أكاديمي صيني يمنح الأولوية للتنمية والعيش الكريم قبل الديمقراطية
قال دينغ لونغ، نائب عميد كلية الدراسات الأجنبية في جامعة الأعمال الدّولية والاقتصاد ببكين، إنّ التنمية والعيش الكريم للمواطنين يمثلان أهم مطلبين بالنسبة إلى الصين، وتأتي الديمقراطية في المقام الثالث، بعد الأمن والاستقرار الاجتماعيّين، وزاد: “الشعب غير مهتمّ بأشكال وأنواع الحكم، وتعنيهم لقمة العيش، وهذه فلسفة الصين في الحكم والإدارة”.
ونفى الأكاديمي الصيني، في مداخلة له الثلاثاء بمقر أكاديمية المملكة المغربية بالرباط، أنّ الصّين ستَسعى في يوم من الأيام إلى الهيمنة العسكرية، مضيفا: “حتى عندما كانت الصين القوة العالمية الأولى، لم تعتد يوما على أي بلد آخر؛ فالسّجلّ الصيني نظيف في التعامل مع الدول الأخرى، وسياسة الصين سلمية للدّفاع عن نفسها، ولم تسع ولن تقوم بالتمدد العسكري، وإيجاد نفوذ في مناطق أخرى”، ووصف هذا بـ”الادّعاءات والدّعايات الغربية لتشويه صورة الصّين”.
ورأى دينغ لونغ، في سياق مشاركته باليوم الثاني للدّورة السّادسة والأربعين لأكاديمية المملكة المغربية، الذي يبحث في “تجارب الصّين في التّحديث والتّنمية”، أنّ سرّ نجاح الصين ونهضتها ومعجزتها الاقتصادية، أنّ فتحها أبوابها صادف فرصة سانحة لنقل شركات ومصانع أجنبية لها، فاغتَنمت فرصة فتح الأبواب للصناعات الثقيلة الغربية في المناطق السّاحليّة السانحة، إضافة إلى اعتبارها التّنمية أهم مصدر لشرعية النّظام السّياسيّ، ولم تعد تهتمّ بالنّزاعات الجيوسياسية، أو تنافس أمريكا على المسرح الدولي.
وفي جواب عن دور القيادة في التنمية، استحضر الأكاديمي الصيني مثالا لـ”الرؤية” التي تكون عند “القائد”، بالاختيارين المختلفين للصين والاتحاد السوفياتي؛ لأن هذا الأخير اختار الاستمرار في الهيمنة العالمية، فتفكّك، في حين استمرّت الصين. كما أشار إلى أنّ الاقتصاد الصّيني، بفضل فتح البلد أبوابه للعالَم قبل أربعين سنة، قد فاق الاقتصاد الياباني في سنة 2010، والآن يشكّل ضعفه، ويمثّل 60 في المائة من الناتج المحلّي الأمريكي، ويفوق اقتصاد روسيا، اليوم، بتسع مرات.
وفي سياق حديثه عن “سرّ نهضة الصّين”، وضّح المتدخِّلُ أنّ الصين كانت مهتمة جدا بالخلافات الفكرية والإيديولوجية، ونظرية صراع الطّبقات، والاختلافات الإيديولوجية داخل الحزب الحاكم والمجتمع الصيني، قبل صعود الرئيس الحالي شي جين بينغ إلى الحكم، الذي وصفه بـ”الرجل البراغماتي ومهندس الانفتاح، الذي أدرك أنّ الخلافات الإيديولوجية والفكرية لا تفيد التنمية الاقتصادية، وأقنع المجتمع الصيني بهذه الفكرة، ونجح في بلورة توافق في الآراء حول ضرورة التنمية الاقتصادية”.
ووضّح دينغ لونغ أنّ الرئيس بينغ ليس كسلفه ماو تسي تونغ، ولا يهتمّ كثيرا بالقضايا الفكرية؛ بل إنّ له نظرية مشهورة جدا عبّر عنها في بداية الانفتاح الصّيني، وهي “نظرية القط” التي تقول: “ليس المهمّ أن تكون القطّة سوداء، أو بيضاء، بل أن تأكل الفأر”.
وأكّد نائب عميد كلية الدراسات الأجنبية في جامعة الأعمال الدّولية والاقتصاد ببكين أنّ “من المفيد للدولة النامية الاستفادة من تجربة الصين في خلق بنية استثمار جيدة، لجلب الرأسمال العالمي”، ثم استرسل مشدّدا على أنّ الصين انفتحت انفتاحا حقيقيا؛ لأن الانفتاح المزيَّف مناقض للاستثمار وغير جاذب له، وهو ما جعل الصّين تخلق مناخا مواتيا للاستثمار، بإجراءات؛ من بينها رفع الضرائب لثلاث سنوات على الشركات الأجنبية، وخفض قيمتها في سنوات ثلاث أخرى، وتحسين بيئة ممارسة الأعمال بتسهيل إجراءات تسجيل الشّركات، وتوفير خدمات جيّدة للشّركات الأجنبية، وعمل على الانخراط والاندماج في الاقتصاد العالمي عبر صندوق النّقد الدّولي، والبنك الدولي، ومنظمة التجارة العالَمية بعد جولات تفاوضية ماراطونية استغرقت خمس عشرة سنة.
وذكر المتحدّث أنّ الصين دولة مدافعة كبيرة عن تيّار العولمة، وأنّها تقوده بـ”نسخة صينية”، عبر “مبادرة الحزام والطريق”، وترغب في إشراك الدّول النّامية في هذه المبادرة، التي ترى أنّ البنية التحتية أهم شيء في التنمية، في حين تعاني الدول النامية من العجز والتخلّف في هذه البنية.
ولم يغفل الأكاديمي الصيني عن ذكر عيوب التّجربة الصينية، التي يرى أنّها تعاني من “فجوة كبيرة بين المناطق الساحلية والداخلية، لا تزال تتوسّع، دون حلول ناجعة لهذه المشكلة”، إضافة إلى تلويث البيئة بعد أربعة عقود من التنمية، وتدهور المناخ الإيكولوجي في معظم الأقاليم الصينية، ومواجهة الصين “تحديات كبيرة في تحويل نمط التنمية الاقتصادية، ومعاناتها منذ سنتَين من تباطؤ في اقتصادها؛ لأن التحول في عملية التنمية، يحتاج وقتا طويلا وجهدا كبيرا”.