إلى محمد الفيزازي: تا الله إنك لفي ضلالك القديم
بداية أعتذر عن إسقاط لقب الشيخ من النداء , وعن النطق بالاسم مجردا منه, لأن كلمة شيخ تدل على جلال القدر ورفعته, وسمو النفس واستقامتها, وأنت بصنيعك الأخير هتكت حجاب الوقار, فما عادت تليق بك, وما عدت تليق بها, على الأقل في تقديري الشخصي, كما أعتذر لنفسي لأنني حجزتها عن وصفك بالمتشايخ والمتصابي, لأمر واحد ووحيد تمثلت فيه الآية القرآنية الكريمة: "ولا تنابزوا بالألقاب".
سيدي, لقد زججت بالأمس بمئات الشباب في السجون, بعدما حولتهم إلى رعية سامعة مطيعة, حملتها أفكار التشدد والتطرف, دون أن تدري أنها ضحية لطموح ظاهره تكفير الإنسان و الحجر والشجر, وباطنه رغبة جامحة في إمارة, لا أرى أنك كنت ترى فيها شيئا آخر غير تكوين حظيرة من الجواري وما ملكت اليمين…, ثم لما بدا الحلم بعيد المنال, بل مستحيلا, تركت القارب يغرق بهم جميعا, واتجهت إلى بر الأمان, لتعيش حياة دعة في ظل سلام أعلنته ليكون لك وجاء, ويقيك شر التنغيص عن واقع الأحلام, بعدما خاب مسعى الحرب في تحقيق المأرب.
وأنا أتتبع قضيتك الأخيرة, خلتني أستمع إلى حكاية مجرم ترك للتو أسوار السجون, وليس إلى رجل محسوب على الدعوة الإسلامية, يؤذن في الناس صباح مساء بالعفة والخلق الحسن, وينهاهم عن الرذيلة, ويدعو إلى الحفاظ على سلم الوطن وأمنه,ويناصب
العداء كل من ينادي بعكس ذلك, إلى حد الحساسية المفرطة التي بلغت أوجها بالتكفير السياسي لكل من أعلن عن حقه في مطلب اجتماعي أو اقتصادي, وحشره في دائرة المعادين للملكية ولمقدسات البلد, دون ارعواء أو حذر من إصدار اتهامات تزيد النار اتقادا, وتحول مسعرها إلى تنين يلتذذ باشتعالها, لما تتيح له من إمكانية حرق الآخر, وتوفير الإضاءة الكافية للنفس التنينية الأنانية.
اعلم سيدي, أنك, وأنت تلهو بأعراض من دلست عليهن, تحولت إلى فتان يعبث بالأمن الديني والأخلاقي للمغاربة, وهم يشاهدون رجلا يقول ما يعلمون ويفعل ما ينكرون, فلربما هم الكثير منهم بما وقعت فيه قبل أن يعلم به, لكنه كف وتوقف وهو يسمع خطبة من خطبك المدوية, ثم وقع وقوعا مدويا في حبل الرذيلة متكئا على حبل قدوتك, ومعزيا نفسه بأن ما حجز عنه النفس هو ذاته, مارسه من يراه في مرتبة الشيخ العالم الجليل….ألا ترون أنكم فتحتم باب السعي وراء أرذل الخلق, والجري خلف سلوكات منحطة يندى لها الجبين, في وقت كان أجدر بكم أن تكونوا سدنة يبنون جدار الأخلاق السميك في وجه أعاصير الانحلال والمكر والتمويه والضحك على الذقون باسم الدين البريء من تصرفات تحاول إلصاقه بها والاتكاء عليه فيها،براءة الذئب من دم ابن يعقوب عليهما السلام, لك أن تحلق ذقنك وتترك المنبر وتمارس ما شئت من سلوكات, فأنت حينئذ مسؤول عن نفسك فقط, لكن أن تتمسح بذريعة
ما يسمى "زواج الفاتحة", وتستغل موقعك كداعية للزج بضحاياك في شرنقة هواك, ثم ترميهن بعد أن تقضي منهن وطرك, فهذا منتهى الصفاقة والاستغلال البشع للدين الحنيف, ودرجة ما تحت الصفر من شيء اسمه الوازع الديني.
رجاء سيدي قل لي كيف هو شعورك وأنت تصيح في الناس بالحديث القدسي الشريف:" يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما, فلا تظالموا"؟ أفلا تشعر بتأنيب الضمير وأنت
تذكرهم بالحديث
النبوي الشريف: "ما أكرمهن إلا كريم, وما أهانهن إلا لئيم".
لك أن تختار يا فيزازي بين أمرين لا ثالث لهما: فإما أن تعيش عفيفا كريم النفس, كابحا نفسك عن اتباع الهوى, وأما أن تشرع الأبواب لذاتك لتبحر في بحر الرذيلة, وفي هذه الحالة اترك الدين جانبا, وأعلن للناس مسارك بوضوح, أما أن تحاول الجمع بين الأمرين, فهذا من سابع سابع المستحيلات, ولن تعدو, والحالة هذه, أن تكون كمن يحاول
أن يجمع بين الليل والنهار والظلمات والنور.
ختاما أهنؤك السيد الفيزازي على نجاحك في إعطاء من تصفهم بالعلمانيين فرصة ذهبية لوضع سيناريو محكم لفلم عنوانه البارز "غواية شيخ "، فكل عناصر المأساة والملهاة متوفرة، وإذا أراد كاتب السيناريو أن يضفي عليها شيئا من السوريالية والعبثفلن يجد كبير عناء في ذلك، بل سيكون مجرد محاك لواقعك المليء بالتناقضات الصارخة.