الفنان أنور الجندي يستحضر ذكرى رحيل العملاق الراحل محمد حسن الجندي
حين بدأت أعي ما ومن حولي وأنا ابن الست سنوات {1967} ، وعلمت أن الوالد المرحوم محمد حسن الجندي والوالدة فاطمة بنمزيان أسكنهما الله فسيح الجنان، من الشخصيات العامة المعروفة والمشهورة في وطننا الحبيب – ولانزكيهما على الله أبداً – لا أنكر حينها أنني كنت أشعر بالزهو والفخر دون تعالٍ أو غرور بل على العكس تماما، إذ كنت – على سبيل المثال – أُصَبِّر نفسي وأكظم غيظي كلما لحقني ظلم أو ضررُ بعض أصدقائي الأعزاء الأقارب أو الأباعد، خوفا من أن يُتداول بين الزملاء والأصدقاء في الدراسة أو في مباريات كرة القدم، والتي كنت أمارسها بانتظام ضمن صفوف فريق { المغرب الرباطي }،أو أن أنعت ب {ولد الجندي عاجبو راسو}… فترعرعنا وكبرنا أنا وأخي المرحوم عبد المنعم وأخي حسن ولاحقا أختي هاجر على هذه الطباع وهذه العادة، وحتى حين صَوّر المرحوم الوالد فيلم الرسالة، وسطع نجمه عربيا وانطلق في مسيرته المسلسلاتية التاريخية على وجه الخصوص، في كل من الأردن واليونان والعراق والإمارات ومصر، بما في ذلك استقراره رحمه الله ب BBC في لندن – مطرودا من الإذاعة – أقول حتى بعد هجرته، كانت الوالدة تردد على مسامعنا في خروجنا ودخولنا : ” إياكم والمشاكل، ديرو شهرة وسمعة بّاكم بين عينكم ” ولا أخفي قراء هذه السطور الأفاضل والفضليات، أننا أحيانا كنا نضيق ذِرعاً بهذه الوصايا المتكررة، والتي كنا نرى فيها أحيانا إجحافا في حقنا، خصوصا عندما كنا نتعرض لإهانة بعض الإخوة الزملاء { أصدقاء العصر الذهبي } رحم الله بعضهم وأطال الله عمر الباقين .
وتمر السنوات تَتْرى ، ولم نحِد أو تزلّ أقدامنا أبدا وبكل تواضع عن هذه الأخلاق التواضعية رغم شهرتنا نحن أيضا ، { فمن شب على شيء شّابّ عليه، وأضيف – و من شاب على شيء مات عليه – }
وتدور الأعوام بحلوها ومُرِّها بل ومرارتها، وتنتقل للرفيق الأعلى روحَيْ الوالد والوالدة ليبقى ما أوصيانا به نصب أعيننا ، ويشهد الله تعالى أننا نمشي على طريقهما وننحو منحاهما، بل وجُبلنا على ذلك وصار هو دأبنا وأضحى ديْدَننا، وها نحن مثلا رغم الإقصاء والتهميش الذي يطالنا لسنين طويلة تلفزيا وسينمائيا خصوصا من بعض شركات الإنتاج { شناقة الفن } و – بعض المخرجين وأشباههم سامحهم الله – … قلت رغم ذلك لم نحرّك ساكنا، وفي كثير من المناسبات نفضّل الصمت والإنزواء والإنطواء، ولم نخرج بخرجات فايسبوكية أو يوتوبية متذمرين شاكين أو باكين، رغم أنّ السواد الأعظم يعتقدون خطأً أننا من المستفيدين، ويعلم عكس ذلك المولى سبحانه ثم أقرب الفنانين لنا وعلى الأخص فرقتنا “
(مسرح فنون لفاطمة بنمزيان 37 سنة)
– والحمد لله على عطف المسرح وجمهوره علينا، إذ بفضله – ورغم محدودية دخله – يشعرنا أننا لازلنا على قيد الحياة فنيا – وها آذاننا لازالت محتفظة بقولكما أبي الحاج محمد وأمي الحاجة فاطمة …
وها التاريخ وقد اقترَبَت شخصيا قدماي بعد شهور قليلة للستين سنة يعيد نفسه، لأتعرض ومعي العائلة في 2020 لتصرف غريب من السيد وزير الثقافة الدكتور لحسن عبيابة !!! ذلكم التصرف المتمثل في رفضه تخصيص موعد لنا، لمناقشة لوجستيات وميزانية وترتيبات الدورة الثانية للتظاهرة الدولية { ملتقى آلجندي للبهجة والفرجة المسرحية}، وأنا العبد المتواضع لله بصفتي مديرا لهذا المهرجان الدولي، والذي سافرتُ من أجله إلى دكار وإشبيلية على نفقتي، للإتفاق مع فناني هاتين الدولتين كضيفتي شرف الدورة : {دولة السينغال الشقيقة والمملكة الإسبانية الصديقة} إذ أستفسر السيد الوزير هل هذه العائلة التي بذلت قصارى جهودها منذ عهد الحماية إلى يومنا هذا، لا ترقى لمستوى استقبال وزير لها، وتخصيصه ل 30 دقيقة من وقته الثمين جدا !!!؟ ، ونحن الذين – اللهم لامَن – أفنينا ووالدينا أعمارنا في توفير البهجة والفرجة داخل وخارج الوطن… {60 سنة للمرحوم – 50 سنة للمرحومة – 40 سنة للعبد لله الضعيف }
فعلا هذا أمر مبكٍ ومُحزن….
