العلاقات المغربية القطرية: مسار تعاون وشراكة متواصلين

0

تأتي الزيارة الرسمية، التي يبدأها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، يوم الأحد للدوحة، لتؤكد العزم، على بناء مسار متنام لعلاقات البلدين بأرضية صلبة يتكرس فيها التعاون بروح الشراكة، ويتم فيها تبادل المنافع والدعم وتراعى فيها المصالح المشتركة.

وتأتي هذه الزيارة الرسمية بعد زيارة الأخوة والعمل التي قام بها جلالة الملك ما بين 28 و30 أبريل 2016 الى الدوحة، ضمن جولة قادت جلالته الى عدد من دول المنطقة.

وإذا كان من ثمار انتظام زيارات المسؤولين بالبلدين ولقاءاتهم ترسيخ مزيد من التقارب عبر تبادل المشورة والرأي حول العلاقات الثنائية والقضايا ذات الاهتمام المشترك، فإن من هذه الثمار أيضا، تقريب وجهات النظر، والبحث في توسيع آفاق التعاون وتنويع مجالاته ومدخلاته والدفع بمسارات تنفيذ هذا التعاون.

ويتعزز ويتوثق التعاون بين المغرب وقطر، ويأخذ صيغته القانونية والتنظيمية وآليات تنفيذه من خلال سلسلة اتفاقيات وبروتوكولات وبرامج تنفيذية شملت، تنفيذا لتوجيهات قائدي البلدين، ميادين اجتماعية وثقافية ورياضية واقتصادية وقضائية وعسكرية.

ومن أقدم الاتفاقيات الموقعة بين البلدين والتي تمحورت حول التعاون الثقافي والفني، تلك التي وقعها الجانبان في 26 يوليوز 1975، لتتلوها بعد ذلك جملة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، منها اتفاق التعاون في مجال التشغيل وتنظيم استقدام اليد العاملة الى دولة قطر الموقع في ماي 1981 والذي أسفر عن تدشين مكتب العمل المغربي في الدوحة (21 أكتوبر2015)، فضلا عن اتفاقية أخرى في نفس الموضوع تم توقيعها في 17 ماي 1981، وما أعقبها من بروتوكول اضافي في 24 نونبر 2011.

كما تم في يونيو 1996 التوقيع على اتفاقية لإنشاء لجنة عليا مغربية قطرية مشتركة ستتوالى دوراتها بالتناوب بين الرباط والدوحة باعتبارها هيئة مشتركة لمتابعة تنفيذ وأجرأة الاتفاقيات والبحث عن مزيد من فرص التعاون، والتي كانت اجتمعت في آخر دورة لها وهي السادسة في أبريل 2016.

وكانت هذه الدورة خصبة بما رشح عنها من اتفاقيات، إذ تم خلالها التوقيع على تسع اتفاقيات تعاون ومذكرات تفاهم وبرامج تنفيذية، امتدت الى قطاعات متعددة، شملت التعاون في المجالين القانوني والقضائي ومجال النقل البحري، والتعاون بين الوكالة الوطنية للموانئ والشركة القطرية لإدارة الموانئ، واتفاق خاص ببرنامج (بذور للشباب المغربي) موقعة ما بين مؤسسة (صلتك) في قطر ومؤسسة (التوفيق) للتمويلات الصغرى بالمغرب.

وتوجت الدورة أيضا بالتوقيع على مذكرة تفاهم للتعاون في مجالات النفط والغاز والطاقة المتجددة والكهرباء وكفاءة استخدام الطاقة، الى جانب مذكرة تفاهم بين الهيئة العامة للتقاعد والتأمينات الاجتماعية بدولة قطر وصندوق الايداع والتدبير، وبرنامجين تنفيذين في المجال الثقافي والفني والرياضي.

ومن جهته، يكشف مجال الاستثمار المتبادل عن رغبة حقيقية لدى الجانبين لاعتماد آليات عمل فعالة واكتشاف فرص واعدة للاستثمار، خاصة في إطار ما تسمح به إمكانات التكامل بين الاقتصادين، وهو ما، يراه المراقبون بالبلدين أسرع بوابة وأكثرها فاعلية للنهوض بهذا الشق من التعاون الى المستوى الذي يرضي تطلعات الجانبين.

وتحضر بقوة على رأس القطاعات الواعدة في هذا المجال، بحسب خبراء السوق المغربي، الفلاحة والصيد البحري والنسيج والصناعات الجلدية والخدمات المالية وتكنولوجيا المعلومات والاتصال.

