هنا فقدت الحيتان أقدامها ونشأت أول إمبراطورية.. قصة آثار مصر السبعة التي لجأ السيسي للمخابرات والجيش لإنقاذها
هنا فقدت الحيتان أقدامها.. هنا نشأت أولى إمبراطوريات التاريخ.. هنا سقط شهداء المسيحية، وازدهرت أعظم جامعة إسلامية، ليست هذه سوى نماذج من الأحدث التاريخية المهمة التي شهدتها المواقع المصرية المدرجة على لائحة التراث العالمي.
وللأسف لا يعلم الكثير من المصريين شيئاً عن المواقع المصرية المدرجة على لائحة التراث العالمي التابعة لليونسكو، التي يبلغ عددها سبعة مواقع، تعاني من تدهور أوضاعها وعدم استغلالها.
ولكن الآن يأمل المهتمون بهذا التراث العظيم أن يكون من الممكن إنقاذه والاستفادة منه، بعد أن أصدر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قراراً بتشكيل لجنة عليا لإدارة المواقع المصرية المدرجة على لائحة التراث العالمي التابعة لليونسكو في مصر.
اللجنة يترأسها مساعد رئيس الجمهورية للمشروعات القومية والاستراتيجية شريف إسماعيل.
السيسي شكل لجنة لإدارة هذه المواقع تتضم ممثلين من جهات عدة منها الجيش والمخابرات/سوشال ميديا
وكان لافتاً في القرار أن الجهات التي انضمت للجنة لم تقتصر على الهيئات المعنية بمجال الآثار والسياحة والثقافة، ولكن ضمَّت أيضاً مؤسسات أمنية وعسكرية واستخباراتية رفيعة المستوى.
فقد نصَّت المادة الأولى من قرار تشكيل اللجنة على أن عضويتها تضم كلاً من: وزراء الآثار والسياحة والتنمية المحلية والبيئة، ومستشار رئيس الجمهورية لشؤون الأمن القومي، ومستشار رئيس الجمهورية للتخطيط العمراني، وممثلون عن وزارات الدفاع والإسكان والخارجية والداخلية والاستثمار والتعاون الدولي والنقل، وممثل لجهاز المخابرات العامة، ورئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، ويكون مقر اللجنة وزارة الآثار.
واللجنة هدفها ليس حماية الآثار فقط، ولكن الاقتصاد أيضاً
ودور اللجنة المشكّلة، بحسب ما نصَّت عليه المادة الثانية هو وضع رؤية استراتيجية لإدارة وحماية المواقع المصرية المدرجة على لائحة التراث العالمي، والحفاظ عليها وتنميتها وتطويرها، وتعظيم إمكاناتها، والاستفادة منها في خطط التنمية المستدامة.
إضافة إلى التنسيق مع كافة الجهات المعنية المحلية والدولية، داخل وخارج مصر، فيما يختص بإدارة وبحماية والحفاظ على مواقع التراث العالمي والبيئة المحيطة بها.
محمد أبوسعدة، رئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، أوضح أن لجنة حماية التراث سترسم استراتيجية لتنمية مواقع التراث العالمي، وجعلها منظومة تخدم السياحة والاقتصاد القومي ضمن خطة مصر للتنمية المستدامة.
تعرَّف على المواقع المصرية المدرجة على لائحة التراث العالمي وسر هذا الاهتمام بها
مواقع التراث العالمي هي معالم تقوم لجنة التراث العالمي في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو»، بترشيحها ليتم إدراجها ضمن برنامج مواقع التراث الدولية التي تديرها المنظمة.
وهذه المواقع في مصر يبلغ عددها سبعة، من بينها موقع ممفيس، الذي يضم الأهرامات الثلاثة، إحدى أبرز عجائب الدنيا السبع، كما تضمّ محمية وادي الحيتان، وهي محمية طبيعية، وليست موقعاً أثرياً بشرياً.
إليك نبذات عن هذه المواقع السبعة وتاريخها.
1- دير أبومينا بالإسكندرية.. ممر مهم للرحلات المقدسة من أوروبا إلى القدس
يعتبر دير أبومينا بالإسكندرية الذي اختارته اليونسكو عام 1979، ليكون ضمن المواقع المصرية المدرجة على لائحة التراث العالمي ، إرثاً حضارياً على المستويين الأثري والديني.
ويوجد الدير في بلدة أبو ميناء الصغيرة، التي تقع جنوب غرب الإسكندرية، على بعد 50 كم تقريباً.
