يوم بصحبة الصحافي صاحب مقولة «العالم ينتبه لمقتل كلب إسرائيلي ولا ينظر إلى مقتل 20 فلسطينياً».. هذا ما وجده فيسك لدى جدعون ليفي
عادة ما يثير هذا الصحافي غضب السلطات في إسرائيل؛ لأنه لا يراعي الخصوصية التي تفرضها تل أبيب على نفسها في ظل وجودها بمحيط عربي كاره وغاضب منها، لسبب لا يمكن إغفاله؛ وهو احتلالها فلسطين.
الصحافي جدعون ليفي، الكاتب بصحيفة هآرتس الإسرائيلية، لا تمر فترة إلا وهو يحاول أن يبحث عن الحقيقة بشأن ممارسات بلاده ضد الفلسطينيين، لكنه في النهاية لا يصل إلى شيء غير ما تريد تل أبيب إظهاره.
الكاتب البريطاني الشهير روبرت فيسك التقى ليفي في بيته بتل أبيب، وأجرى معه حوراً ناقش عدداً من القضايا التي تهمه، وكيف ينظر إلى مستقبل المنطقة.
وقال فيسك في مقال بصحيفة The Independent البريطانية: «قد يوصف جدعون ليفي بأنه نوعاً ما أحد الملوك الفلاسفة الذين عرَّفهم أفلاطون، لكن بينما هو جالس في حديقة منزله الصغيرة بإحدى ضواحي تل أبيب، مرتدياً قبعة قش تغطي عينين داكنتين ماكرتين، أطلَّت من الصحافي في هآرتس، الأسوأ سمعة والأكثر إثارة للغضب، لمحة من شخصية الروائي الإنكليزي غراهام غرين. هذا الصحافي الشجاع التحريضي والمُحِزن -بأسلوب حاد لا هوادة فيه- هو من النوع الذي ستجد نفسك إما تقدسه وإما تحتقره. ووجود الملوك الفلاسفة، وفق تعريف أفلاطون، ضروري لسلامتنا الأخلاقية، وربما يكون ذلك صحيحاً، إلا أنه ليس جيداً لأعصابنا. تعرَّض ليفي لتهديدات من جانب رفاقه الإسرائيليين لقوله الحقيقة، وهذه هي أفضل جائزة يمكن أن يحصل عليها أي صحافي.
يعشق الصحافة ويفجعه تراجعها
رغم أنَّ ليفي يعشق الصحافة، يفجعه ما تشهده من تراجع. وهو يتحدث الإنكليزية بطلاقة، إلا أنه أحياناً ما تخونه الكلمات حين يكون حانقاً. وإليكم مثالاً لليفي وقد تملكه الغضب حول تأثير الروايات الصحافية: «في عام 1986، كتبت عن سيدة بدوية فلسطينية فقدت طفلها بعد أن ولدته عند نقطة تفتيش. وقد سعت عند 3 نقاط تفتيش (إسرائيلية) مختلفة، لكنها لم تنجح، ثم وضعت طفلها داخل السيارة. ولم يسمحوا لها (الإسرائيليون) بأن تحضر طفلها للمشفى؛ لذا حملته على قدميها مسافة كيلومترين إلى أن وصلت إلى أوغستا فكتوريا (مشفى شرق القدس). مات الطفل. حين نشرت هذه القصة، لا أريد أن أقول إن إسرائيل حبست أنفاسها، لكنها كانت فضيحة كبرى، وكان مجلس الوزراء يتعامل معها، وأحيل ضابطان إلى القضاء…».