وفي حضور ترسانة قانونية مشجعة على الاستثمار وبيئة حاضنة ومناخ محفز، وانتظام دورات اللجنة العليا المشتركة القطرية المغربية، وموارد بشرية مؤهلة ومتميزة بقدرتها على التكيف واكتساب الخبرة بالسرعة المطلوبة لتحقيق الإنجازات المنتظرة منها، تجتمع جملة شروط مساعدة على تحريك عجلة الاستثمار بالسرعة المطلوبة.

لكن رغم ذلك، تفيد أرقام المبادلات التجارية أنها ما تزال دون طموح الجانبين وإمكاناتهما وحاجياتهما الفعلية، ذلك أن قيمة المبادلات الثنائية لم تتجاوز 704 ملايين درهم في 2015، منها 186 مليون درهم للصادرات المغربية المتمثلة في مواد مصنعة للاستهلاك ومواد غذائية متنوعة الى جانب بعض مواد البناء، وبكفة راجحة لفائدة قطر في ما يستورده المغرب منها من مواد بلاستيكية ومشتقاتها والكبريت الخام والألمنيوم.

وبحسب مكتب الصرف، استورد المغرب من قطر ما قيمته 532.84 مليون درهم في 2016 في مقابل 191,05 مليون درهم خلال 2017، فيما صدر المغرب اليها في 2016 نحو 111.32 مليون درهم في مقابل 65.83 مليون درهم في 2017.

أما في ما يخص الاستثمارات القطرية في المغرب فسجلت، بحسب أرقام كان قد أدلى بها السيد محمد بوسعيد وزير الاقتصاد والمالية في تصريح للصحافة، حوالي 3.4 مليار درهم (نحو 340 مليون دولار) خلال 2013، لتنتقل خلال 2014 الى 4.5 مليار درهم (حوالي 450 مليون دولار)، أي 12.3 في المائة من إجمالي الاستثمارات الأجنبية، ولتسجل خلال الثلاثة أشهر الأولى من سنة 2015 نحو 3.4 مليار درهم.

وتشمل هذه الاستثمارات، بحسب الوزير، قطاعات هامة كالصناعة والسياحة ومشاريع الطاقة المتجددة، إضافة إلى مشاريع البنية التحتية.

وتبدو هذه المؤشرات على صعيدي الاستثمار والتبادل التجاري غير مستجيبة لطموحات جميع الأطراف في البلدين بالنظر الى إمكاناتها وحاجياتها وطموحات وانتظارات السوق بهما.

وهو ما قد يرجعه البعض في مجال المبادلات التجارية الى شدة منافسة المنتوجات الآسيوية وجاذبية السوق الآسيوي، وربما ضعف أدوات الاستقطاب والجذب لدى المصدر المغربي من جهة، واكتفاء الفاعل القطري بجواره الجغرافي من جهة أخرى، وقد يعزوه البعض الآخر الى عامل البعد عن المغرب.

ويتفق الفاعلون الاقتصاديون والسياسيون بالبلدين على أن اكتشاف مجالات التعاون وفرص الاستثمار والارتقاء بنتائج هذا التعاون، بناء متواصل وبحث متجدد يتظافر فيه ما هو إنساني بما هو سياسي واقتصادي وثقافي، وتحركه الإرادة وتعمق جذوره مواصلة الإنجاز.

بطاقة تقنية عن دولة قطر

تقع دولة قطر، ضمن مساحة لا تتجاوز11437 كيلومتر مربع، في منتصف الساحل الغربي للخليج العربي، بحدود برية مشتركة جنوبا مع المملكة العربية السعودية، وجوار بحري مع كل من مملكة البحرين والإمارات العربية المتحدة، وامتداد ساحلي تقدر مسافته ب563 كلم مربع.

وتمتلك قطر، العضو في مجلس التعاون الخليجي، والتي بلغ إجمالي عدد سكانها حتى شتنبر 2017 حوالي 2.634.234، مخزونا ضخما من الغاز الطبيعي يقدر بأزيد من 900 تريليون قدم مكعب، أي 14.5 في المائة من جملة الاحتياطي العالمي، الى جانب احتياط مهم من النفط، وهو ما يمد اقتصادها بقوة تجعله في دائرة أسرع الاقتصاديات نموا على مستوى العالم.

وفي هذا الصدد، يقدر حجم الاقتصاد القطري، وفقا لصندوق النقد الدولي، ب 170 مليار دولار، وهو لا يعتمد فقط على قطاع الطاقة، إذ بموزاة هذا القطاع تطورت قطاعات غير نفطية لتمثل حاليا 61 في المائة من حجم الاقتصاد، الى جانب جهود كبيرة يجري القيام بها من أجل الوصول الى تحقيق الاكتفاء الذاتي خاصة في القطاع الفلاحي وما يتصل بمجال الانشاءات والتعمير.