والدير هو بمثابة مدينة كاملة، وقد بُني على قبر الشهيد السكندري مارمينا، المتوفى عام 296، في عصر كانت الإمبراطورية الرومانية تعدم المسيحيين.
وهو يمثل مدرسة لفنون العمارة المسيحية، ومركزاً للرحلة المقدسة للمسيحيين من أوروبا، عبر الإسكندرية، إلى القدس، عبر سيناء، ثم منطقة أبومينا.
2- مدينة طيبة القديمة ومقبرتها.. هنا عاصمة الإمبراطورية المصرية
تقع مدينة طيبة القديمة ومقبرتها في محافظة الأقصر، وهي من أهم المواقع المصرية المدرجة على لائحة التراث العالمي.
فهي تعتبر مدينة متحفية فرعونية قديمة بمصر العليا (جنوب مصر)، وإحدى عواصم مصر القديمة إبان المملكتين الوسطى والحديثة أيام قدماء المصريين.
الأقصر يجتمع فيها النيل مع الآثار الفرعونية العظيمة/ISTOCK
وكانت هذه المدينة مركز عبادة الإله رع.
واهتمَّ أغلب فراعنة مصر بها، لاسيّما خلال الدّولة الحديثة (عصر الإمبراطورية المصرية)، فشيَّدوا المعابد لمختلف آلهة قدماء مصر.
3- القاهرة الإسلامية.. أشهر مدن العالم الإسلامي حيث يوجد الأزهر الشريف
تقع القاهرة الإسلامية في نطاق محافظة القاهرة، وتأسَّست في القرن العاشر الميلادي في العهد الفاطمي.
وتعتبر إحدى أهم المدن التاريخية في العالم الإسلاميّ، بما تحتويه من جوامع ومدارس وحمامات وينابيع.
وقد بلغت القاهرة الإسلامية عصرها الذهبي في القرن الرابع عشر.
ومن أبرز الآثار الإسلامية في القاهرة: «جامع عمرو بن العاص، الجامع الأزهر، جامع الرفاعي، جامع محمد علي، جامع الناصر محمد بن قلاوون، قلعة صلاح الدين، مقياس النيل بالروضة».
الشتاء فى القاهره الاسلاميه pic.twitter.com/YvAAUVzeI4
— sherif ahmed (@sherifa78060270) December 26, 2018
4- ممفيس ومقبرتها.. الأهرامات الثلاثة لا تقف وحدها
تقع ممفيس ومقبرتها في حيز محافظة الجيزة، ويتميز الموقع بوجود قبور صخرية ومصطبات ومعابد وأهرامات متعددة، من بينها أهرامات الجيزة الشهيرة، التي تعتبر أحد عجائب الدنيا السبع.
ولانبالغ إذا قلنا أن ممفيس ليست أهم المواقع المصرية المدرجة على لائحة التراث العالمي فقط، بل قد تكون من أهم المواقع المدرجة على هذه اللائحة بصفة عامة.
وهذا الموقع الأثرى يوجد حول محيط مدينة ممفيس، التي كانت عاصمة مصر لفترات طويلة خلال العصور الفرعونية.
معالم النوبة.. حملة دولية أنقذت آثارها المذهلة من السد العالي
تقع معالم النوبة في محافظة أسوان، وتوجد بها معالم مميزة مثل معبد رمسيس الثاني في أبوسمبل، ودار عبادة إيزيس في جزيرة فيلة، اللذَين تم إنقاذهما لدى بناء السد العالي، بفضل حملة دولية أطلقتها اليونسكو عام 1960، واستمرت حتى العام 1980.
ومن أبرز المعالم بالمنطقة أيضاً جزيرة: «إلفنتين، قبر أغاخان، السد العالي، متحف النوبة».
معابد فيلة جرت حملة دولية لإنقاذها/wikimedia
منطقة القديسة كاترين.. هنا تجتمع الديانات الثلاث
يعود تأسيس دير القديسة كاترين الموجود بمحافظة جنوب سيناء إلى القرن السادس، وهو الدير المسيحي الأقدم الذي حافظ على وظيفته الأساسية.
وجدرانه ومبانيه أنشئت على أسلوب العمارة البيزنطية، كما يضم عدداً من مخطوطات وأيقونات مسيحية قديمة، وهو يقع في منطقة جبلية تضمّ العديد من المواقع التراثية.
الدير يقع بالقرب من جبل موسى، حيث تلقَّى النبي موسى لوحة الوصايا، والمنطقة مقدسة للديانات السماوية الثلاث.
وادي الحيتان.. شاهد على انتقال هذه الثدييات العملاقة من اليابسة للبحر
يقع الوادي في محافظة الفيوم، بصحراء مصر الغربية، ويتضمَّن بقايا أحفورية متحجِّرة من فصيلة الحيتان القديمة والمنقرضة.
