استراتيجية القَصَاص الصَّادِم لمحاربة الإرهاب الظَّالم !
يتحرَّك الحائط الفايسبوكي عند حُمَاة الخُرافَة و خُدَّام الجماعات المُؤَدْلِجَة للإسلام ، بتدوينات ظاهِرُها التعبير عن إدانة جريمة ذبح السائحتين و بَاطِنُها التشويش المُضَلِّل على الإستراتيجية الأمنية لمحاربة الإرهاب. حيث لم يَصِلْ مَدَى وضوح هذه التدوينات و المقالات ، و كذلك لم يَبْلُغْ مَدَى رزانة صياغتها ، إلى مقامٍ محمودٍ يُسَمَّى : تَسْمِيَةُ الأُمُورِ بِمُسَمَّيَّاتِهَا و رفض الإرهاب بشكل صريح لأنه يذبحُ أَهَمَّ حَقٍّ من حقوق الإنسان: حق الفرد في الحياة و حق الإنسان في الأمن .
فالإرهاب هو في جوهره إنكار لحقوق الإنسان وتدمير لها… و يجب علينا مكافحة الإرهاب بلا هوادة لحماية حقوق الإنسان. ونحن حينما نشمل حقوق الإنسان بالحماية، نعمل في نفس الوقت على التصدي للأسباب الجذرية للإرهاب. ذلك أنّ حقوق الإنسان لها قدرة على تحقيق الوئام أكثر شدة من قدرة الإرهاب على إحداث الدمار. مثلما أكد على ذلك السيد أنطونيو غوتيريس في خطاب ألقاه في لندن يوم الخميس 16 نوفمبر 2017 حول الإرهاب وحقوق الإنسان .
هكذا إذن ؛ نُتابِع و نُطالِع ما تَرْقُنُهُ و تُدَوِّنُهُ الأنامل العَاضَّةُ ، و نُحَاجِجُ العقول الشاذَّة لِمُرتزقة الإسلام السياسي. حيث نَجِدُهَا ترفض القيام بِنَقْد الأساس الإفتائي المنخور الذي تَحَوّل إلى عقيدة أَمِرَةٍ نَاهِيَّةٍ لتمييزِ تَنٌظيماتِها الحركية . و كذلك تجديد مراجعاتِها الفقهية القاصرة و تَبْيِينِ مواقفَها من الإرهاب بشكل واضح دون كثرة لفٍّ أو إلتواءٍ مُتَفَيْقِهٍ . مع السعي القانوني نحو لَجْمِ الفتاوى المُحَرِّضَة على رفض و كراهية الآخر ، هذه الفتاوى التي تفتح باب القتلِ المأجور لكل الحاملات و الحاملين لها ، و تُرَجِّحُ كَفَّةَ الإرهاب الظالم على كفة الدعوة الحسنة في ميزان المقاصد العامة للشريعة الإسلامية.
ولعل الجميع يَعلمُ عِلْمَ اليقين أن جمهور الشباب المغربي لا يَنْشأُ على سلوك و عادات التدين الإرهابي في الأسرة أو في المسجد ، بل هو المُحَرِّضَ الإرهابي المُسْتَوْرَد من مَشْرِق الجماعات الدعوية الكهنوتية ، قد إستطاع تطوير خطته التواصلية من خلال الإنتقال من فضاءاتِهِ العامة الكلاسيكية إلى فضاء القنوات الإعلامية ، ثم منها إلى الإستفادة من الفضاء الإفتراضي الذي أنشأته الثورة الرقمية. سواء من حيث الترويج لِقُدَّاس طقوس جرائم النحر و التفجير الإنتحاري، أو نشر ضلال فتاويها بكل حرية مُتاحة، كل هذا فى إطار " جهاد رقمي " مُسْتَقْطِب يَخْتَبِأُ خلف شاشات الشبكة العنكبوتية.
استقطاب رقمي متعدد التأصيلات النظرية و الغاية منها واحدةٌ وحيدة ، و على سبيل المثال لا الحصر نُورِدُ هذا " التهديد " الذي سبق أن أطلقه المُسَمَّى قيد حياتِه عبد السلام ياسين الأب الروحي لإحدى جماعات الإسلام السياسي التي تَدَّعي السلمية و نبذ العنف ، وذلك خلال المجلس الثالث والثلاثون من سلسلة دروس " المنهاج النبوي " التي ألقاها بتاريخ 9 جمادى الثانية 1402 الموافق لــ 4 أبريل 1982، حيث قَالَ يُرْهِبُ كُلَّ مَنْ يُعارض ما سمَّاه "المد الإسلامي" لِجَماعَتِه الياسينية : " احذروا أَنَّكُم إنْ لم تَتَعلَّموا كيف تَتَعاملون مع هذا المدِّ "الإسلامي" الذي لا يُقاوِمُهُ وَ لا يُحاول مُقاوَمَتُه إلاَّ جاهل ، لأَنَّه أَمْرٌ من أَمْرِ الله فلن يوقف أمر الله شيء، و إنْ وَقَفْتُم ضدَّ المَدِّ "الإسلامي" سَتَخُوضُون الزوابع والانفجارات والدَّمَار المُحَتَّم " .
