الجزائر والحرب الروسية الأوكرانية: سياسة خارجية متوازنة أم تدخل استراتيجي؟
بقلم: نورالدين الشضمي
مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، أعلنت الجزائر سياستها الخارجية المبنية على عدم الانخراط في أي نزاع. وفي ذلك السياق، وجهت اتهامات لبعض الأطراف التي لم يتم ذكرها بمحاولة إشراك البلاد في النزاع، بينما أكدت الجزائر أن أولويتها تكمن في حماية رعاياها في الخارج. تسعى الجزائر من خلال هذا النهج إلى تحقيق توازن بين المحاور الدولية المختلفة، نظرًا لارتباطها بعلاقات استراتيجية مع القوى المتصارعة في النزاع، سواء القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة والدول الأوروبية، أو روسيا.
من ناحية أخرى، يبدو أن السياسة الجزائرية تتجه في اتجاه مغاير عندما يتعلق الأمر بالحرب الروسية الأوكرانية. فقد أظهرت زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى روسيا دعمًا جزائريًا لروسيا على حساب أوكرانيا. على الرغم من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها الجزائر والتحديات التي يواجهها المواطن الجزائري، قام تبون بتحويل حوالي 18 مليار دولار من أموال الشعب الجزائري إلى خزينة موسكو، وذلك كدعم لبوتين. وقد تبررت هذه الخطوة بحجة صفقة شراء الأسلحة التي قامت الجزائر بها من روسيا. ووفقًا لمصادر إعلامية مختصة في صفقات الأسلحة، فقد خسرت موسكو جزءًا هامًا من العتاد العسكري في الحرب ضد أوكرانيا، وبالتالي فإن بوتين بحاجة إلى تعويض تلك الخسائر، خصوصا أن المصانع العسكرية الروسية تعرف عجزا كبيرا في إنتاج الأسلحة للاستعمال المحلي فكيف لها أن تبيع أسلحة لدول أخرى كـ الجزائر؟..
من جانب آخر، سبق لوسائل الإعلام الفرنسية أن اتهمت الجزائر بتمويل صفقة تجنيد مرتزقة من مجموعة فاغنر. وذكر موقع “ألجيري بارت” أن الجزائر قد وافقت على تمويل نحو 50% إلى 70% من تكلفة جلب مرتزقة فاغنر إلى مالي. ورفضت السلطات الجزائرية هذه الادعاءات وأكدت في بيان أنها لا أساس لها من الصحة، مشيرة إلى أنها تأتي من وسيلة إعلامية معروفة بتوجهها لصالح المديرية العامة للأمن الخارجي التابعة للاستخبارات الفرنسية.
يرى المحللون أن عبد المجيد تبون استعان ببوتين، الذي يواجه صعوبات في حربه ضد أوكرانيا، من خلال الاعتماد على مجموعة فاغنر كأداة لتدمير جبهة البوليساريو التي استولت على تيندوف بدعم من الجزائر خلال السنوات الماضية. وأصبحت البوليساريو تشكل عبئًا على قادة الجزائر وتمثل عقبة في مسألة الصحراء المغربية. وبالتالي، يرى تبون أن مجموعة فاغنر هي الحل الوحيد وأحد الأدوات التي يمكن الاعتماد عليها بعد البوليساريو.
إن السياسة الجزائرية في مواجهة الحرب الروسية الأوكرانية تثير تساؤلات حول مدى تحقيق التوازن في النهج الخارجي للبلاد، وهل تمثل هذه الخطوات مجرد تمسك بالتقاليد السياسية الجزائرية أم إشارة إلى تدخل استراتيجي لتحقيق مصالحها وتعزيز تحالفاتها الخارجية.