب، مع إحالة ملفه إلى لجنة نظام الحزب (الانضباط)، لتنظر فيه.

وأشار الحناشي إلى أن القطيعة تكون خطيرة، عندما تحصل بين قوتين لهما نفس القوة، وكان يمكن أن تكون مضرة لو كان حزب «نداء تونس»، مثلما كان في الماضي.

وفي ذات السياق، قال المحلل السياسي، هشام الحاجي، إن «نداء تونس» لم يعد ذلك الحزب القوي الذي فاز بانتخابات 2014، وأضاف في تصريحات لوكالة الأناضول أن «النداء» لم يعد يمثل شيئاً؛ لأنه فقد الكثير من قدرته على التأثير.

والباجي قايد السبسي نفسه أقرّ بتغيّر وضع الحزب، وقال في حواره مع تلفزيون «الحوار» التونسي (خاص)، الإثنين الماضي: «أنا لست راضياً عن الأداء في نداء تونس». وأوضح أن «النداء تأسس على ضوابط لم تعد موجودة»، دون تفاصيل إضافية.

وفي هذا الصدد، أكد الأكاديمي الحناشي ما ذهب إليه السبسي بشأن تغيّر أوضاع «نداء تونس»، إلا أنه أشار إلى أن «قايد السبسي وجّه رسالة للمستقبل بالعودة الى مقولات الماضي التي تأسس عليها النداء».

وتوقع الحناشي أن يجمع السبسي المناهضين لحركة «النهضة»، وسيخوض هو أو ابنه أو «نداء تونس» بهم الصراع في 2019 (الانتخابات)، ضدها على خلفية «أيديولوجية».

«صعود» الشاهد وبراغماتية «النهضة»

وفي «تشجيع» للشاهد على التوجّه إلى البرلمان لطرح حكومته للثقة، قال السبسي في حوار مع قناة «الحوار»، أنصحه بالقول: «صحح موقفك اذهب إلى المجلس.. اليوم لديك أغلبية»، في إشارة إلى كتلة «الائتلاف الوطني» (43 نائباً) القريبة من الشاهد، ومساندة «النهضة» (86 نائباً) له.

وأشار الحناشي إلى أن الشاهد سيمثل الأغلبية في البرلمان، معتبراً أن «النهضة» لن تلعب الورقة الخاسرة، في إشارة إلى «نداء تونس».

ولفت إلى أن «النهضة» تمارس السياسة بشكل دقيق وذكي فهي رأت المتغيرات، وأن موازين القوى لم تعد مثلما كانت في الماضي في البرلمان، وأوضح الحناشي أيضاً أن الشاهد يتمكن الآن من أرضية سانحة للعمل، ومعه كتلة برلمانية (كتلة الائتلاف الوطني).

وفي ذات السياق، توقع المحلل السياسي هشام الجاحي أن مشهداً سياسياً جديداً بصدد التشكل في تونس، وقال: «أعتقد أن النهضة حركة براغماتية ستتجه إلى التوافق مع الائتلاف الجديد».

ورجح أن «كلّ التحركات في الكواليس تتجه إلى تغيير توافق النهضة مع نداء تونس بتوافق جديد مع الشاهد وكُتلته».

وأوضح الحاجي أن «نقاش الميزانية (موازنة 2019)، واستكمال بناء المؤسسات الدستورية (المحكمة الدستورية)، مسائل لا تحلّ بالشعارات والطموح، بل تحل على قاعدة الوزن في المجلس؛ لأن كل صوت له وزنه وأهميته».

وأشار إلى «ضرورة توفّر عدد معيّن من الأصوات لتمرير الموازنة العامة، والقوانين في مجلسي نواب الشعب».

النهضة أمام خيارات عديدة بعد إنهاء التوافق مع السبسي – رويترز

النهضة: لم نختَر الشاهد.. لكن

في المقابل، اعتبر رئيس كتلة حركة «النهضة» في مجلس نواب الشعب، نور الدين البحيري، أنه لم يقع التخلي عن التوافق مع «نداء تونس».

وأضاف البحيري: «نحن (النهضة) قبل الثورة (ثورة يناير/كانون الثاني 2011)، وبعدها نؤمن أن البلاد مبنية على التعدد والتنوع، وأن الخلافات الأيديولوجية والسياسية لا تمنع التعاون. كنا مع قانون انتخابي يضمن مشاركة أوسع قوى سياسية ولا يضع السلطة في يد حزب واحد».

ولدى سؤاله عن الكتلة التي سيتحالفون معها في الدورة البرلمانية المقبلة (تنطلق في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول المقبل)، لتمرير الموازنة العامة، قال البحيري، إن «التوافق خيارنا الاستراتيجي، وسنتعامل مع كل من يرى أن بلادنا تقام بالتشارك والتواصل».

وأشار البحيري إلى أن النهضة على استعداد «للتعامل مع الكتلة الجديدة (كتلة الائتلاف الوطني)، والقديمة (كتلة نداء تونس)، والكتل الصغرى والنواب الذين لا كتل لهم، والمهم هو التقدم ببلادنا».

ومضى قائلاً: «اليوم نحن في حاجة لإرساء المحكمة الدستورية، ولاستكمال هيئة الانتخابات (انتخاب رئيس الهيئة)، ومجموعة قوانين إصلاحية، مثل قانون إصلاح الضمان الاجتماعي، وغيرها من القوانين المتعلقة بمكافحة الفساد وفرض الشفافية».

ونفى البحيري أن تكون «النهضة» اختارت التحالف مع رئيس الحكومة ضد رئيس الجمهورية. وشدد: «اخترنا الاستقرار الحكومي، ولم نختَر أن نكون ضد الشاهد أو معه أو نكون ضد الرئيس»، لافتاً إلى أن هذا الاختلاف لا يفسد للودّ قضية.

واختتم بالقول: «من جهتنا فإن بلادنا في حاجة داخل البرلمان وخارج البرلمان إلى توافقات وطنية واسعة وروح تجميعية كبيرة».

The post انتهى إذاً التوافق الذي دام 5 سنوات بين السبسي وحركة «النهضة».. فما هي ملامح المشهد الجديد في تونس؟ appeared first on عربي بوست — ArabicPost.net.

قد يعجبك ايضا

اترك رد