ثم اكتشف ليفي 10 سيدات أخريات، أطفالهن قَضَوا عند نقاط تفتيش إسرائيلية. يقول ليفي: «لم يعد أحد يهتم، فيمكنني أن أنشرها اليوم وسيتثاءب الناس مللاً، هذا لو قرأوها. أصبح الأمر عادياً ومبرَّراً تماماً. أصبح لدينا الآن مبررٌ لكل شيء. وصل تجريدنا للفلسطينيين من آدميتهم إلى الحد الذي أصبحنا معه لا نبالي حقاً. أقول لك حقيقةً ودون مبالغة: إذا قُتِل كلبٌ إسرائيلي على يد فلسطينيين فسيحظى بانتباهٍ من الإعلام أكثر مما لو قُتِل 20 شاباً فلسطينياً ظلماً برصاص القناصة عند السياج الحدودي في غزة. أصبحت حياة الفلسطينيين (لدى الإسرائيليين) أرخص شيء. إنه نظام كامل من شيطنة (الفلسطينيين) وتجريدهم من إنسانيتهم، نظام كامل يقوم على التبرير بأننا نحن دائماً على حق ولا نخطئ أبداً».
ثم ينتقل ليفي إلى الحديث عن مجموعات المتعاطفين، فيقول: «أتحدَّث الآن عن الليبراليين. هناك من بين الإسرائيليين مَن يسعد لمقتل أي فلسطيني، لكن الليبراليين سيقدمون لك الكثير من الحجج فقط ليريحوا ضمائرهم وحتى لا ينزعجوا -(ليس بوسعك أن تعرف حقيقة ما حدث هناك، وأنت لم تكن هناك وليس بمقدورك سوى أن ترى جزءاً مما حدث)- وأصبح من الصعب الآن رواية هذه القصص، وهذا هو الباعث الأكبر على الإحباط. يرون قناصاً يقتل طفلاً يلوّح. ويعرضون ذلك على التلفاز: قناصة يقتلون ممرضة جميلة مرتديةً زيها. يرون طفلة في الخامسة عشرة تصفع جندياً وتُسجَن 8 أشهر، ويبررون كل ذلك».
يبحث دوماً عن المتاعب
باستطاعتك إذاً أن تفهم الأسباب التي استدعت تعيين حارس شخصي منذ وقتٍ قريب لحماية ليفي. يقول: «أتدري روبرت، لسنوات طوال أخبروني: حاوِل أن تكون أكثر وسطية… قل بعض العبارات الوطنية. قل بعض الأشياء الجيدة عن إسرائيل. أتعلم، في نهاية المطاف، لا نقول ولا نكتب إلا ما نفكر فيه دون التفكير في العواقب. وبعيداً من المغالاة، أنا في نهاية الأمر ما زلت مواطناً حراً أتمتَّع بالحرية الكاملة، أنا أعني هذا حقاً: الحرية التامة لكتابة ما أريد، وهذا يرجع بشكل كبير إلى صحيفتي التي تدعمني كثيراً».
ويضيف: «دار نشر صحيفتي هي تقريباً الوحيدة في العالم التي على استعداد لتكبُّد الملايين في ما يتعلق بإلغاء إحدى مقالاتي، وتخبر أي مشترك غاضب مني: أتعرف؟ ربما هآرتس ليست الصحيفة الملائمة لك! أخبِرني عن دار نشر واحدة فقط قد تتحدَّث هكذا. لذا أنا أتمتع بالحرية التامة. وأعبر عن كل ما أشعر وأفكر فيه».
وهذا إنما يوضح شيئاً بخصوص إسرائيل، وكذلك بخصوص رئيس تحرير ليفي، إلا أنه لا يتوانى عن انتقاد إسرائيل، فيقول: «أسوأ ما نواجهه هو اللامبالاة، والتبلد، وهو ما لدينا منه الكثير في إسرائيل. لذا حتى لو استطعت تحريكهم بطريقة ما، أو إخافتهم، أو إغضابهم مني ومما أقول… أتدري في كثير من الأحيان أفكر في أنه إذا أغضبتهم جداً، فهذا يعني أنه بمكان ما في وعيهم يعرفون أنَّ شيئاً ما يحترق تحت أقدامنا، أنَّ هناك خطباً ما. لكن هناك الكثير من الأوقات التي تشعر فيها بالخوف، وبالأخص الليلة التي تسبق نشر (مقال). أقول دائماً: هل بالغت كثيراً هذه المرة؟ ثم حين أعاود قراءته، أقول دائماً: كان عليّ أن أكون أكثر تشدداً! دوماً ما أفكر في أنني لم أضغط بما يكفي».
