الندوة الوطنية المركز المغربي لحقوق الإنسان : السياسات الحكومة وأثرها على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية

0

مابريس / وجدة  عمر خليل – محمد غربي

 

انفتاحا منه على مكونات وفعاليات المجتمع لتكريس ثقافة حقوق الانسان والتأسيس لها كممارسة سليمة منتجة وعقيدة راسخة، وإسهاما منه في الحراك الفكري والمعرفي الذي يشهده الحقل الحقوقي المغربي، في ظل المتغيرات السياسية الوطنية والإقليمية والدولية، واحتفاء بتأسيس فرع المركز المغربي لحقوق الإنسان بالجهة الشرقية، نظَّم هذا الأخير ندوة دراسية بمركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة، تحت شعار” السياسات الحكومية وأثرها على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية على المواطن المغربي”.

الندوة الدراسية الذي انطلقت أشغالها مساء يوم الخميس 19/06/2014، وحضرتها بالإضافة إلى الأساتذة والدكاترة المتدخلين, جموع غفيرة من المهتمين من حقوقيين منتمين لمختلف التنظيمات الحقوقية بالجهة وجمعويين وطلبة كلية العلوم القانونية والاقتصادية، ومسؤولين محليين، إلى جانب مواطنين متتبعي ومهتمين بالشأن الحقوقي.

وبعد الكلمة الترحيبية التي ألقاها الأستاذ موسى رشيدي، رئيس الفرع الجهوي للمركز المغربي لحقوق الإنسان، انطلقت أشغال الندوة بتقديم الأستاذ محمد غربي، الكاتب العام للفرع الجهوي للمركز، و مسير الندوة عرض، أماط فيه اللثام عن السياقات التي دعت إلى تنظيم هذا الملتقى الحقوقي، إسهاما في إثراء النقاش العمومي حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطن خاصة في ظل الإكراهات التي يعيش على إيقاعها الوضع الاقتصادي المغربي، المرتبطة أساسا بالخيارات الحكومية من جهة، وبتأثير الأزمة الاقتصادية العالمية من جهة ثانية.

بعد ذلك، كانت المداخلة الأولى للدكتور محمد بنقدور، رئيس اتحاد جمعيات حماية المستهلك، و نائب رئيس جامعة محمد الأول بوجدة، وكانت بمثابة ورقة تشريحية لواقع الاقتصاد الوطني في ظل الحكومة الحالية ، حيث قدم بالأرقام والنّسب مستويات النمو الاقتصادي والتوازنات الماكرواقتصادية والمديونية العامة والناتج الوطني الخام والاكراهات التي تعترض المبادرات الاصلاحية التي تستهدف بعض القطاعات الحيوية وطبيعة التدابير المتخذة لانقاذ بعض الصناديق العمومية ومختلف المؤشرات الاقتصادية وتاثيرها المباشر على المعيش اليومي للمواطن.

المداخلة الثانية تقدمت بها السيدة ناجية نور دكتورة في القانون العام ومسؤولة محلية بقطاع الشباب والرياضة، عرضت من خلالها مختلف الإنجازات ذات البعد الاجتماعي والاقتصادي التي قامت بها الحكومة الحالية بمبادرة منها أو استرسالا فيما لما تمت برمجته خلال الحكومة السابقة، لكنها ذكرت في ذات الوقت أن هذه الإنجازات التي قد تحسب لهذه الحكومة لا ترقى إلى مستوى انتظارات وتطلعات المواطن خاصة على المستوى الاجتماعي، الأمر الذي يجب تداركه واحتوائه.

المداخلة الثالثة كانت للأستاذة سليمة فراجي البرلمانية والحقوقية والمحامية بهيئة وجدة حيث قامت باستقراء قانوني لمجموعة من النصوص والمقتضيات القانونية التي تخول للمواطن مجموعة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في ظل دستور 2011، وكذا انخراط المغرب في المنظومة الحقوقية الدولية بتوقيعه على مجموعة من البروتوكولات والمعاهدات ذات الصلة بحقوق الانسان بكل ابعادها. ولأن الظرفية الاقتصادية التي يمر بها المغرب حرجة ولا تحتمل الخطأ التدبيري كما مؤشرات كلفة العيش اليومي في تصاعد مستمر بسبب الزيادات المتواصلة في الأسعار تؤكد الأستاذة سليمة فراجي بأنها قد تتسبب في انهيار الطبقة المتوسطة التي هي صمام أمان استقرار المجتمع وضامن استمرارية السلم الاجتماعي، والمساس بها قد تترتب عنه احتقانات وتداعيات اجتماعية قد يصعب احتوائها، داعية إلى ضرورة تبني مقاربات اجتماعية واقتصادية فاعلة وفعالة كفيلة باحتواء مختلف المشاكل التي تعترض المواطن في سبيل العيش الكريم كما نص على ذلك دستور 2011.

