هذه الكلمات تدل على أنك عرضة للاكتئاب، وأخرى تدل على قدرتك في إدارة الخسائر.. هل تقولها كثيراً؟
ماذا يفعل الأشخاص المتعافون من صدمات نفسية لخلق حياة جديدة
هناك مزحة متداولة في منزلي وهي أن كل شيء أقرأه أو أستمع إليه أو أبدي اهتماماً تجاهه ينتهي بالارتباط السريع بالانتحار، عندما أختار كتاباً يبدو عليه أنه ينتمي لفئة القراءات الخفيفة، أجد في الصفحة الأربعين كلاماً عن انتحار.
وعند مشاهدة إحدى مسلسلات «نتفليكس»، أجد في الموسم الأول من العرض واقعة انتحار، فإذا قررت قراءة مقال بمجلة أجد بها محاولة انتحار وإذا قررت الاستماع لأحد برامج الراديو بشكل عشوائي أجد به محاولة انتحار، يمكنك تصور الأمر.
وفي مرة أخرى قررت الاستماع لتسجيل صوتي أثناء الطهي، لم يكن الأمر مفاجئاً أن التسجيل مرتبط بالانتحار( يتوجب عليك قراءة هذا المقال للنهاية لتعرف السبب)، وجدت أن كل هذه الحالات المرتبطة بالانتحار مثيرة للاهتمام، إذ تبين لي أن مسألة الانتحار قضية خطيرة يمكن أن تظهر لك في كل مكان دون السعي لرؤيتها.
كان التسجيل الصوتي الذي قررت الاستماع إليه هو إحدى حلقات الإذاعة الوطنية العامة، حيث استضافت إحدى مقدمات البرنامج «هنا روزين» والدتها.
تُوفي والد روزين بشكل سريع وغير متوقع وقد كان رجلاً مفعماً بالحيوية والنشاط بحسب وصفها، ولم تتمكن والدتها من المضي قدماً في حياتها بعد الواقعة، وتصف روزين خسارة والدها بقولها «كانت هذه الخسارة بمثابة خروج شيء أساسي من حياتك لدرجة أنك لم تعد تستطيع التعرف على حقيقة هويتك».
وفي نفس الحلقة، التي كانت تحمل عنوان «أنا وأنا وأنا وهو» استضافت روزين زوجين قررا العمل كمربيين للنحل، وأدرك كل من بريندا ولويد كونيف أنهما في حاجة لعمل تغيير بعد انخفاض معظم منتجات المنحل، وانتقلا للعمل في ولاية كاليفورنيا ليلحقا بفترة تلقيح شجر اللوز. (إذ يساعد النحل في زراعة أشجار اللوز)، وفي قصة طويلة وحزينة يمكن سماعها من خلال التسجيل أو قراءة القصة كاملة من هنا ستكتشف أن النحل قد سُرق وأصبحا بدون مصدر رزق بين عشية وضحاها.
قارنت روزين بين ردود فعل والدتها والزوجين تجاه خسائر تغيير الهوية، واتجهت روزين للبحث للمساعدة في فهم ما الذي يمكن أن يساعد شخصاً ما في المضي قدماً بعد خسارة شيء يؤثر في صلابة الإنسان، واكتشفت روزين أن نوعية الأسئلة التي تدور في أذهان البشر بعد خسارة شيء ما هي:
هل أستحق هذا الأمر؟
هل ارتكبت أمراً خاطئاً؟
هل كان يمكن إصلاح الموقف؟
وتمثل هذه الأسئلة كيفية إدارة الناس للخسائر، وتركز هذه الأسئلة على فكرة «أنا» كفاعل أو «أنا» كمفعول به وطبيعة الفرد نفسه، فهي تساهم في جعل الناس عالقين بشخصياتهم غير قادرين على اكتشاف نسخة جديدة من أنفسهم، أو كما تقول روزين «للتفكير في الشخصية التي يمكنهم أن يصبحوا عليها الآن».
وفي آخر فقرات الحلقة استضافت روزين باحث علم النفس الاجتماعي جيمس بينباكر الذي درس كيفية تأثير استخدام الناس لضمائر معينة للحديث عن التجارب الشخصية في تعاملاتهم، فضمائر مثل «أنا ونفسي ولي» تُستخدم من قبل أشخاص يتمتعون بشخصية أكثر فردية وصدقاً وإدراكاً للنفس من غيرهم، كما أنهم يكونون أشخاصاً أكثر عرضة للاكتئاب من غيرهم بحسب ما ذكره جيمس دبليو.
والأشخاص الذين يستخدمون كلمات مثل أعتقد أفهم أدرك يتعاملون بصورة أفضل، إذ تظهر هذه النوعية من الكلمات أن الشخص يعمل على التغيير ويستطيع المضي قدماً بدلاً من البقاء مقيداً أو حائراً داخل شخصية معينة.
وخلال حديثه قدم بينباكر هذا المثال قائلاً:
دعنا نفترض وفاة شخص قريب جداً منك بشكل مفاجئ، فالأمر يمس كل جزء في حياتك ومن روتينك اليومي وكيفية تواصلك مع الآخرين وارتباط الأمر بصحتك، وكل هذه الأجزاء المختلفة من نفسك، ومن الصعب وضع كل هذه الأشياء معاً، لذا سوف تسير بالشارع وتفكر في إحدى هذه الأمور وتشعر بالانزعاج، ومن ثم سوف تنتقل للتفكير في شيء آخر وسوف تشعر بالانزعاج، ولكن القدرة على المضي قدماً وتجاوز هذه المشاعر هي القدرة على وضع هذه التجربة في قصة أبسط وربما أكثر تماسكاً.