يمكن دمج الصحافة وإسرائيل معاً في قصة ليفي؛ إذ يمكن الخلط بين علاقته التي تتأرجح ما بين الحب والكره مع أيهما، ورعبه من الطريق الذي تسلكه الآن بلده، الذي فرَّ والداه إليه من أوروبا حين كانت لا تزال فلسطينية. يقول ليفي: «أكثر ما أفتقده -وهذا مهمٌ جداً لي- هو أن أهم قصصي جاءت من قطاع غزة. مرت 11 عاماً على منعي من الذهاب إلى هناك؛ لأن إسرائيل لا تسمح لأي من مواطنيها بدخول غزة منذ 11 عاماً حتى وإن كان يحمل جنسية مزدوجة. وحتى لو رُفِع الحصار (عن غزة) فلن يبالي سوى القليل جداً جداً من الإسرائيليين بالذهاب إلى هناك. وربما تمنعهم حماس. هذا أمرٌ إسرائيلي لم يحتجَّ ضده قط الصحافيون الإسرائيليون، ما عداي، ولم يعارضه أيُّ أحدٍ؛ لأنهم لا يهتمون على الإطلاق، فهم يحصلون على كل المعلومات من المتحدث العسكري (الإسرائيلي) فلِمَ إذاً يبالون بالذهاب لغزة؟».
الصحافة.. المهنة العظيمة
لكن بالنسبة لليفي، فالأمر مهني؛ إذ يقول: «إنها خسارةٌ كبيرة جداً؛ لأن أقوى القصص كانت دوماً تحدث -ولا تزال- في غزة. وحقيقة أنه ليس باستطاعتي أن أكون في غزة حالياً… وأسأل نفسي دائماً: ما هو أكثر مكان في العالم أود الذهاب إليه؟ بالي؟ ودائماً ما أقول الحقيقة: غزة. امنحوني أسبوعاً واحداً فقط في غزة الآن. ولن أرغب في شيء آخر».
يقول ليفي إنَّ المدونات لا تتمتَّع بدرجة المصداقية نفسها التي تتمتَّع بها الصحف. ويضيف: «ومع ذلك، حين يسألني الشباب، أُخبرهم بأن يمضوا قدماً فيها. (الصحافة) مهنة عظيمة ورائعة. أنا لم أخطط لأن أصبح صحافياً؛ بل أردت أن أصبح رئيس وزراء. كان الخياران الأولان لي إما أن أصبح سائق حافلة أو رئيس وزراء، لكن بطريقة ما لم أُوفَّق في أيٍّ منهما. نعم، الأمر يتعلَّق بالقيادة؛ فسائق الحافلة قائد. ما أعنيه هو أن تملي على الآخرين ما يفعلونه. لكن أظل أقول للشباب: لن تجد مهنة تماثلها وبها الكثير من الفرص أيضاً. أنت لا تحتاج سوى شيء واحد؛ وهو الفضول، هذا أكثر ما ستحتاجه. وهي صفة نادرة أكثر بكثير مما تتخيل؛ لأننا -نحن الصحافيين- نعتقد أنَّ الجميع يتحلى بدرجة الفضول نفسها مثلنا».
