مشروع نيوم لن يرى النور بعد أزمة خاشقجي.. بماذا اعترف محمد بن سلمان في لقاء خاص مع مسؤولي الشركات الكبرى؟
قالت صحيفة Financial Times البريطانية إن مشروع نيوم الذي يقوده ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، قد تعرَّض لضربة كبيرة عقب مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي وتقطيع جثته بمقر قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية.
وبحسب الصحيفة البريطانية، فإنه عندما التقى وفدٌ من رجال الأعمال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مؤخراً، فوجئوا لدى سماعهم اعترافاً صريحاً من الأمير بخصوص «نيوم»، وهي خطته الضخمة التي تتكلف 500 مليار دولار لتحويل مدينة سعودية شاطئية إلى مجمع أعمال يعتمد على أحدث التقنيات.
ماذا قال ولي العهد السعودي؟
فطبقاً لأحد حاضري هذا الاجتماع، قال الحاكم الفعلي للسعودية: «لن يستثمر أحد (في المشروع) لسنواتٍ».
وكانت تعليقات الأمير بمثابة اعترافٍ بأنَّ الأزمة التي أثارها مقتل جمال خاشقجي تهدد بتقويض خططه الجريئة لتحديث المملكة المُحافِظة، بدعم من رؤوس الأموال والخبرات الأجنبية، بحسب الصحيفة البريطانية.
ومنذ لحظة الإعلان عنها، اعتُبِرَت «نيوم»، التي تعد أكبر مشاريع الأمير محمد وأكثرها طموحاً، مخاطرةً كبيرة؛ إذ إنها مدينة ناشئة تقوم على التقنيات المتطورة مثل الروبوتات والذكاء الاصطناعي.
لكنها الآن تعطلت بعد أن أضرت أزمة مقتل خاشقجي بقدرة المملكة على جذب التمويل والمهارات التقنية العالية التي يحتاجها مشروع نيوم وغيره من مشاريع التنمية.
من جانبه، قال أحد المستشارين في القطاع الخاص السعودي: «أصبحت نيوم محل شك بالتأكيد؛ إذ إن المتعاملين (مع حكومتنا) ليسوا مستعدين لمواجهة السوق الآن».
فمنذ مقتل الصحافي السعودي، نأى مستشارو «نيوم»، من بينهم المهندس المعماري نورمان فوستر، بأنفسهم بعيداً عن المشروع؛ تخوفاً من الأخطار السياسية وما قد يلحق بسمعتهم من ضرر من جراء علاقتهم بولي العهد.
السعودية تعود للاقتصاد التقليدي
وخلال الاجتماع، بحسب الصحيفة البريطانية، تعهد الأمير محمد لرجال الأعمال بأن تزيد المملكة، التي تعتمد على النفط، من استثماراتها في الاقتصاد التقليدي؛ تعويضاً عن المشروعات المتعثرة، في بادرة تواضع مفاجئة من حاكم جعل من فكرة فطام السعودية من النفط عَصَب برنامجه الإصلاحي.
وقال ستيفن هيرتوغ، الخبير في شؤون الخليج بكلية لندن للاقتصاد: «السعودية تعود إلى ما جربته واختبرته سابقاً. إنهم يعودون إلى نقطة البداية».
وكان اقتصاد السعودية يعاني بالفعل قبل مقتل خاشقجي، مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2018، والذي أشعل فتيل الأزمة الدبلوماسية الأكبر بين المملكة والغرب منذ هجمات سبتمبر/أيلول عام 2001، في الولايات المتحدة.
لكن موجة الانتقاد التي تلقاها محمد بن سلمان نتيجة هذه الأحداث، أجبرته على العودة إلى قطاع الأعمال المحلي المتعثر، والسعي للفوز بالدعم داخلياً، في ظل فقدان الشركات الأجنبية شهيتها لضخ أموال إلى المملكة.
في الأسابيع الأخيرة، دُعِيَ رؤساء الشركات للاجتماع مع ولي العهد في جلسات خاصة تبحث التحديات التي يواجهونها؛ إذ يعانون تباطؤ النمو الاقتصادي وتأثُّر مزاج المستثمرين سلباً، بحسب الصحيفة البريطانية.
وفي هذا الصدد، قال أحد المصرفيين ممن هم على دراية بما دار في هذه اللقاءات: «العائلات (السعودية) الكبيرة تضررت، وهم يخبرون ولي العهد عن مدى معاناتهم».
وتعكس هذه المحادثات مدى التغيّر الذي حل بحظوظ محمد بن سلمان؟
مدينة خالية إلا من قصرين!
وبحسب الصحيفة البريطانية، يُذكر أنَّ مدينة نيوم، التي تقع على الساحل الشمالي الغربي للمملكة، لا تضم حتى الآن سوى قصرين فقط، حيث قضى الملك سلمان إجازته الصيفية، بدلاً من زيارة وجهاته المعتادة في المغرب وأوروبا.