وَ – رُبَّما – هذا ما يجعلُ المدعو حسن بناجح تلميذ الخرافة الياسينية يَخْرُجُ علينا حاملاً قلَمَهُ بِذِكر مساوئ الإستراتيجية الأمنية لمواجهة الخطر الإرهابي ، و نَعْتِها بأبشع " الصفات الحقوقية " قصد عرقلة عملها الوطني في حماية أمن الوطن و سلامة المواطنين. و قبل هذا ؛ هاجمت جماعة التوحيد و الاصلاح قرارات المؤسسة القضائية المُتَعَلِّقَةِ بمُتابعة أحد أعضائِها المدعو عبد العالي حامي الدين بتهمة المساهمة في جريمة قتل الطالب آيت الجيد بنعيسى تحت شعار له دلالة ميز عنصري على أساس ديني " لن نسلم لكم أخانا ". هذه المؤسسة القضائية الدستورية الوطنية التي تعتبر الفيصل القانوني في عدالة العقوبة و الجزاء ، و تطبيق القانون الذي يُشكِّلُ عماد الديمقراطية المغربية الصاعدة .
و بناءً على تاكتيك الحملة التَّشْكِيكِيَّة في مِهَنِيَة الأجهزة الأمنية و القضائية و قانونية المساطر المُؤطِّرة لإجراءاتها العملية ، تتحرَّك الأذرع الجماعاتية لتنظيمات الغلو و التطرف داخل المجتمع المدني و الدعوي قَصْدَ توفير غطاء بَشَري ، و قناع سياسي و حقوقي يحاول تحرير العناصر الحاملة للأيديولوجيا الإرهابية من قبضة القصاص القانوني العادل ، و يطالب بتمتيع حاضنة المشتبه بهم أو المتواطئين و المتورطين في ارتكاب جرائم القتل الإرهابي الميدانية، تَمْتِيعَهُم بالحصانة الحقوقية الصورية التي يُرَاد بها -و منها- باطلُ منعِ الأجهزة الأمنية من الوصول الاستباقي إلى محاصرة فلول الإرهاب و قطع أوصال المخططات الدموية لشبكة العاملين عليها، قبل أن ينجحوا في تفجير الحياة و قطع الأعناق و الأرزاق ، و زعزعة الإحساس بالآمان الروحي.
و بالتوازي مع ما سبق ذكره، تعمل – كذلك – المنظمات الحزبية السياسية ذات التطبيع الفقهي مع شيوخ الغلو و التطرف و التكفير ، على " فرملة " المؤسسات التشريعية و الحكومية ، و تقوم على منهاج تحريض المنتسبات و المنتسبين إليها من أجل تَسْيِيس الضلال المُتَدَيِّن بين مكونات المجتمع المغربي و ضرب إستقلالية المؤسسة القضائية خوفا من المساءلة القانونية الشاملة.
إذن ؛ لن يكفينا -أمام خطر الإرهاب القادم من صُلْبِ الجماعات المؤدلجة للدين- القيام فقط بالتشخيص و النقد و التحليل و الدعوة إلى رذيلة المراجعات غير المُنْتِجة . لأننا مطالبون بتنوير الرأي العام و الكشف الواضح عن الحاضنة الفقهية و التنظيمية التي يَخْرُجُ من رحمها الإرهابُ بمُختلف تَجَلِّيَاتِه ، فالخطر الدموي الذي يَتَهَدَّدُنَا -جميعًا- لن يَكْفينَا في مُواجَهَتِهِ مُرونة الحوار حول الاستتابة الفقهية للتنظيمات التكفيرية و المتطرفة. فارتباط تأويلاتها النصية بتأجيج التطرف القاتل يجعل التدين الحاقد ينفث السُّمَّ الزُّعَاف من بين أنياب مواثيق جماعات الحقد و الكراهية. فهي تنظيمات تعمل على التأصيل لدعوة ذات تَدَيُّنٍ ضالٍّ لا يؤمن بإختلاف أَلْوَانِنَا و أَلْسِنَتِنَا ، و لا يرضى بِسُنَّة الله في تعدد الشرائع الربانية و الأفكار الإنسانية.
وَ أمام استقالة عقل الإطارات التَّثْقيفيَّة من مهام الارتباط بقضايا الوطن و المواطنين ، و تخاذل المنظومة الحزبية عن تعزيز المناعة السياسية لدى الأجيال الصاعدة ، و أمام عجزها المبين عن استقطاب الشباب نحو العمل المدني السلمي و السليم . فإن اليقظة الوطنية تستوجب ضرورة إعتماد خطة أمنية حازمة رادِعَة من أجل معالجة خطورة النوازل بشكل قانوني مَتينَ الصرامة .
و بالتالي وجب علينا أن ننطلق من تبيان حروف الإرهاب الواردة ضمن الأرضيات التأسيسية للجماعات المُؤَدْلِجَة للإسلام ، و ضمن عبارات الجهالة عند شيوخ الإفتاء و ثقافة الضلال المُنبعثة منها. ومعهم أيضا المُتَسَلِّلاَّت و المُتَسَلِّلُّون إلى منظمات المجتمع المدني العاملة بأقنعة إحسانية أو حقوقية. و بالموازاة مع ذلك وجب على الحكومة ضرورة الإسراع في إنجاز الإستراتيجية الإجتماعية التي أَمَرَ بها أمير المؤمنين الملك محمد السادس ، و إطلاق ثورة تشغيلية لتوفير فرص العمل للشباب حتى نضمن نجاح استراتيجية محاربةُ الإرهاب في ظل نموذج تنموي جديد يضع حماية الأمن الثقافي للدولة المغربية ضمن قائمة أولوياته الرئيسية .