ورغم أنَّ الشعور بالتشاؤم متأصل عند كثير من الإسرائيليين، لم يصل أي منهم لدرجة ليفي؛ إذ يقول: «انظر، نحن الآن نتعامل مع 700 ألف مستوطن (يهودي). من غير الواقعي اعتقاد أنَّ أي شخص سيُجلي 700 ألف مستوطن. لكن دون إجلائهم بالكامل، لن يصبح لديك دولة فلسطينية قابلة للاستمرار. الجميع يعرف هذا، لكن الجميع يظل يردِّد النغمة القديمة ذاتها: حل الدولتين، حل الدولتين؛ لأنها تناسب الجميع -سواء السلطة الفلسطينية، أو الاتحاد الأوروبي، أو الولايات المتحدة- وبهذا يمكنك إبقاء الاحتلال قائماً 10 عام أخرى، معتقداً أنه يوماً ما سيكون هناك حلٌّ يشمل الدولتين. لم يعد هذا قابلاً للتحقُّق، فقد فوَّتنا الفرصة ولن نستعيدها مرة أخرى».
ما هي أخطاء الصحافة الحديقة كما يراها ليفي؟
وبالعودة للحديث مع ليفي عن أخطاء الصحافة الحديثة، يقول: «لنكن واقعيين، أصبحت الشبكات الاجتماعية هي المحور الآن. صحافتنا بدأت تموت. وأصبح الأمر يتعلَّق بتغريدةٍ مُتنوِّرة جداً جداً، ولكي تدون تغريدة مماثلة ليس عليك أن تذهب إلى أي مكان؛ بل يكفي أن تجلس في غرفتك، ويمكنك أن تصبح بعدها متنوراً جداً جداً مع لمحة من الفكاهة والسخرية -السخرية الشديدة- لأنَّ هذه ربما تكون هي المشكلة الأساسية. ما أقصده هو أنه لم يعد سوى القليل جداً منهم يهتم حقاً بأي شيء بخلاف أن يكونوا لامعين. أعتقد أن هناك بعض الاستثناءات، لكنني لا أراها في إسرائيل، ولا بالضفة الغربية. وهم نشطاء وليسوا صحافيين. هناك الكثير من النشطاء اليافعين الرائعين».
ويقر ليفي بأنَّ عميرة هاس، الصحفية بـ(هآرتس)، التي تعيش في الضفة الغربية الفلسطينية، هي نظيرته، على الأقل من الناحية العمرية -فهو يبلغ من العمر 65 عاماً، في حين تبلغ هي 62 عاماً. ويقول: «هي حقاً تعطي الصحافة دفعة للأمام؛ لأنها تعيش معهم (الفلسطينيين). أعتقد أن ما تفعله غير مسبوق: فهي صحافية تعيش وسط العدو. لكنها تقدم أيضاً في مقابل ذلك ثمناً باهظاً، بمعنى أنها أقل ملاءمة لما يناسب إسرائيل؛ لأنها تعيش هناك».
لكن الصحافة كثيراً ما تقع تحت عدسة ليفي الناقدة؛ إذ يقول: «لدينا شبابٌ مستعدون للذهاب لمناطق الحرب فقط لإظهار شجاعتهم. فذهبوا للعراق، وسوريا، وإيران. ولكن عادةً، ما يعودون بصور لهم في مدخل الفندق، أو في بعض ما يُطلق عليها ساحات قتال. حين سافرت إلى سراييفو عام 1993، ذهبت أيضاً للبحث عن أوجه الظلم هناك، وليس لمجرد تغطية الحدث. فتشت عن خبائث الحرب».
وحين قلت له: «أعتقد أنك رأيت الكثير من الشر في سراييفو»، أجاب ليفي: «رأيت في سراييفو أشياء لم أرها قط هنا، رأيت سيدات عجائز ينقبن في الأرض بحثاً عن جذور ليجدن أيَّ شيءٍ يؤكل! رأيت هذا بأُمِّ عيني. لكن لا ترى هذا في الأراضي المحتلة، لن ترى هذا هنا».