وتضم «نيوم» أيضاً منتجعاً استضاف وفود الممولين والخبراء الذين تدفقوا إلى المكان ليطرحوا أفكاراً جديدة بالقرب من الشاطئ حيث الجبال المنحدرة من ورائهم والمياه المليئة بالقروش من أمامهم. لكن أصبح من الصعب الآن على محمد بن سلمان أن يغري المستثمرين بالمجيء إلى المملكة.
وكان ولي العهد السعودي قد أزاح الستار عن هذه المدينة التي ما زالت في طور الجنين، في مؤتمر استثماري جذاب أُقيم العام الماضي (2017)، اجتذب أقوى المصرفيين ورجال الأعمال في العالم، وأُطلِقَ عليه اسم «دافوس الصحراء». وقد أُقيمت النسخة الثانية من الحدث نفسه هذا العام (2018)، بعد 3 أسابيع من مقتل خاشقجي، لكنه شهد مقاطعات من ممولين عالميين، بحسب الصحيفة البريطانية.
وكشفت مصادر مطلعة أنَّ ماسایوشی سون مؤسس شركة Softbank، الذي عوّل على تمويل من السعودية قيمته 45 مليار دولار لإنشاء صندوق Vision للاستثمار في قطاعات التكنولوجيا، قال لمحمد بن سلمان خلال اجتماع، إنَّ أزمة خاشقجي وضعته في موقف صعب. وهو ما قوبل باعتذار من الأمير العنيد.
أما فيما يتعلق بمشروع طاقة شمسية مُخطَط له مع شركة SoftBank، وتصل تكلفته إلى 200 مليار دولار، فقال شخصان مطلعان على المشروع إنه تقرر تقليص حجمه. ومنذ بداية الإعلان عن المشروع، اعتبره أشخاص على دراية بما يدور في وزارة الطاقة السعودية غريباً ولا يمكن تحمّل تكلفته.
إلى جانب ذلك، أوقف رجل الأعمال البريطاني السير ريتشارد برانسون المباحثات مع الرياض حول استثماراتها المقترحة في شركات الفضاء التابعة له؛ ما دفع المملكة إلى إلغاء خططها الهادفة إلى إجراء مزيد من المباحثات حول إقامة مشروع النقل فائق السرعة مع شركة Virgin Hyperloop One.
ويقول مصرفيون ومحامون إنه تم تأجيل العديد من المشاريع الداخلية الصناعية والتجارية.
الانتكاسة الكبرى لبرنامج محمد بن سلمان
أما الانتكاسة الأكبر التي شهدها البرنامج الإصلاحي الطموح للأمير محمد قبل مقتل خاشقجي، بحسب الصحيفة البريطانية، فتمثَّلت في تأجيل الطرح الأولي للاكتتاب العام بقيمة 100 مليار دولار لشركة الطاقة العملاقة التابعة للدولة «أرامكو» لأجلٍ غير مسمى، بسبب مآخذ قانونية، وعدم قدرة المملكة على تحقيق القيمة التي أرادتها.
ومن دون إجراء الطرح الأولي للاكتتاب العام، أصبح صندوق المملكة العربية السعودية للاستثمارات العامة، الذي يمثل المحرك وراء العديد من مشاريع الأمير محمد التنموية وضمنها «نيوم»، خالي الوفاض. إضافة إلى ذلك، تواجه الخطة البديلة لـ «أرامكو» بشراء نصيب صندوق الاستثمارات العامة في شركة سابك للبتروكيماويات بنحو 70 مليار دولار عقبات، من بينها الشروط القاسية التي يضعها السوق لإصدار السندات ومنح القروض.
ووصلت الحالة المزاجية للقطاع الخاص في السعودية، التي تعاني بالفعل منذ سنواتٍ نتيجة تبني إجراءات تقشفية، إلى أسوأ حالاتها في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي (2017)، عندما احتجز الأمير محمد أقطاب التجارة في المملكة ضمن حملته لمكافحة الفساد؛ ما أخاف المستثمرين الأجانب.
ومن بين أحد المعتقلين البارزين في هذه الحملة، عادل الفقيه وزير الاقتصاد السابق، الذي كان بمثابة حجر زاوية في استراتيجية ولي العهد لتحويل اقتصاد المملكة، والتي تُعرَف باسم «رؤية 2030». ويقول مستشارون إنَّ اعتقاله عطَّل البرنامج الإصلاحي، بسبب تغير طاقم العمل وإعادة صياغة الخطط.
The post مشروع نيوم لن يرى النور بعد أزمة خاشقجي.. بماذا اعترف محمد بن سلمان في لقاء خاص مع مسؤولي الشركات الكبرى؟ appeared first on عربي بوست — ArabicPost.net.