أيها الوزير المحترم ، ها نحن في ذكرى وفاة المرحوم محمد حسن الجندي نطلقها صرخة مدوّية { عائلة الجندي وبنمزيان حزينة، بل ومكسورة الخاطر في عهدك الوزاري} ويا ليتنا نعرف السبب الأساسي والرئيس لموقفكم غير المبرر تماما، فنحن نعلم أن كبار المسؤولين وعظماء الحكام يجدون الوقت لاستقبال أوفياء أوطانهم ورموز بلدانهم، بل وشرائح عدة من مستضعفي شعوبهم…
والدي العزيز، كنت قد قررت ألا أحلِق لحيتي وكذلك فعلت لشهور، حتى أصبحت كثة ويكسوها البياض، إلى أن يستقبلنا وزير الثقافة الذي طالبناه بلقاء منذ خمسة شهور ويزيد، وهو يرفض ذلك لأسباب نجهلها ياوالدي !! رغم مكاتباتنا المتكررة له والمهاتفات العديدة، لكن لاعليك يا والدنا، فأنا اليوم وبمناسبة ذكرى رحيلك أيها الأب الحبيب الشهم سأُهذب لحيتي، لأنني قررت، أجل قررت وأخي الحاج حسن و أختي هاجر رئيسة الملتقى وبعض أفراد العائلة وثلة من الفنانين المتطوعين من الأجيال الثلاثة، أن نحيي هذا الملتقى الدولي بدون دعم { وزارة الثقافة } وبالإعتماد على الله المستعان ثم تطوع مجموعة من المحبين لنا من الإعلاميين والمحاضرين والمفكرين والفلكلوريين والصناع التقليديين في مراكش وبعض مدن المملكة أحسن الله صنيع الجميع ، علاوة على وعود طيبة بالدعم اللوجستي من بعض الجهات المشكورة ، والتي أبدت استعدادها للمساهمة في هذا الملتقى.
فالله أكرم وسبحانه أعلم بما تخبئه الأقدار لهذه التظاهرة الفنية …
وختاما، مملكتنا المغربية والحمد لله تعالى زاخرة بالنساء والرجال الوعول ، وزاهرة بأعناق القوم وجحاجحهم، لتظل كرامتنا وعزة أنفسنا وأنفتنا وتربية والِدَينا لنا تغنينا عن التعامل مع وزير يوصد أبوابه أمامنا كشريحة من هذا الوطن الذي نهيم حبا فيه وفي ثوابته المجيدة والتليدة ، وبدون مزايدة…
و سأستمر متفائلا أردد الأبيات اليتيمة مترنما ومعزيا نفسي وإخوتي والمغاربة الأقحاح في فنانهم العزيز محمد حسن الجندي، وكافة فناني الرعيل الأول الأطواد :
وكَم لله من لطف خفِي
يدٍقّ خَفًاهُ عن فهم الذكي.
وكم أمر تُساءُ به صباحا
فتاتِيك المسرّة بالعشي …
موعد عشاق ملتقى آلجندي للبهجة والفرجة المسرحية مع الدورة الثانية من الملتقى أيام 3 و 4 و 5 يوليوز 2020 في مدينة مراكش.
أخيرا نم قرير العين يا سيف بن ذي يزن، وليرحمك الله أنت وكل نساءات ورجالات هذا الوطن الغالي، أولئك الذين قال في حقهم رب العزة :
(من المؤمنين رجال عاهدوا ما صدقوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا )
صدق الله العظيم.
مقالي بمناسبة ذكرى رحيل المرحوم محمد حسن الجندي تغمده الله بواسع رحمته.
2017- 2020