وماذا عن المراسلين الأجانب؟
وبالنسبة للمراسلين الأجانب فقد كان تعليقه أفضل قليلاً؛ إذ يقول: «أرى صحافيين -حتى في ظلِّ الوضع الحالي- يقفون قرب السياج الحدودي بغزة، أرى صحافيين يستطيعون الدخول إلى غزة في هذه الشهور الدموية مع ما يقرب من 200 ضحية أعزل، ويقفون عند السياج الحدودي بعيداً جداً. لم يعد الدخول إلى غزة الآن يشكل خطراً على الصحافيين الأجانب. ولكنني أرى حتى على شبكة BBC، وأحياناً الجزيرة -وهي أفضل طبعاً- (المراسلين) ينقلون التقارير من أعلى تلة في جنوب إسرائيل. ومن الواضح أنهم يحصلون على بعض مقاطع الفيديو من على الشبكات الاجتماعية ومن صحافيين محليين. ولكن الأمر يكون حينها مختلفاً».
ولأنَّ ليفي ناقد دائم لإسرائيل وسياساتها الاستعمارية الماكرة لسرقة الأراضي، ومعاملتها الخسيسة للفلسطينيين، أجد نفسي على نحو غريب مختلفاً معه؛ ليس لانتقاده الصحافيين، وإنما لانتقاداته الصارخة لإسرائيل. هل سيهتم القراء الإسرائيليون حقاً بموت كلب إسرائيلي أكثر مما سيهتمون لمقتل 20 فلسطينياً؟ هل هم على درجة الجهل التي يزعمها ليفي؟ هناك ما يوحي بأن انتقاداته نابعة من شعور بالإحباط من الأوضاع السائدة، على غرار الفيلسوف شيشرون الذي عُرِف عنه أنه مثقف مُضيَّع في وسط سيئ.
إذ يقول ليفي: «بدأت إسرائيل تصبح واحدة من أجهل دول العالم. قال أحدهم إنه من الأفضل الإبقاء على العامة جَهَلة… لا يعرف جيل الشباب أي شيء. حاوِل التحدث مع الشباب هنا وستجد أنهم ليست لديهم أي فكرة عما يدور حولهم، ولا حتى عن الأساسيات.. أسألهم مثلاً من هو بن غوريون، من هو موشيه ديان. اسألهم ما هو «الخط الأخضر»، أو أين تقع مدينة جنين. ستجد أنهم لا يعرفون شيئاً. وحتى قبل غسل الأدمغة، وانتشار الجهل، جزء مما كانوا يتعلمونه خاطئ تماماً».
ويقول ليفي إنك إذا حاولت التحدث مع أي شاب إسرائيلي عادي ونادلة أوروبية، فستجد أنَّ تلك الأخيرة تتحدث الإنكليزية أفضل. وأضاف أن معلومات الشباب الإسرائيلي حول الهولوكوست وسفرهم للخارج ينحصر في «رحلة مع المدرسة الثانوية إلى معتقل آوشفيتز النازي، حيث يُقال لهم إنَّ القوة هي الشيء الوحيد الذي يجب عليهم امتلاكه، فالقوة العسكرية -ولا شيء سواها- هي الضمان الوحيد، وإنَّ إسرائيل لديها الحق لتفعل ما تريد عقب الهولوكوست. هذه هي الدروس (التي يتعلمونها). لكن هذا لا دخل له بالمعرفة».
المفكرون والمبدعون.. ما رأيه فيهم؟
ويتابع قائلاً: نعم، هناك «نطاقٌ محدود من المفكرين البارعين». لكن دراسةً استقصائية حديثة كشفت أنَّ نصف الشباب الإسرائيلي يحظون بمستوى تعليمي مماثل لتعليم دول العالم الثالث. فقد جئنا -أي الجيل الذي ينتمي إليه ليفي وأنا أيضاً- إلى العالم عقب «أحداث مأساوية للغاية»، جراء الحرب العالمية الثانية. وفي حالته، قيام الدولة الإسرائيلية. واستطاع والداه «النجاة بأنفسهما في اللحظة الأخيرة» بالفرار من أوروبا.