كما سجّلت الندوة تدخل الأستاذ عبد الإله الخضري مباشرة وعبر الأنترنت من مدينة الرباط  حيث ألقى كلمة المكتب التنفيذي للمركز المغربي لحقوق الإنسان، تناول فيها  الأهمية التي أقرها المنتظم الدولي للحقوق الإقتصادية و الإجتماعية ، حيث تم إقرارها من طرف منظمة الأمم المتحدة في عهد خاص بها سمي بالعهد الدولي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية، كما تحدث الأستاذ الخضري عن الصعوبات الكبيرة التي يعرفها الوضع الإقتصادي المغربي بسبب السياسات العمومية التي نهجتها الحكومات المغربية المتتالية والتي تراكمت تبعاتها وفشلها على مر عشرات السنين في إرساء قواعد اقتصادية فاعلة، بدءا بمرحلة انتهاج سياسة الاقتصاد الموجه ومرورا بسياسة التقويم الهيكلي، وما صاحبه من مخطط تلو مخطط، حيث ساعد هذا النهج الذي يمكن تبرير ظروف نشأته، إلى خلق بذور اقتصاد الريع، بدل أن يهيئ إلى خلق وتطوير بنية اقتصادية  رافعة للنهوض بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، يشجع على التنافسية والاستحقاق المبني على الكفاءة والجودة والالتزام، كما تحدث الأستاذ عبد الإله الخضري عن تضاعف مديونية المغرب و كذلك عن الاختلالات التي طالت و لا تزال عددا من المرافق العامة مثل  صندوق الضمان الاجتماعي والمكتب الوطني للماء و الكهرباء، مؤكدا على أن خيارات الحكومة المغربية لحالية، في ظل عدم قدرتها على مواجهة بؤر الفساد ضئيلة جدا، ولا تجد من سبل سوى تلك التي تروم مزيد من التضييق على الحلقة الأضعف، ألا وهي القدرة الشرائية للمواطن، من خلال تقليص الدعم على مواد حيوية، وهذا ما يدفع إلى دق ناقوس الخطر، خاصة وأن نسبة البطالة في صفوف الطبقة النشيطة في تزايد مضطرد، والانكماش الاقتصادي الذي تعرفه اقتصاديات البلدان الشريكة للمغرب ترخي بضلالها على الوضع الاقتصادي المغربي بشكل مباشر.

المداخلة الرابعة كانت للدكتور بنيونس مرزوقي استاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق بوجدة وكانت دستورية بامتياز، رصدت الأسس التي انبنى عليها نشوء الديموقراطيات الغربية خاصة بفرنسا وانجلترا، في استقراء تاريخي لمختلف سياقاتها، مبرزا أن هذه الديموقراطيات وقبل أن تتشكل كمنظومات، كرست واقعيا وعمليا مختلف الحقوق والحريات الفردية للمواطن قبل أن تطوقه بالواجبات. ومن هذا المنطلق دعا الاستاذ المحاضر الى ضرورة تبني فلسفة اقتصادية واجتماعية متناسقة ومتماسكة تستحضر قبل كل شيىء التأصيل لثقافة الحقوق قبل الواجبات.

الداخلة الخامسة كانت للسيد رشيد هيلالي، عضو المجلس الوطني لحزب العدالة  والتنمية، تحدث فيها عن أهمية المنجزات الحكومية معطيا أمثلة عن نظام راميد، و صندوق التكافل الإجتماعي و فتح ورش إصلاح صندوق المقاصة و دعم الشباب من خلال منح الدراسة و نوه إلى أن الظرفية الصعبة التي يجتازها الوضع الاقتصادي والاجتماعي الحالي لا يجب أن نحملها للأغلبية الحكومية الحالية و إنما هي نتيجة ترسبات عن سياسات حكومية سابقة، كما أكد على أن القطع مع أشكال الفساد والاستبداد والتحكم شرط ضروري لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مشددا على أنه من غير المقبول العودة إلى ممارسات ما قبل دستور 2011.

وبعد استنفاذ الوقت المخصص للمداخلات الضيوف المدعوين، فتح باب النقاش لمداخلات المهتمين من حقوقيين وجمعويين حيث دعت في مجملها الى ضرورة اعتماد سياسات عمومية تستهدف بالدرجة الاولى الرقي بالحقوق الاجتماعية للمواطن الكفيلة بضمان العيش الكريم وضمان حقه في الولوج لمختلف الخدمات الاجتماعية.

وفي ختام الندوة الوطنية، التي عرفت نقاشا قويا وصريحا، وحادا أحيانا ما، أجمع المتدخلون والضيوف إلى أن ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية رهينة بسياسات حكومية ديمقراطية، تساهم في ضمان تنمية عادلة ومنصفة، مع اعتماد معايير الاستحقاق والكفاءة وربط المسؤولية بالمحاسبة في تدبير المؤسسات، وتشجيع روح المبادرة في صفوف الشباب، وتقوية الطبقة المتوسطة كدعامة أساسية للاقتصاد الوطني، ولا يمكن أن يتأتى ذلك إلا من خلال التزام جميع النخب السياسية والحقوقية ضمن ورش الإصلاح الكبير الذي يعيشه المغرب، مع ضرورة اعتماد مبدأ التدبير الديمقراطي للاختلاف وعدم السقوط في براثن الإقصاء أو التخوين.

قد يعجبك ايضا

اترك رد