وتخضع دولة قطر، التي استقلت في ثالث شتنبر 1971، لنظام سياسي أميري يرأسه الشيخ تميم بن حمد آل ثاني منذ 25 يونيو 2013.

وتعرف الحياة السياسية في قطر هدوءا واستقرارا٬ وهي تتميز بتعدد المنابر المتمثلة في الجمعيات الثقافية والمجالس والمنتديات التي تعكس مختلف التوجهات والتيارات السياسية والفكرية.

وكانت قطر قد شهدت تنظيم أول انتخابات حرة بواسطة الاقتراع المباشر لاختيار أعضاء المجلس البلدي المركزي سنة 1999، بمشاركة المرأة القطرية لأول مرة في منطقة الخليج العربي.

كما جرى تعيين هيئة خاصة عهد إليها بإعداد مشروع أول دستور للبلاد كخطوة نحو إقامة مؤسسات ديمقراطية فعلية. وجرى عرض مسودته على الشعب للاستفتاء في 29 أبريل 2003، حيث حاز على نسبة موافقة وصلت إلى 96,6 في المائة، ليصدر في يونيو 2004 قرار أميري بالمصادقة على الدستور الدائم لقطر ونشره في الجريدة الرسمية.

وتم في النصف الثاني من سنة 2013، إجراء أول انتخابات لمجلس الشورى.

وعلى مستوى مجلس الشورى، وفي خطوة إصلاحية جديدة، أعلن أمير قطر، في تاسع نونبر الجاري، عن قرار تعيين أربع نساء ولأول مرة في تاريخ المجلس، وذلك من بين 28 عضوا جديدا معينا.

وفي مجال حقوق الإنسان، وتأكيدا لتعهدات دولة قطر بإقامة دولة المؤسسات والقانون، تم في 2002 احداث "اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان"، التي تتولى، ضمن ما أسند اليها من مهام العمل على تحقيق الأهداف الواردة في الاتفاقيات والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان التي توجد الدولة طرفا فيها، وتقديم المشورة في المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان وحرياته.

وبموازاة ذلك، صدرت عدة قوانين تخص مكافحة الإرهاب، وتأسيس الجمعيات والمؤسسات الخاصة وقوانين أخرى تخص حقوق العمال، ومنها القانون الخاص بتنظيم دخول وخروج الوافدين وإقامتهم، الى جانب مجموعة من التعديلات الموجهة لتعزيز هذا الجانب.

وعلى المستوى الاستثماري، تعتمد الاستثمارات القطرية في مجال إنتاج وتسويق الغاز على خطوط ومنشآت عملاقة تتركز شمال البلاد، وإقامة شراكات مع دول مستقبلة لبناء محطات على أراضيها تكون منطلقا لتزويد محيطها الإقليمي والقاري بالغاز المنقول مباشرة من دولة قطر مثل محطة الأدرياتيكي، التي جرت إقامتها في إيطاليا سنة 2009.

كما جرى إنشاء صندوق قطر السيادي سنة 2005، لإدارة فوائض عائدات النفط والغاز الطبيعي، سعيا إلى تنويع مصادر اقتصادها. وهو يشغل حاليا، بحسب بعض التصنيفات، المرتبة التاسعة على مستوى أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم، وتقدر أصوله الإجمالية بحوالي 335 مليار دولار.

وفي سياق هذا التوجه الاستثماري لتنويع مصادر الدخل، قامت مؤسسات قطرية بالاستثمار في مجموعة من قطاعات الأنشطة والمنشآت والعقارات في كل من بريطانيا والولايات المتحدة والبنوك والأندية الرياضية الأوروبية العريقة، في كل من لندن وباريس، على الخصوص.

وحقق الاقتصاد القطري نموا ملحوظا مكن الإمارة من احتلال الصدارة العالمية في مجال الدخل الفردي، خاصة في ظل عمليات التحديث المتواصلة لمشاريع البنية التحتية المعتمدة كعمود فقري للتحضيرات الجارية لاستضافة نهائيات كاس العالم 2022.

ووفقا ل(رؤية قطر 2030)، تضع قطر ضمن أولوياتها التنموية هدف تحقيق التوازن بين التنمية البيئية والاقتصادية والاجتماعية والبشرية بما يوفر الأساس لرفاهية طويلة.

ومع: 12/11/2017

قد يعجبك ايضا

اترك رد