وهي تمثل تطور الحيتان من ثدييات برية إلى بحرية، وأصبح ضمن التراث العالمي عام 2005.
وهو أكبر مواقع العالم الشاهدة على هذه المرحلة من التطور، حيث يعكس طبيعة الحيتان وحياتها خلال فترة تحولها.
وتُبين بقايا الحيتان المتحجرة حيتاناً شابة، في المراحل الأخيرة من فقدان أعضائها الخلفية، وتتيح متحجرات أخرى متوفرة في هذا الموقع التعرف على البيئة والشروط البيئية في تلك الحقبة.
تسجيل هذه الآثار لم يؤدِ إلى تحسين وضعها.. فهل تنقذها قرارات السيسي؟
وبالرغم من تسجيل تلك الآثار بمواقع التراث العالمي فإنها تتعرض يومياً للكثير من التعديات، والانتهاكات المقصودة، وغير المقصودة.
وانتقد أساتذة وخبراء السياحة تدهور حالة المناطق الأثرية في مصر، وأرجعوا السبب إلى تجاهل الدولة لهذه الأماكن، وعدم اهتمام المسؤولين وعدم استعانتهم بالخبراء في هذا المجال، وضعف التمويل، وقلة الإمكانات المتاحة للتطوير والتحديث.
وفي هذا الإطار، يقول الدكتور محمد إبراهيم، مدير عام المحميات الأسبق بوزارة البيئة، إن هناك سوء إدارة في ملف المحميات الطبيعية في مصر.
ولفت إلى أن المحميات تحمل بعداً اقتصادياً هاماً، إذا تمت إدارتها بشكل سليم.
وقال إبراهيم لـ «عربي بوست»، إنه من الممكن استثمار المحميات الطبيعية، لكن القائمين على إدارة المحميات غير مؤهلين لإدارتها، على الرغم من أن المحميات أحد أشكال السياحة البيئية، التي ينجذب لها الملايين على مستوى العالم، حسب تعبيره.
وقال: «نستطيع من خلال المحميات أن نحقق مكاسب كبيرة لاقتصاد البلاد، إذا تمت إدارتها بشكل سليم، مثلما حدث مع محمية رأس محمد، التي أُعلنت محميةً في عام 1983، وأطلق لقب مدينة السلام على شرم الشيخ، بعد الإعلان عن هذه المحمية، إلا أن التعديات التي حدثت على المحمية تسبَّبت في تراجع السياحة بشرم الشيخ».
المسألة ليست قلة إمكانات.. والإهمال وصل لمستوى خطير
وانتقد إبراهيم ما يتردد حول عدم قدرة وزارة البيئة على الإنفاق على المحميات.
وأكد أن الوزارة تستطيع الإنفاق عليها، وذلك من خلال تنظيم دعاية وإتاحة الفرصة للباحثين في مجالات البيئة والجيولوجيا والنبات، لعمل أبحاث عليها، ومنع التعديات عليها أو تقليصها.
مسجد السلطان حسن يوصف بأنه درة العمارة الإسلامية بالشرق، ويمثل مرحلة نضوج العمارة المملوكية/سوشيال ميديا
وفسَّر أستاذ الآثار بجامعة القاهرة الدكتور محمود عرفة، عدم تطوير المناطق الأثرية العالمية في مصر وخاصة المواقع المصرية المدرجة على لائحة التراث العالمي بامتناع الدولة عن الاستعانة بخبراء الآثار.
وقال عرفة لـ «عربي بوست» إن قرارات وزراء الآثار السابقين مجرد حبر على ورق، وإن ما يقارب 70% من الأماكن الأثرية مهملة، ولم تخضع لأي تطوير.
من جانبه، قال أستاذ الآثار بجامعة القاهرة، الدكتور مختار الكسباني، إن ميزانية ترميم الأماكن الأثرية غير مكلِّفة على الإطلاق للدولة.
وقال إن هذه الأماكن يفترض أن تكون بمثابة وجهة سياحية لمصر وخاصة المواقع المصرية المدرجة على لائحة التراث العالمي، مؤكداً أنه لا بد من تطويرها والحفاظ عليها باعتبارها إرثاً ومصدراً لزيادة الدخل القومي.
The post هنا فقدت الحيتان أقدامها ونشأت أول إمبراطورية.. قصة آثار مصر السبعة التي لجأ السيسي للمخابرات والجيش لإنقاذها appeared first on عربي بوست — ArabicPost.net.