يقول ليفي: «كنَّا نحمل بعض الأعباء التاريخية على عاتقنا، لم يمكن ممكناً لفيسبوك ولا تويتر محو ذلك. والآن أصبحت هذه الأعباء أخيراً أخف، من ناحية الأحداث التاريخية. حتى في هذه المنطقة. ما الذي يحدث هنا؟ لا شيء، فقط المزيد من الأحداث ذاتها. 50 عاماً من الاحتلال، ببساطة، لم يتغير أي شيء. لا نزال في الإطار نفسه… بالتأكيد، أصبح هناك المزيد من المستوطنات والوحشية، وشعور أقل بأن الوضع مؤقت. أصبح من الواضح الآن أنَّ الوضع ليس مؤقتاً. هذا جزء لا يتجزأ من إسرائيل».
وسألت ليفي ما إذا كان نظام التصويت النسبي قد وُضِع للحكومات الائتلافية اليائسة في إسرائيل، فأجاب بكآبة: «ما نحصل عليه يعكس حقيقتنا. وإسرائيل تسودها نزعة قومية يمينية دينية مُتطرِّفة -أكثر مما تعتقد- والحكومة الإسرائيلية هي انعكاس واضح للشعب الإسرائيلي. ويعد نتنياهو أفضل ممثل لإسرائيل، وهو إلى الآن ذو مستوى معرفي يتجاوز السائد في إسرائيل. لكن بحسب منظوره، هذه هي إسرائيل: القوة، ثم القوة، ثم القوة والحفاظ على الوضع الحالي قائماً للأبد، وعدم الثقة مطلقاً بالعرب ولا بأي تسوية معهم. تعيش بحد السيف وتظل في حالة حرب تامة».
كيف ينظر إلى علاقة إسرائيل بأميركا؟
أما العلاقات الإسرائيلية مع الولايات المتحد،ة فتتسم بالسهولة. يقول ليفي: «لست على يقين بما إذا كان الناس يدركون الآن إلى أي مدى يتحكم نتنياهو في السياسة الأميركية. أي قرار يُتَّخَذ الآن يكون نابعاً من إسرائيل، سواء القرار المتعلِّق بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أو غيره من وقف المساعدات. أما ترمب فلا يبالي على الإطلاق. هل تعتقد أنه كان يعرف سابقاً ما هي الأونروا؟! أصبحت العنصرية الآن صائبة سياسياً».
إذاً، عند أي نقطة اتخذت الأحداث مساراً خاطئاً؟
يجيب ليفي: «بدايةً، في عام 1967، هذه هي الخطيئة الكبرى، التي بدأ منها كلُّ شيء. ويمكنك القول أيضاً في 1984؛ لأنَّ أحداث 1984 لم تنتهِ بنهاية تلك السنة. كان بإمكاننا حقاً أن نبدأ صفحة جديدة». ويشدِّد على أنه لا يزال هناك الكثير من نماذج الرجال العظماء في العالم، حتى بعد الحرب العالمية الثانية، منهم مثلاً نيلسون مانديلا.
ولكن، يقول أكثر صحفيي إسرائيل سخطاً وإزعاجاً: «ربما نكون فقط قد شخنا كثيراً، ونشعر بالمرارة والغيرة، ونعتقد أننا كنَّا الأفضل …». وبينما هو في ذروة خطبته، قفزت قطة ضخمة في ذعر خلفنا مباشرة من فوق سياج الحديقة يطاردها قط رمادي أضخم وأسنانه تهس وتصطك؛ لينثرا التراب وأوراق الشجر. وأتوقَّع أنَّ القط الأصغر يمثل أعداء ليفي، والذي برغم بلوغه الـ65 من عمره، يمكنك أن تتوقَّع بمن يذكرني القط الأضخم.
The post يوم بصحبة الصحافي صاحب مقولة «العالم ينتبه لمقتل كلب إسرائيلي ولا ينظر إلى مقتل 20 فلسطينياً».. هذا ما وجده فيسك لدى جدعون ليفي appeared first on عربي بوست — ArabicPost.net.