هل ينبغي أن أغير قصة حياتي أم أحتفظ بها كما هي على الرغم من الأوضاع الجديدة التي لا تتناسب معها؟
وخلال بحثه في حياة الشعراء لاحظ بينباكر أن الشاعرة سيلفيا بلاث التي انتحرت، قد استخدمت الضمير «أنا» مراراً وتكراراً، وكلَّ الشعراء الآخرين الذين اعتادوا على استخدام الضمير «أنا» مراراً كان ينتهي بهم الأمر كذلك بالانتحار.
وحول قصة الشاعرة بلاث يقول بينباكر «إنها ظلت غارقة في معاناتها وترفض محاولة النهوض من جديد واكتشاف منظور أوسع من حولها».
ويعتقد بينباكر أن اكتشاف منظور أوسع هو المفتاح للشفاء ويستطيع الإنسان إيجاد هذا المنظور من خلال بناء قصة جديدة، ليس اختراعاً بل بناء.
وتعقب روزين قائلةً «استخدام القطع الموجودة وإعادة ترتيبها في شكل جديد يضع الأشباح في خلفية المشهد ما يتيح لك فرصة لتتماشى مع الحقائق واكتشاف مكان جديد للوقوف في العالم الذي تعيش فيه بالفعل».
فما هي الآثار المترتبة على هذا البحث بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من صدمات نفسية مؤلمة أو حوادث قديمة مزعجة أو يعيشون واقعاً مريراً؟
يقترح البحث، في بعض النواحي، أن قيامنا بتغيير اللغة التي نستخدمها في الوصف، قد يمكننا من تغيير الطريقة التي نختبر بها الصدمة، والفقد، والتحديات، أو الألم. إذا انتقلت اللغة التي نستخدمها من كونها ذات طابع شخصي («إن ذلك يؤلمني حقاً» أو «هذا صعب جداً عليّ») لكونها مثمرة («إن الشعور بهذا الألم يجعلني أُدرك أن علي القيام بشيء حيال ذلك» أو «لقد كان الأمر صعباً عليّ لفترة طويلة، وأنا أُدرك أن هذا ليس ما يشعر به معظم الناس»)، يُمْكننا الانتقال إلى مرحلة التصرف، أو حتى التمكين.
كما يقول الطبيب النفسي دان سيجيليمكن، إن هذا التغير في التفكير يمكن أن يكون، جزءاً من تكوين «قصة مترابطة» حيث تُحَوِّل التركيز من ما حدث لك إلى كيفية فهمك لما حدث لك.
هذه الفكرة تعطينا تفسيراً معقولاً، إلى حد ما. وتأتي التوجيهات التالية من أستاذة الطب النفسي والتأمل هولي روجرز قائلةً إنه «في بعض الأحيان، يكون هناك أشياء في حياتنا لا نشعر بشغف تجاهها، قد تكون غير سارّة، بل قد تكون مؤلمة جداً–مع هذا، لا يمكننا فعل شيء حيالها. في تلك اللحظات يكون قبول الأمر والاعتراف بما هو حقيقي دون إضافة أي طبقات من «لا أرغب في أن يكون هذا صحيحاً» أو «هذا ليس عدلاً» أو «لا أحب هذا، لمَ يحدث ذلك معي أنا»، يمكنه مساعدتنا في تجاوز تلك الأوقات العصيبة بسهولة أكبر.
ومن المهم الإشارة إلى أن قبولنا بالرضا والتسليم، والنظر إلى حقيقة وضعنا الراهن- لرؤية إن كانت هناك فرصة للتغيير، وإذا كانت هناك فرصة للقيام بشيء مختلف، حينها، تكون لدينا فرصة أفضل لإدراكها. وتكون لدينا فرصة أفضل لصقل المعرفة بشأن الاحتمالات في هذه اللحظة، ويحدث هذا عندما نرى كل لحظة بوضوحٍ تام».
تُقدم لنا روجرز تأمُّلاً استرشادياً هادفاً ينتهي بطلبٍ منا لمعرفة إذا كان بإمكاننا «استدعاء الرغبة للتسليم بالأمور كما هي. بل وربما حتى أن تقول لنفسك (هذا هو الحال)».
أجدُ أنه من المؤثر حقاً الأخذ بعين الاعتبار، أن تغيير ما نرويه من حكايات لأنفسنا عن حياتنا بإمكانه أن يساعدنا في الخروج من محيط الأسى إلى مكان أفضل. لا يُشترط أن يكون محيطاً للمغامرة (فقد وجدت أم روزين أن هواية القفز بالمظلات جزء من عملية تعافيها، في النهاية)، أو حتى مكان «أكثر إيجابية» (لا نحتاج لتضليل أنفسنا لنهرب من الواقع)؛ يمكن أن يكون مكان الرضا والقبول مكاناً مريحاً، مكاناً للحكمة، للشفاء، بل وربما للسعادة.
هذا الموضوع مترجم عن مجلة Psychology Today
The post هذه الكلمات تدل على أنك عرضة للاكتئاب، وأخرى تدل على قدرتك في إدارة الخسائر.. هل تقولها كثيراً؟ appeared first on عربي بوست — ArabicPost.net.